الشرق
واجه الاقتصاد المصري تأثيرات جائحة كورونا بشكلٍ جيد، مدعوماً باستجابة سريعة وفعّالة من قِبل الحكومة المصرية، من خلال تبنّي مجموعة من التدابير المالية والنقدية، وتمويل طارئ من صندوق النقد الدولي، إلى جانب برنامج تمويل جديد من الصندوق، وفق تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي.
وسمح التمويل من صندوق النقد الدولي للحكومة بالتفاعل السريع في مواجهة كورونا، من خلال حزمة طوارئ عززت الإنفاق الصحي والاجتماعي بشكل كبير وقدمت الدعم للقطاع الخاص. ورغم سياسة الإغلاق الأقل صرامة مقارنةً بمعظم الدول المحيطة، سجلت مصر عدداً غير مرتفع من حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن وباء كورونا.
تكيُّف مع الجائحة
يرى معهد التمويل الدولي أنه قد يكون لعمليات الإغلاق الجزئي والقيود الأخرى تأثير اقتصادي أقل ضرراً في النصف الثاني من السنة المالية الحالية، حيث وجد المستهلكون والشركات طرقاً للتكيف والاستفادة من التقدم الكبير المحرز في التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية. ومع ذلك، لا تزال هذه التوقعات عرضة للتعديل إذا حدثت تغييرات جديدة فيما يخص انتشار الوباء من الناحية السلبية، أو بمدى التقدم المُحرز على جبهة توزيع اللقاح في كل من مصر والعالم من الناحية الإيجابية.
ويتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي لمصر من 3.6% للسنة المالية 2019/2020 إلى 2.3% للسنة المالية 2020/2021، مدعوماً بالسياسات النقدية والمالية التيسيرية، والتقدم المحقق على صعيد الإصلاحات قبل الوباء.
تضخم تحت السيطرة
بالنسبة لموقف السياسة النقدية، فيعتبر التقرير أنها مواكبة للتطورات، وقد يكون هناك مجال لمزيد من التيسير، خاصةً في ظل غياب ضغوط التضخم، بما يتسق مع هدف البنك المركزي البالغ 7%، أو أكثر أو أقل بـ2%، في الربع الرابع من عام 2022. وواصل التضخم الرئيسي والأساسي لمدة 12 شهراً الانخفاض خلال يناير 2021، حيث وصل إلى 5.4% و3.8% على التوالي.
وخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس منذ نهاية عام 2019، وفي الرابع من فبراير، أبقى على معدلات الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 8.25% و9.25% على التوالي. وتشمل الإجراءات الأخرى التي تم تنفيذها من قِبل البنك المركزي لاحتواء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا، ضمان 100 مليار جنيه مصري (1.7% من إجمالي الناتج المحلي) لتغطية الإقراض بمعدلات تفضيلية لقطاعي الزراعة والصناعة، وتأجيل ما يصل إلى 50% من قيمة الأقساط الشهرية لعملاء البنوك الذين يواجهون صعوبات في تسوية قروضهم، وتمديد مبادرة الإقراض الحالية لقطاع السياحة حتى نهاية عام 2021. وارتفع الائتمان الممنوح للاقتصاد بنسبة 21% في ديسمبر 2020، على أساس سنوي.
القطاع المصرفي
بحسب معهد التمويل الدولي، كان النظام المصرفي مستعداً بشكل جيد لمواجهة صدمة كورونا. وظلّت نسبة القروض المتعثرة منخفضة عند نسبة 4% في الربع الثاني من عام 2020. ولا تزال المخاطر منخفضة لأن البنوك لديها واحدة من أقل معدلات القروض إلى الودائع، وذلك بالتوازي مع تعافي صافي الأصول الأجنبية المباشرة لدى القطاع المصرفي في الأشهر الأخيرة إلى 3.8 مليار دولار في ديسمبر 2020. ومع ذلك، هناك حاجة لمراقبة مستمرة نظراً لعدم اليقين بشأن تأثير الأزمة على جودة الأصول. ومن المُرجح أن ترتفع نسبة القروض المتعثرة بشكل طفيف خلال هذا العام بسبب التباطؤ الإضافي للنشاط الاقتصادي، وذلك على خلفية توقف نشاط السياحة والخدمات الأخرى.
