بلومبرغ
حين تخلَّفت الهند عن حضور محادثات المناخ في لندن أواخر يوليو الماضي، اعتبرت المملكة المتحدة المضيفة للمحادثات، ذلك بمثابة تجاهل لها. كان الأمر أيضاً بمثابة تذكير بمدى صعوبة إنقاذ الدبلوماسيين للمناخ العالمي من على حافة الكارثة، وذلك مع بقاء أقل من ثلاثة أشهر حتى انعقاد الجولة القادمة من المفاوضات الصعبة.
لم يكن اجتماع المناخ في لندن هو المثال الوحيد على هذه العقبات المعقدة. فقبل ذلك بيومين فقط، كان اجتماع عقد طوال الليل لوزراء مجموعة العشرين في نابولي بإيطاليا قد فشل في التوصُّل إلى اتفاق حول التخلُّص التدريجي من الفحم، وهو مصدر الطاقة الأكثر تلويثاً. وكانت الهند، وهي ثالث أكبر مصدر للانبعاثات بالعالم، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الفحم، سبباً رئيسياً في تعطُّل هذه الجهود.
وعندما سُئل المسؤولون في الهند عن سبب عدم حضورهم لمحادثات لندن، قالوا، إنَّ بلادهم كانت بحاجة إليهم، وقد واجهوا مشكلات تقنية منعتهم من الاتصال بشبكة الإنترنت، وأوضحوا كذلك أنَّه سبق لهم أن عرضوا وجهات نظرهم بالفعل في اجتماع نابولي السابق.
هدف جلاسكو الطموح
مما لا شكَّ فيه أنَّ تأمين دعم الهند سيكون عاملاً أساسياً لنجاح المحادثات المناخية القادمة في قمة "كوب 26"، التي تدعمها الأمم المتحدة، والمقرَّر انعقادها في جلاسكو في اسكتلندا، في نوفمبر. وكان ألوك شارما، رئيس "كوب 26"، وأحد وزراء حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قد حدَّد هدفاً طموحاً للقمة المنتظرة يتمثَّل بـ"إرسال الفحم إلى التاريخ". وهو أمر من شأنه العمل على خفض الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، من مستويات ما قبل الحقبة الصناعية. لكنَّ درجات الحرارة قد ارتفعت بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية على الكوكب، مع ظهور تأثيرات محسوسة لذلك في أماكن مختلفة- حيث تجتاح الظواهر الجوية القوية العالم- من كندا إلى الصين.
تضع التعهدات الحالية العالم على مسار ينتج عنه ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 2.4 درجة مئوية بحلول عام 2100، وفقاً لمنظمة تعقُّب العمل المناخي غير الربحية. من جهته يقول تقرير الأمم المتحدة لعام 2018 حول ظاهرة الاحتباس الحراري، إنَّ ارتفاع درجة الحرارة بـ1.5 درجة مئوية أيضاً، سينتج عواقب وخيمة على كوكب الأرض، بما في ذلك ارتفاع مستويات سطح البحار بعدَّة أمتار، على امتداد من مئات إلى آلاف السنين، وانقراض جماعي لأصناف من النباتات والحيوانات.
جدير بالذكر أنَّ وقف الاحتباس الحراري للكوكب يتطلَّب خفض حصة الفحم في توليد الطاقة إلى أقل من 2%، بحلول عام 2050، لكنَّ مجموعة العشرين لا تتمكَّن من التوصُّل لاتفاق على طريقة لتحقيق ذلك. وقد فشل قادة دول مجموعة السبع خلال اجتماع عُقِد سابقاً، في الاتفاق على ضرورة التخلُّص التدريجي من استخدام الفحم محلياً، وتعهدوا بوقف تمويله في الخارج فقط.
وتعدُّ هذه الاجتماعات تجمعات صغيرة نسبياً من الدول، لكنَّ الدبلوماسيين في قمة "كوب 26" سيمثِّلون افتراضياً كل دول العالم، مما يزيد صعوبة توافق الآراء. وعقب اجتماع لندن، قال شارما:
إذا لم نحصل على موافقة جميع الدول على التخلص التدريجي من الفحم، فإن البقاء عند حدود الـ 1.5 درجة مئوية سيكون صعب التحقيق.
