اضطرابات بنك "كريدي سويس" تضع الرئيس التنفيذي على طريق وعرة

time reading iconدقائق القراءة - 10
توماس جوتشتاين - المصدر: بلومبرغ
توماس جوتشتاين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد شهرين من تولي "توماس جوتشتاين" منصبه في " كريدي سويس جروب في أعقاب فضيحة تجسسٍ مدمِّرة ، وجد الرئيس التنفيذي الجديد نفسه يدافع عن الخسائر التي تكبَّدها البنك في واحدةٍ من أكثر عمليات الاحتيال المحاسبيَّة إثارةً في آسيا "لوكين كافي إنك".

كانت البداية فقط، من الصفقات المشكوك فيها التي جرى ترتيبها لشركة "سوفت بنك جروب كورب"، مع تلقِّيه ضربة قيمتها 450 مليون دولار من الاستثمار في صندوق التحوط "يورك كابيتال"، فقد واجه "جوتشتاين" انتكاسةً تلو الأخرى خلال فترة قصيرة من تولِّيه المسؤولية على رأس ثاني أكبر بنك في سويسرا.

وأدَّت الخسائر والفضائح ، التي ورث الكثير منها، إلى تفاقم الأضرار التي سبَّبها وباء كورونا العالمي، وتهدد الآن بإغراق البنك في الخسارة خلال الربع الأخير من العام الجاري.

انتقل جوتشتاين، الذي من المقرر أن يطلع المستثمرين على تطوراتٍ إستراتيجية يوم الثلاثاء، إلى إدارة المخاطر مركزياً، وتطبيق قواعد الامتثال في زيورخ، وتبسيط الإعداد التنظيمي، وتقليص نمو الإقراض.

كما بدأ بمراجعة وحدة إدارة الأصول بعد سلسلة من الانهيارات الداخلية للصندوق. ولكن بشكل عام ، ابتعد الرئيس التنفيذي الجديد عن اتخاذ خطوات أكثر حسماً، بحجة أنَّ العثرات غير مرتبطة، ودافع عن شهيَّة " كريدي سويس" للمخاطرة بأنَّه يسعى لكسب عملاء من الفئة الأغنى في العالم في أسرع وقت.

وقال متحدِّث باسم البنك عبر البريد الإلكتروني: "لدى "كريدي سويس" سجلٌ حافلٌ من الخسائر الائتمانية في الفترات التي سبقت كوفيد-19، وكذلك في عام 2020 أثناء الانكماش الاقتصادي الناجم عن الجائحة.

ويؤكِّد هذا أيضاً على قوَّة ومرونة نموذج أعمالنا، بما في ذلك على وجه الخصوص استراتيجيتنا لنكون البنك الرائد لخدمة روَّاد الأعمال." ورفض "جوتشتاين" التعليق على هذه القصة.

إرث "ثيام"

تولى "جوتشتاين " ذو الباع الطويل في بنك "كريدي سويس" لمدَّة عقدين من الزمان ، منصبه في شهر فبراير بعد الكشف عن تجسس البنك على الموظفين ممَّا أدَّى إلى الإطاحة ب"تيدجان ثيام". وتعهَّد باستعادة الهدوء مع الاستمرار في استراتيجية سلفه، الذي قلَّص التعاملات المتقلِّبة، وربط البنك الاستثماري بشكل أوثق باحتياجات عملاء البنك لإدارة الثروات، وقدَّم صفقاتٍ أو قروضاً مخصصة على حسب قيمة أصولهم.

بعد رحيل "ثيام" تقريبا ، كشفت الجائحة عن بعض المخاطر التي كان كريدي سويس يواجهها ، لا سيَّما في منح الائتمان للأثرياء. وفي الأشهر التسعة الأولى ، خصَّص البنك 1.1 مليار دولار لتغطية خسائر القروض، أكثر من منافسته الأكبر عبر المدن، بنك "يو بي إس جروب أيه جي " الذي لديه استراتيجية مماثلة.

في حين أنَّ بعض ذلك يعكس طرقاً مختلفةً للمحاسبة، فمن المعروف أنَّ بنك " كريدي سويس " أكثر مرونة من بعض أقرانه عندما يتعلَّق الأمر بإقراض العملاء الأثرياء، على حدِّ قول أشخاص مطَّلعين على هذا الأمر.

