بلومبرغ
ينتظر كثيرون في القطاع المصرفي نهاية عام 2022 على أحر من الجمر، فقد تميز عام الاضطرابات بتقلب أسواق رأس المال، وتخفيض أعداد العاملين، واشتعال معدلات التضخم، وانهيار قطاع الرموز المشفرة وارتفاع أسعار الفائدة.
يعتمد الأمر على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى حد كبير، فيما إذا جاء عام 2023 بانتعاش ونهوض أو بمزيد من نفس هذه الأزمات.
مع استمرار البنك المركزي في زيادة تكاليف الاقتراض، وإن بوتيرة أبطأ، حتى يسيطر على ضغوط زيادة الأسعار، تتزايد احتمالات ركود الاقتصاد في السنة المقبلة.
رغم أن ذلك عادة يؤثر سلباً على جودة الائتمان، فإن أكبر بنوك البلاد تتمتع بمركز مالي قوي يمكنها من أن تصمد خلال فترة الركود، بما في ذلك الركود الذي يضغط على نشاط الرهن العقاري.
في الواقع، ربما تجد البنوك التقليدية متنفساً على بعض الجبهات، عندما تضطر المؤسسات الناشئة المنافسة لها في قطاع التكنولوجيا المالية إلى التراجع والانحسار نتيجة الرياح الاقتصادية المتوقعة غير المواتية.
مع ذلك لن تتوقف ضغوط الوفاء بوعود التنوع، وأن تثبت البنوك أنها تحقق تقدماً عن طريق توفير مزيد من الشفافية حول هيكل العاملين بها.
فيما يلي نظرة مستقبلية على ما قد ينتظر هذا القطاع في عام 2023.
البنوك الكبيرة بخير
إذا نحينا جانباً، تقليص أعداد العاملين والركود المحتمل، فإن البنوك الكبرى في حالة تؤهلها للصمود في عام مضطرب.
مع التركيز على العمليات المصرفية والتكنولوجيا المالية، من بين أمور أخرى، يقول زميل كلية الأعمال بجامعة كولومبيا تود بيكر: "موقف رأس المال عند البنوك قوي، وكذلك موقف السيولة. وفي حدود ما أراه، لم تتوسع البنوك أكثر مما ينبغي في أي نوع من القروض أو المخاطرة".
الصورة المستقبلية ليست وردية في جميع جوانبها. فبعد توصل بنك "ويلز فارغو" (Wells Fargo & Co) إلى تسوية بقيمة 3.7 مليار دولار تتعلق بمزاعم "سوء الإدارة المتفشية" في وقت سابق من هذا الشهر، تعهد "مكتب الحماية المالية للمستهلك" (CFPB) باتخاذ إجراءات صارمة ضد البنوك التي تخالف القواعد الرقابية.
قال روهيت تشوبرا، مدير "مكتب الحماية المالية للمستهلك": "قوانين البنوك في بلادنا توفر أدوات قوية لضمان عدم تدمير مؤسسات الإيداع المؤمنة ثقة الجمهور، وفي السنة الجديدة، نتوقع أن نتعاون مع زملائنا في المؤسسات الرقابية والتنظيمية في شأن استخدام هذه الأدوات وكيفية ذلك".
رغم قوة رؤوس الأموال، فإن أي ركود سيضطر جهات الإقراض إلى تجنيب احتياطيات إضافية من أجل تغطية القروض الرديئة، مما يضر بصافي الربح ويحتمل معه زيادة قوائم تخفيض عدد العاملين.
في نفس الوقت، ينبغي أن يستمر ارتفاع صافي دخل البنوك من الفوائد نتيجة زيادة أسعار الفائدة – وهو ما يمثل الفرق بين ما تدفعه البنوك من فوائد للمودعين وما تحصل عليه من فوائد على القروض.
البنوك الأخرى مازالت تعاني، ويقول بيكر إن البنوك الأصغر حجماً لا تستطيع النمو إلا عبر صفقات الاستحواذ، وتتسم المصارف متوسطة الحجم بحساسية أعلى للتفاعلات الإقليمية، كما أنها لاتملك تلك القدرة الكبيرة على الاستثمار في التكنولوجيا.
آلام الرهن العقاري
تلقت سوق العقارات ضربات متتالية وعنيفة من رفع أسعار الفائدة في عام 2022، وهبطت هبوطاً سريعاً أعداد قروض الرهن العقاري الجديدة.