الرهان على "كوب 26"
ينبغي تحقيق معظم متطلَّبات إنجاح "كوب 26"، قبل بدء فعاليات هذه القمة. يرجع السبب في ذلك إلى موعدين نهائيين محددين، وهما كالتالي: أولاً، على الدول تقديم خطط مناخية محلية أكثر طموحاً تُعرف باسم "المساهمات الوطنية المحددة". وثانياً، على الدول الغنية الوفاء بتعهدها بإنفاق 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة نظيرتها الفقيرة على التكيُّف. وبالرغم من تمديد الموعد النهائي لهذا الإنفاق لمدة عام كامل، مراعاةً لآثار الوباء، إلا أنَّ هدف الإنفاق على المناخ، لم يتم بلوغه بعد، كما أنَّ بعض الدول المؤثِّرة، لم تقدِّم بعد خططها المحلية للمناخ.
تتخطى تعقيدات هذه المحادثات الدولية حدود حكومة مودي في الهند. فبالرغم من أنَّ 197 دولة وقَّعت على اتفاقية باريس الدولية للمناخ في عام 2015، إلا أنَّ انقسامات عميقة ما تزال في الأجواء، حول كيفية بلوغ أهداف الاتفاقية، ومن يتحمَّل العبء الأكبر من المسؤولية.
تعليقاً على هذا الأمر، يقول لي شو، محلل المناخ في "غرين بيس آسيا": "آفاق قمة "كوب 26" لا تبدو واعدة للغاية. هناك العديد من القضايا الرئيسية التي يجب حلّها قبل بدء القمة، كقضية التمويل المناخي، واستخدام الفحم".
مسؤوليات متفاوتة
شكَّلت مسألة التمويل المناخي مصدراً إضافياً للتوترات في الأحداث السابقة لعقد قمة "كوب 26"، بما في ذلك في قمة المناخ الدولية التي استضافتها الولايات المتحدة في إبريل الماضي. فقد ساهمت دول العالم الفقيرة بأقل قدر في التغيُّرات المناخية العالمية، لكنَّها الأكثر هشاشة أمام تداعياته، وتفتقر للقدرة على تحمُّل التكاليف المرتفعة للتكيُّف مع المتغيرات. واتباعاً لمبدأ "المسؤولية المشتركة، وإن كانت متباينة"، اتفقت دول العالم الغنية بالتنسيق مع اتفاقية باريس، على تخصيص 100 مليار دولار سنوياً بالمجموع لمساعدة الدول الفقيرة، ولكنَّهم فشلوا باستمرار على تحقيق هذا الهدف.
ومع اقتراب "كوب 26"، يتركَّز النقاش على مجموعة من الدول التي تصنف في منتصف الطريق مع الاقتصادات الناشئة. وهي اقتصادات تحاجج أنَّ لها الحق نفسه في التصنيع الذي تمتَّعت به الدول المتقدِّمة على مدى القرنين الماضيين، وهو ما يعني حرق الوقود الأحفوري. كذلك فإنَّ الصين، وهي أكبر مُصدِّر للانبعاثات في العالم، تتعرَّض لضغوط كجارتها الهند، من أجل الإعلان عن خطط لكيفية خفض الانبعاثات بشكل كبير خلال العقد المقبل. على أنَّ البلدين لم يقدِّما حتى الآن خططهما المناخية الوطنية المُحدثة.
من جهة أخرى؛ فإنَّ الدول ضمن مجموعة العشر التي لم تقدِّم خططاً مناخية وطنية أكثر طموحاً، هي مسؤولة عن نسبة 47% من الانبعاثات العالمية، وفقاً لـ "معهد الموارد العالمية". وهذه القائمة تشمل المملكة العربية السعودية، وأستراليا. لكن هذه الدول تعهدت في نابولي على تقديم هذه الخطط بحلول قمة "كوب 26".
ولكن، حتى لو أعلنت الصين، والهند، وجنوب إفريقيا، والسعودية هذا العام عن خطط جديدة صارمة لعام 2030، فإنَّها لن تسدَّ الفجوة بين وضعها الحالي بالنسبة للانبعاثات، والوضع الذي ينبغي أن تكون فيه، بحسب ألدن ماير، كبير المشاركين في مجموعة الدفاع عن المناخ "إي ثري جي" (E3G). ولذلك، يقول ماير، إنَّ على اتفاقية جلاسكو أن تضمن وجود التزام يقضي بمراجعة الدول لخططها الوطنية، وتحسينها بصورة مستمرة، بدلاً من دورة المراجعة كل خمس سنوات المحددة عليها في اتفاقية باريس.