وفي الأعمال التجارية التي تقدِّم فيها البنوك الائتمان عادة مقابل محافظ استثمارية متنوعة، فإنَّها ستقبل أحيانا الأسهم الفردية، والضمانات التي يصعب تقييمها، مثل السفن والطائرات، كما قال الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم أثناء مناقشة المعلومات الداخلية.

صعود "وارنر"

قال "أندرياس فينديتي"، المحلِّل في "فونتوبيل" في زيورخ: "استراتيجية كريدي سويس تختلف عن الخدمات المصرفيَّة الخاصة البسيطة". وتابع: "لديك مليارديرات كبار ، أنت تنصحهم بشأن شركاتهم، وتقدم قروضاً من اليسار واليمين والوسط للفوز بهم، والحفاظ عليهم. وكلما زاد اهتمام هؤلاء العملاء، ارتفع منحنى المخاطر ".

تمَّ تشكيل الكثير من هذه الرغبة في المخاطرة على مدار السنوات الأخيرة من قبل "لارا وارنر" ، وهى أحد المقربين من "ثيام" التي جرى تكليفها بالتخلص من المشكلات القديمة، وإعادة ضبط إدارة المخاطر في نهاية المطاف في إطار الاستراتيجية الجديدة. عندما جرى إجبار ثيام على المغادرة، توقَّع بعض من كان في زيورخ أن تتبعه "وارنر" جنباً إلى جنب مع أعضاء آخرين من دائرته المقرَّبة، ولكن بدلاً من ذلك أصدر "جوتشتاين" قراراً بترقيتها إلى رئيس وحدة إدارة المخاطر والامتثال للقواعد في المجموعة المصرفيَّة - وهما وظيفتان كانتا منفصلتين سابقاً.

طالبت "وارنر" مديري المخاطر بالتوقُّف عن التفكير فقط في الدفاع عن رأس مال البنك، والنظر في أولويات العمل الاستراتيجية أيضاً، وفقاً لما ذكره الأشحاص المطَّلعون. فمن المحتمل أن يؤدي الجمع بين وظائف المخاطر والامتثال التي تشرف عليها الآن إلى إلغاء مئات الأدوار الوظيفية، إذ يسعى البنك إلى إزالة التداخل. وغادر ما لا يقل عن 20 من كبار الموظفين - معظمهم من المديرين الإداريين - بالفعل في غضون أقل من عامين.

قال الأشخاص المطَّلعون، إنَّ الكثير من نهجها يعكس تحوُّلاً أوسع في القطاع ، إذ تنظر البنوك إلى إدارات المخاطر على أنَّها أقل كوظيفة للتحكُّم، وأنَّها أكثر أداة للمساعدة في الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية. لكنَّ التعثُّرات الأخيرة أثارت تساؤلاتٍ حول ما إذا كان "كريدي سويس" أعطى الأولوية لنموِّ الإيرادات على حساب المخاطر والامتثال للقواعد.

"لوكين" و"سوفتبنك"

تعدُّ شركة "لوكين كافي"، التي كانت منافساً في وقت سابق لشركة "ستاربكس "، مثالاً على ذلك. وكان "ثيام" قد أشاد بالمؤسس "ليو شانجياو" كونه نموذجاً لاستراتيجيته في القيام بمزيد من الأعمال مع روَّاد الأعمال الآسيويين الأثرياء. وأقرض بنك "كريدي سويس" "ليو" ملايين الدولارات، كما قام بترتيب الاكتتاب العام الأولي المربح للشركة في عام 2019 ، لكنه تفاجأ بخسائر فادحة ، إلى جانب مقرضين آخرين، عندما انهار السهم في عملية احتيال محاسبية.

كما تعرَّض البنك لانتقاداتٍ بسبب عدد من الصفقات التي رتَّبها لعميل آسيويّ رئيسيٍّ آخر ، وهو" سوفتبنك" المملوك ل" ماسايوشي سون". في أواخر عام 2019 ، وساعد المصرفيون في بنك "كريدي سويس" شركة " وایرکارد أيه جي " غير الموجودة الآن في بيع 900 مليون يورو من السندات القابلة للتحويل التي وافق "سوفت بنك" على شرائها، ثمَّ ساعدت "سوفت بنك" بهدوء على خفض تعاملاتها. ومرة أخرى ، كان مصرف "سوفت بنك" في قلب كارثة أخرى تتعلَّق بمجموعة من صناديق التمويل المشترك التابعة ل "كريدي سويس".