تلك ظاهرة من المتوقع أن تستمر في السنة المقبلة، وتتنبأ شركة "ترانس يونيون" (TransUnion) أن يتجاوز عدد عمليات الشراء الجديدة 4 ملايين عملية بقليل على مدى السنة كلها – أي نحو نصف ما سجلته في عام 2021.
في مقابلة شخصية، قال الرئيس التنفيذي لشركة "روكيت كوس" (Rocket Cos.) جاي فارنر: "أعتقد أن عام 2023 يشبه كثيراً النصف الثاني من عام 2022. سيتعين عليك أن تحقق عائداً للعميل بطريقة التكنولوجيا المالية إلى حد كبير".
هيمنة على الإنترنت - جهات الإقراض غير المصرفية تستحوذ على حصة كبيرة من سوق قروض الرهن العقاري بالولايات المتحدة
الترتيب | اسم الشركة | القيمة (مليار دولار) | الحصة السوقية (%) |
1 | روكيت كوس | 114.5 | 6.1 |
2 | يونايتد هولسيل مورغيدج | 100.7 | 5.4 |
3 | ويلز فارغو | 93.5 | 5 |
4 | بينيماك | 86 | 4.6 |
5 | جيه بي مورغان تشيز | 73.3 | 3.9 |
6 | نيوريز | 56.9 | 3 |
7 | لون ديبوت | 47.4 | 2.5 |
8 | يو إس بانكورب | 45.8 | 2.4 |
9 | غارانتيد ريت | 45.2 | 2.4 |
10 | بنك أوف أميركا | 39.5 | 2.1 |
المصدر: "إنسايد مورغيدج فاينانس" (Inside Mortgage Finance)
ملاحظة: استناداً على بيانات الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 وآخر تحديث في أول نوفمبر
بينما تتعامل جهات الإقراض مع ركود سوق الرهن العقاري، ينبغي عليها التركيز على التواصل مع المستهلكين بطرق أخرى، بأن تعرض قائمة من الخدمات المصرفية قبل أن يبدأ العملاء حتى في البحث عن منزل، بحسب فارنر، التي تعتبر شركته واحدة من كبرى شركات الإقراض العقاري في البلاد.
نهاية "سياحة التكنولوجيا المالية"
شركات التكنولوجيا المالية توسعت بوتيرة سريعة على مدى الأعوام القليلة الماضية، مدعومة باستثمارات رأس المال المغامر وانخفاض تكلفة القروض، هذه الصورة تتغير الآن، وبسرعة، إذ إن بعض "سائحي التكنولوجيا المالية" على حد وصف أنوج نايار من شركة "ليندينغ كلوب" (LendingClub)، يخرجون من المجال.
يقول نايار، وهو نائب أول رئيس شركة "لندينغ كلوب" ومسؤول السلامة المالية بها، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نحن نرى بعض السائحين يتراجعون الآن أو أنهم يغادرون المجال تماما. غير أن أولئك الذين يتركز نشاطهم في هذه السوق سوف يواصلون النجاح والنمو، تماما مثل قطاع التجارة الإلكترونية في 2000-2001".
حتى شركة نايار لم تكن محصنة ضد تأثيرات الأزمة، فقد هبطت أسهم الشركة التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية بنحو 65% هذا العام.
يقول نايار، مع نضوب التمويل من رأس المال المغامر، ينبغي الاستعداد لعمليات الاستحواذ أو الإغلاق.
"في أوضاع السوق الحالية، سوف نرى أيضاً شركات التكنولوجيا المالية وهي تتراجع عن بعض المصروفات وتدير معدل الاستنفاد (التدفق النقدي السلبي) بعناية شديدة"، بحسب نايار.
أحد مسارات التوسع الممكنة هو الاستثمارات البديلة.
يقول أرجون كابور، مؤسس شركة "فوركاست لابز" (Forecast Labs) والعضو المنتدب لهذا المشروع التابع لشركة "كومكاست" (Comcast): "أين أستطيع أن استثمر أموالي إذا لم أستثمرها في سوق الأسهم؟".
إن الاهتمام بالاستثمارات البديلة – مثلا الذهب، والفنون والألماس – والتكنولوجيا المالية التي تقدم خدمة الاستثمار فيها، هي مجالات للاستثمار تظهر بعض علامات الحيوية و"تحظى بجاذبية عالية"، وفقاً لكابور.