يقول ماير موضِّحاً: "تمَّ تجميد بعض هذه المناقشات، كما كان الوضع أثناء التسعينيات، في ديناميكية توجيه الاتهامات العقيمة". ويضيف:
الواقع هو أننا جميعاً نتشارك قارب النجاة سوياً، وهذا القارب معرض لخطر الغرق، لكن السياسة لم تتغير بعد لعكس هذا الواقع.
في غضون ذلك؛ فإنَّ استهلاك الصين من الفحم على وشك أن يسجِّل رقماً قياسياً هذا العام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وعن ذلك، قال شو، من "غرين بيس آسيا"، إنَّ على الصين أن تعلن خططاً للحدِّ من استخدام الفحم سواء على الصعيد المحلي، أو في الخارج. ويمكن أن يشكِّل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل الفرصةَ المنتظرة بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، لإعلان هدف جديد لبلاده على الساحة العالمية. لكن، في حال لم يعلن عن هذا الهدف بحلول قمة "كلوب 26"، فإنَّ حدَّ ارتفاع درجة حرارة الأرض عن مستوى 1.5 درجة مئوية قد يصبح أمراً بعيد المنال.
من ناحية أخرى، ستتوجه الأنظار في جلاسكو إلى الولايات المتحدة، لدفع حصتها من التمويل المُقدَّمة للدول النامية. ويرجع ذلك جزئياً إلى قرار الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب من اتفاقية باريس، فقد كانت البلاد قد تخلَّفت كثيراً عن التزاماتها إزاء هذا الموضوع.
يُذكر أنَّ مشروع البنية التحتية البالغة قيمته 3.5 تريليون دولار، الذي يشقُّ طريقه بصعوبة إلى الكونغرس، يضمُّ 600 مليار دولار فقط من مخصَّصات الإنفاق الجديدة. وبالتالي، يشعر ماير بالقلق من إمكانية عدم وجود التشريع على مكتب الرئيس الحالي جو بايدن لتوقيعه، في الوقت المناسب لقمة "كوب 26". وفي هذه الحالة، لن تتمكَّن الولايات المتحدة من الوفاء بوعدها مرة أخرى.
كيف نضمن عدم تحوّل حرب المناخ إلى نزاع طبقي؟
يخلق هذا الموضوع مشكلة، وذلك لأنَّ العديد من البلدان النامية، مثل بنغلاديش، وفيتنام، تقول، إنَّها لا تستطيع تحقيق أهداف مناخية أكثر طموحاً، حتى وفاء الدول الغنية بتعهداتها التمويلية. وفي ظل عدم تحقيق هدف الـ100 مليار دولار لعام 2020، بدأت الدول الغنية تضع الآن خططاً تبيّن كيفية قيامها بالتعويض عما فاتها، وتقديم التمويل المتفق عليه خلال الأعوام من 2002 إلى 2024 في المتوسط.
قضايا غائبة
ومن هذا المنطلق، عيَّن شارما وزراء من كندا وألمانيا، لوضع خطة تسليم لذلك استجابة لطلب قدَّمته في أغسطس هذه الدول المعرَّضة للخطر.
الكثير من القضايا الموضوعة قيد المناقشة في قمة نوفمبر، لم يتم التطرُّق لها منذ آخر قمة "كوب" في عام 2019، وهذه القضايا تشمل استكمال لائحة اتفاقية باريس بشأن تداول الكربون، التي تندرج ضمن المادة 6 من اتفاقية باريس. والجدير بالذكر أنَّ محادثات عام 2019 فشلت في التوصُّل إلى اتفاق بشأن هذه القضية الرئيسية، نظراً لعدم تمكُّن الاتحاد الأوروبي والبرازيل، من الاتفاق على القواعد المحاسبية لتداول تصاريح الانبعاثات.
يأمل شارما والمضيفون البريطانيون الآخرون، بالتوصُّل خلال القمة في اسكتلندا، إلى تسوية من شأنها أن تحقق شيئاً ما من اجتماع هذا العام. لكنْ يحذِّر بعض نشطاء المناخ من أنَّ الكثير من التنازلات ستكون أسوأ من عدم وجود اتفاق على الإطلاق، على حدِّ قول إيدي بيريز، رئيس دبلوماسية المناخ الدولية في شبكة العمل المناخي بكندا.
وأوضح بيريز: "ثمَّة خطر يكمن في أنَّ الكثير من التنازلات، قد تؤدي إلى اقتراح المادة 6، إذ من شأن ذلك التأثير على السلامة البيئية في اتفاقية باريس".