تحدّي الدين العام
رغم الحيز المالي المحدود وارتفاع مستويات الدين العام، وسعت السلطات من برنامجها الاجتماعي، مع التركيز على معالجة الطوارئ الصحية، ودعم الفئات الأكثر ضعفاً من خلال برامج تكافل وكرامة. كما تم تخفيض تعرفة الكهرباء لقطاعيّ الصناعة والسياحة، وتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية حتى إشعار آخر. وتم فرض ضريبة في أعقاب كورونا بنسبة 1% على الرواتب العامة والخاصة، وخُصصت عائداتها لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر تضرراً من الوباء، بحسب التقرير.
و يتوقع معهد التمويل الدولي أن يتسع عجز الميزانية إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021 بسبب انخفاض النمو في الإيرادات الضريبية زيادة الإنفاق.
وقد يبقى الفائض الأولي دون من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن سيكون الضبط المالي القوي أمراً لا مفر منه بمجرد انحسار أزمة كورونا، لإعادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مسار هبوطي مرة أخرى. وتشير توقعات معهد التمويل الدولي إلى أن الدين سيرتفع إلى 92% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول يونيو 2021. وسيكون الحد الأدنى للفائض الأولي اللازم لتحقيق هذا الهدف بنسبة 2%.
التمويل الخارجي
يستدعي واقع التمويل الخارجي توخي الحذر خاصةً مع اتساع عجز الحساب الجاري، وسيظل الدين مرتفعاً في السنوات المقبلة. وأدى التمديد الأخير للديون قصيرة الأجل والتمويل من صندوق النقد الدولي إلى تسهيل احتياجات التمويل الخارجي لمصر ودعم احتياطاتها الرسمية، التي زادت من 36 مليار دولار في مايو 2020 إلى 40 مليار دولار في يناير 2021 (ما يعادل 6.2 شهراً من الواردات)، وفي تقرير معهد التمويل الدولي.
ويضيف بأن السياحة، التي كانت تمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء ومصدراً رئيسياً لعائدات الصرف الأجنبي، أحد القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً بسبب كورونا. وسيؤدي الانخفاض الحاد المتوقع في عائدات السياحة إلى توسيع عجز الحساب الجاري إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2020/2021.
وتشير التقديرات إلى انخفاض عائدات السياحة من 7.4 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية 2019/2020 إلى 1.1 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية 2020/2021، ومع استمرار اضطراب السفر العالمي، من غير المرجح أن تنتعش السياحة تماماً قبل عام 2023.
الحاجة لإصلاحات عميقة
إن تحقيق نمو اقتصادي أعلى ومستدام له متطلبات أساسية، يأتي في مقدمها التركيز على التحديات الهيكلية التي لم تتم معالجتها، بما في ذلك البصمة الكبيرة للدولة في الاقتصاد، والبيروقراطية المفرطة، والافتقار إلى المنافسة، والحوكمة، والضعف المؤسسي. وتستمر هذه المعوقات الكبيرة في تكبيل الاستثمار المحلي الخاص. علماً أن تسهيل مشاركة القطاع الخاص في كافة القطاعات من شأنه أن يقلل من نقاط الضعف ومن الاعتماد على عدد قليل من اللاعبين الكبار في الاقتصاد، كما يرى معهد التمويل الدولي.
ويَعتبر أن مخزون مصر من رؤوس الأموال أقل من الدول النظيرة، بسبب انخفاض استثمارات القطاع الخاص، والتي تمثل تقريباً 12% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة. بينما في المقابل زادت مستويات الاستثمار العام مدعومةً بزيادة الإنفاق على المشاريع الكبيرة داخل الدولة.
لكن معهد التمويل الدولي يُنوّه بالتقدم الكبير الذي تمّ إحرازه على صعيد التحول الرقمي، والذي من شأنه تحسين القدرة التنافسية وزيادة إنتاجية العمل ورأس المال.
كما أشاد بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي تقع على بعد 50 كيلومتراً شرق وسط القاهرة، وستضم معظم المكاتب الحكومية بحلول يونيو 2021.