الصراع على سوق السيارات الكهربائية في الصين يخنق الصنّاع الصغار

تضم السوق الصينية 100 مصنع للنماذج الهجينة حالياً، مقابل 500 منشأة للسيارات الكهربائية في 2019

time reading iconدقائق القراءة - 16
محطة لشحن السيارات الكهربائية في ليوزهو. الصين - المصدر: بلومبرغ
محطة لشحن السيارات الكهربائية في ليوزهو. الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بدأت أكبر سوق سيارات كهربائية في العالم تودّع المرحلة المفعمة بالنشاط التي تميّزت بها عند انطلاقتها.

هذه الصناعة الحافلة بالزخم في الصين –المحفّزة بأوجه الدعم التي تقدمها الحكومة منذ أكثر من عقد من الزمان– تضم حالياً حوالي 100 مصنع ينتج نماذج سيارات إما هجينة أو تعمل بالكهرباء الخالصة. وبينما قد يكون هذا العدد أقل من حوالي 500 مصنع للسيارات الكهربائية في عام 2019، تبدو النهاية الآن تلوح في الأفق مع تسجيل المزيد من الانخفاض في العدد.

تحوّلت السوق المنهارة رسمياً من كونها مزدحمة إلى متوسطة التركيز في الربع الأول، وذلك استناداً إلى مؤشر "هيرفيندال–هيرشمان" (Herfindahl-Hirschman)، وهو مقياس يعتمد عليه الأكاديميون والجهات التنظيمية لتقييم المنافسة وقياس تركيز السوق. وبات أكبر الرابحين هم الشركات التي تحتل القمة فعلياً، مثل "بي واي دي" (BYD) و"تسلا"، اللتين عززتا صدارتهما.

وفقاً لوانغ هانيانغ، محلل صناعة السيارات لدى شركة "86 ريسيرش" (.86Research Ltd) ومقرها في شنغهاي، فإن "80% من الشركات الناشئة بمجال مركبات الطاقة الجديدة، إذا وُضعت في الاعتبار جميعاً منذ الدعم الأولي، خرجت فعلياً أو بدأت تخرج من السوق".

هذه الحال لا تحمل أخباراً طيبة بالنسبة إلى اللاعبين المتعثرين، مثل "نيو" (.Nio Inc)، التي تراجعت مبيعاتها حيث ذكرت الأسبوع الماضي أن حكومة أبوظبي ستستحوذ على حصة 7% فيها بعد ضخٍ في رأسمال الشركة. قبل عامين فقط، كان وليام لي، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"نيو" يتعرض للهجوم من قبل المعجبين في حفلات العشاء التي كانت تقيمها الشركة لعملائها، وكانت الشركة تتقدم نحو النجومية بعد أن أفلتت بالفعل من تجربة شبه مدمِّرة، وأنقذها ضخ مالي كبير قدمته حكومة بلدية "هيفاي" (Hefei).

يُظهر مؤشر "هيرفيندال–هيرشمان" اتجاهاً واضحاً للتآزر على مدار السنوات العديدة الماضية، لينهي الصعود المبدئي للاعبين الجُدُد الذي ظهر عندما أطلقت الصين لأول مرة خططاً لدعم مركبات الطاقة النظيفة من الدولة والمحليات الأخرى.

ضغط متصاعد

تصاعد الضغط بمرور الوقت، حيث عززت الشركات المهيمنة مواقعها، فيما تواجه الشركات الأصغر تحدياً من أجل البقاء. ارتفعت حصة السوق من مبيعات الوحدات لأكبر أربع شركات بالسوق إلى 60% خلال الربع الأول لعام 2023، مقارنة بـ44% في الفترة نفسها قبل ثلاث سنوات.

على الرغم من أن الصين قد مدّدت الإعفاء الضريبي للمستهلكين الذين يشترون سيارات الطاقة الجديدة حتى عام 2027، تشير كافة الدلائل إلى أن الحكومة لن تستمر في دعم شركات صناعة السيارات المتعثرة. قال شين جوبين، مسؤول من وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، إن حافز التآزر من جانب قوى السوق والآليات التنظيمية من شأنها أن تساعد في جعل العلامات التجارية المتبقية قادرة على المنافسة دولياً.

سطع نجم شركة "بي واي دي"، المدعومة من شركة "بيركشاير هاثاواي" (.Berkshire Hathaway Inc) المملوكة للملياردير وارن بافيت، على مدار العامين الماضيين. وهناك أكثر من واحد من كل ثلاث سيارات عاملة بمصادر الطاقة الجديدة تُباع في الصين اليوم صنعتها الشركة التي تتخذ من شينزن مقراً لها، حيث ارتفعت هذه النسبة من أقل من 15% في أواخر عام 2020 عندما بدأت سوق السيارات النظيفة في بيع أكثر من 100 ألف وحدة كل شهر بشكل متواصل.

نجاح "بي واي دي" يشكّل ضغطاً حتى على الشركة الرئيسية الثانية في السوق، وهي "تسلا"، التي فقدت حصتها تدريجياً خلال العامين الماضيين حتى بدأت بتحقيق إنجاز في الربع الأول. والآن تستعد للاستحواذ على حوالي 11% من كعكة سوق السيارات الكهربائية، ما يمنح هاتين الشركتين الرئيسيتين ما يقرب من نصف حصة السوق.