تنظيم الرموز المشفرة
مع انهيار مجموعة "إف تي إكس" والتحقيقات التي تجري على مستوى رفيع في أنشطة سام بنكمان فريد، أصبح قطاع العملات المشفرة مؤهلاً للتنظيم والرقابة. وقد قام مسؤولو الرقابة المالية فعلاً بتدريب رؤاهم على حالات الانهيار وتوابعها، وبعض أعضاء مجلس الشيوخ، ومنهم السيناتور إليزابيث وارين التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي في ولاية ماساتشوستس، والسناتور الجمهوري روجر مارشال من ولاية كانساس، قدموا مؤخراً تشريعاً يهدف إلى ضبط نشاط هذا القطاع.
يوم الخميس الماضي، قال رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات غاري غنسلر إن صبر الهيئة ينفد إزاء بورصات الأصول الرقمية والشركات الأخرى التي تتجنب الالتزام بالقواعد.
في مقابلة خاصة، صرح غنسلر بأن "الطريق لم تعد طويلة" للوصول إلى تطبيق القواعد وتسجيل هذه الشركات لدى الهيئة. وأضاف: "أن أندية القمار في هذا الغرب المتوحش هي مجموعة من الوسطاء لا تخضع للرقابة والتنظيم".
على مدى سنة ونصف، يقول رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات إن معظم الرموز المشفرة هي في الحقيقة مجرد أوراق مالية غير مسجلة يجري تداولها على شبكة "بلوكتشين". ويؤكد أنها يجب أن تتبع قواعد التداول والاستثمار الصارمة التي تفرضها الهيئة.
الثقافة
في أعقاب مقتل جورج فلويد في عام 2020، تعهد مسؤولو قطاع المال بالعمل على تحسين حالة المساواة العرقية، ليس فقط في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وإنما أيضاً داخل مكاتب وول ستريت التي طالما لم يكن بها سوى شخص واحد أسود في غرفة المكتب، هذا إن وجد.
في السنة المقبلة، يرجح أن تشارك البنوك الكبرى بياناتها المتعلقة بديموغرافيا الموظفين لديها التي ستكشف عن أدائها في عهد ما بعد حادثة جورج فلويد. حتى الآن هناك دلائل على أن التقدم في هذا المجال غير مستقر ولا منتظم.
قالت آنا دوارت ماكارثي إن "الشفافية ضرورية جداً". ترأست آنا جهود التنوع في بنك "سيتي غروب" وتقدم حالياً المشورة في شأن الاحتواء للشركات والمؤسسات غير الربحية. وهي تقول: "إن ما سنستطيع عمله هو متابعة مدى تأثير الالتزامات والاستراتيجيات والتركيز الدولي – على جذب المواهب من ذوي البشرة الداكنة وتنميتها وتقديمها.
لا يوجد طريقة لمعرفة ما هي الوسائل الناجحة وما هي الفاشلة، وفقاً لآنا، بدون توافر الأرقام الحقيقية. وأضافت: "أن المبدأ القديم يقول إن ما يتحقق هو ما يقاس".
انتعاش ترويج وضمان الاكتتاب؟
بعض صانعي الصفقات يتنبؤون بأن عام 2023 سيشهد انتعاشة من أزمة العام الحالي، بينما ينتظرون بلوغ ذروة رفع أسعار الفائدة المعيارية عند الاحتياطي الفيدرالي.
يقول الرئيس المشارك لشؤون رعاة التمويل لدى مصرف "بنك أوف أميركا" سابا نازار إن مجرد الوصول إلى الذروة سيسمح بتسعير الأسهم ومخاطر الديون تسعيراً ملائماً، وسوف تعود السيولة إلى أسواق الائتمان، "بما يسمح لبنوك الاستثمار بالتخلص من المخاطر، وتجميع القروض المعلقة التي تمثل عبئاً على مراكزها المالية".
سينشأ عن ذلك "سعة تمويلية لضمان وترويج الاكتتاب في صفقات جديدة"، بحسب نازار.
في حين أن أحداً لا يستطيع أن يتأكد مما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي في العام المقبل، ولا النقطة التي سيستقر عليها معدل التضخم ومستوى البطالة، يقول جيم لانغستون، الرئيس المشارك لوحدة الاندماج والاستحواذ بالولايات المتحدة في شركة "كليري غوتليب ستين أند هاميلتون" (Cleary Gottlieb Steen & Hamilton)، إن الصورة المستقبلية آخذة في الوضوح إلى حد ما.
أضاف لانغستون: "أعتقد أن الصورة في العام القادم أفضل، ونحن نرى أن السنة المقبلة ستكون أنشط من السنة الحالية، والعمليات كثيرة في قوائم الانتظار".