وفي الوقت نفسه ، تعرَّضت أعمال "كريدي سويس" في الشرق الأوسط وإفريقيا لقضية احتيال عندما استخدم مدير العلاقات الذي خسر أموالاً لأحد العملاء أموال عملاء آخرين في صفقاتٍ غير مصرَّحٍ بها لتغطية الخسائر. وكان الأمر مدمِّراً بشكل خاص، لأنَّ "كريدي سويس" قد تعرَّض لانتقادات من قبل جهات تنظيمية قبل عامين في قضية مماثلة أثارت تساؤلات حول الرقابة.

و عملت "وارنر" مع مموِّلي الطرف الثالث على أدوات جديدة لتحسين الرقابة، كرئيسة إدارة الامتثال للقواعد، بما في ذلك مشروع مع شركة " بالانتير تكنولوجيس إنك" في وادي السيليكون بالولايات المتحدة للقبض على الموظفين المارقين.

ولكن مع حلول منتصف عام 2017، تخلَّى البنك بهدوء عن المشروع المسمَّى "سيجناك". وفي حين يواصل بنك "كريدي سويس" العمل على أدوات مماثلة ، لم يتمكَّنوا من منع عملية الاحتيال الأخيرة.

صداع الصندوق

وصف "جوتشتاين" خسائر شركة "لوكين" أنَّها مؤسفةٌ، لكنه قال، إنَّه لن يغيِّر استراتيجية بنك "كريدي سويس" لاستهداف روَّاد الأعمال في آسيا. وفي مجال إدارة الأصول، أجرى البنك إصلاح صناديق التمويل المشترك التي كانت في القلب من فضيحة "سوفت بنك"، في حين قال إنَّه يثق في هيكل إدارة الوحدة.

ومع ذلك، ومن وراء الكواليس، قرَّر الحدَّ من نمو الإقراض، مقارنةً مع السنوات السابقة بالنسبة للمنافسين، وذلك وفقاً لشخص مطَّلع على الموضوع. كما بدأ أيضاً بمراجعة استراتيجية لأعمال إدارة الأصول، وهي وحدة تمثِّل عادة مصدر دخل ثابت قليل المخاطر للبنك، ولكنَّها عانت من سلسلة طويلة من انهيارات الصندوق هذا العام.

في الأسبوع الماضي فقط، أعلن بنك الإقراض أنَّ شركتَي " إعادة تأمين"، وهما داعمتان لأنشطة الوحدة، ستتوقفان عن تقديم التغطية التأمينيَّة لأيَّة أعمال جديدة بعد أن قرَّر المستثمرون سحب أموالهم من الصناديق.

كما أغلق البنك صندوق استثمار قائم على استراتيجية التحليل الكميِّ، وتحمل 24 مليون فرنك رسوماً على رأس مال أوليٍّ لأداة مالية عقارية بالولايات المتحدة في الربع الثالث من العام الجاري. ويعمل مشروع مشترك مع جهاز قطر للاستثمار على إغلاق مجموعتين من صناديق الإستثمار، وإعادة رأس المال إلى المستثمرين.

كما جاءت إحدى أكثر الإنتكاسات المؤلمة الشهر الماضي، عندما أعلن بنك "كريدي سويس" عن انخفاض 450 مليون دولار في قيمة حصته في صندوق "يورك كابيتال مانجمنت"، وهو استثمار عمره يقترب من عقد من الزمان ، وابتعد "كريدي سويس" منذ ذلك الحين عن مديري صناديق التمويل المشترك (بوجود طرف ثالث للتمويل) ، فإنَّ هذه التكلفة إلى جانب الحكم القانوني المحتمل البالغ بدفع 380 مليون دولار في قضية تعود إلى فترة الأزمة المالية (التي تفجَّرت في 2008)؛ تهدِّد بدفع البنك إلى المنطقة الحمراء للخسائر خلال الربع الرابع من 2020، وفقاً لـِ"فنديتي".

وقال بنك "كريدي سويس": "لا توجد صلة بين هذه القضايا. وتتعلق اثنتان من القضايا بادعاءات احتيالٍ خارجيٍّ، جرى فيها تضليل المستثمرين، والسلطات التنظيمية، وهما قضيتان لا علاقة لهما بإجراءات القانون المدني القديمة الخاصة بالأوراق المالية للرهون العقارية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من عقد من الزمن، أو الانخفاض في قيمة أسهم يملكها البنك منذ عام 2010 في شركة لا تخضع لإدارته".

تصنيفات