أفول نجم شركات

في غضون ذلك، اختفى عدد من الشركات البارزة الأولى في الصناعة بصمت. فقد كان العديد من السيارات الكهربائية المبكرة قد صُنعت بشكل أساسي بهدف التأهل للاستفادة من أوجه الدعم وتلبية المتطلبات التنظيمية، وغالباً ما لم تكن تقدم تصميماً وأداءً عالي الجودة.

قال يوشين سيبرت من شركة "جيه إس سي أوتوموتيف" (JSC Automotive)، الاستشارية في مجال السيارات بسنغافورة: "نسميها السيارات التنظيمية"، في إشارة إلى السيارات التي تُباع غالباً للأساطيل والتي صُممت لتلبية قواعد استهلاك الوقود والحصول على ائتمانات للطاقة الجديدة ومساعدات أخرى، مضيفاً: "الشيء المهم الوحيد هو أنه يجب أن تكون سيارة كهربائية".

إنفوغراف: الصين أكبر مشترٍ للسيارات الكهربائية في الربع الأول من 2023

بدأ الطلب على هذه المركبات في التلاشي بمجرد زيادة المتطلبات وظهور المنافسين، وأصبحت سوق الأسطول مُشبّعة.

من جانبها، باعت شركة السيارات الكهربائية "زيدو" (Zhidou Electric Vehicles Co)، ومقرها في نينغهاي وهي مدعومة من قبل مجموعة "زيانغ جيلي هولدينغ غروب" المملوكة لرجل الأعمال لي شيفو، حوالي 100 ألف سيارة بمدى قيادة لا يقل عن 62 ميلاً (100 كيلومتر) لكل شحنة كهرباء، وذلك بين عامي 2015 و2017. وسرعان ما فقدت شركة تصنيع السيارات الصغيرة الزخم بعد أن أنهت الصين الدعم للمركبات الكهربائية التي تسير أقل من 93 ميلاً للشحنة الواحدة في عام 2018.

وبالمثل، فإن شركة "بكين إلكتريك فيهكل" (Beijing Electric Vehicle)، وهي ذراع صناعة السيارات الكهربائية التابعة لشركة "بايك موتور" (.BAIC Motor Corp) المملوكة للدولة، والتي قادت مبيعات السيارات المُدارة بشكل كامل بالكهرباء لأكثر من خمس سنوات من خلال استهداف مشغلي الأساطيل بشكل أساسي، بدأت في تسجيل خسائر بعد انخفاض الدعم، وبعد ذلك غيّرت استراتيجيتها.

أما شركة "بايتون" (.Byton Ltd) التي أسسها تنفيذيون سابقون في شركة "بي إم دبليو"، فقد اضطرت إلى تعليق الإنتاج قبل تسليم أول شحنة سيارات. في حين أن شركة "زيش يوزينغ تكنولوجي شنغهاي" (Zhiche Youxing Technology Shanghai) -التي كانت تخطط في البداية للإدراج ضمن مؤشر "ستار بورد" (Star Board) في الصين في عام 2019- شارفت على الإفلاس في عام 2022.

لكن السوق ليست ممهّدة بالورود، بأي حال من الأحوال، بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات التي تحاول جذب العملاء بدلاً من تلبية القواعد التنظيمية.

هبوط بطيء

كانت شركة "دبليو إم موتور تكنولوجي غروب" (.WM Motor Technology Group Co)، واحدة من أحدث الضحايا في هزة الهبوط البطيئة، وهي شركة لتصنيع السيارات الكهربائية ومقرها في شنغهاي ومدعومة من شركة التكنولوجيا العملاقة "بايدو".

بعد حوالي شهر ونصف من إعلان الشركة في يناير الماضي أنها ستلجأ إلى اندماج عكسي لطرح أسهمها للاكتتاب العام في هونغ كونغ، ظهرت تقارير تفيد بخفض الرواتب وإجراء عمليات تسريح للموظفين. فما كان إلا أن انخفضت المبيعات.

اضطُرت فريا كوي، المقيمة في شيجياتشوانغ في شمال الصين وأحد أوائل مالكي السيارة الرياضية متعددة الاستخدامات "إي إكس5"، التي أنتجتها "دبليو إم موتور"، إلى التخلي عن سيارتها بعد أربع سنوات في أبريل الماضي بسبب ظهور عيب في مجموعة البطارية. أخبرها التاجر أنه لا توجد بدائل متاحة بسبب المشاكل المالية للشركة، ولم تكن هذه هي الحالة الوحيدة، حيث قالت إن الأمر سيكلّف أكثر من السعر الأولي للسيارة بعد الدعم لشراء مجموعة بطارية جديدة من طرف ثالث.

بعد عدة محاولات فاشلة للوصول إلى "دبليو إم موتور" أو رئيسها التنفيذي فريمان شين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اشترت "كوي" سيارة تعمل بالبنزين رخيصة التكلفة لأغراض التنقل، بينما كانت تأمل في تعافي الشركة.

قالت "كوي": "قدمت الطلب حتى قبل رؤية سيارة فعلية، وكان الضمان مدى الحياة لحزمة البطارية بمثابة إضافة كبيرة لي. مَن كان يظن أن الشركة ستكون ذات يوم على وشك الانهيار؟".

انقلاب صارخ

انقلاب ثروة "دبليو إم" رأساً على عقب كان أمراً صارخاً. الشركة التي حظيت بإشادة كبيرة أنهت اثنين من أكبر خمس استثمارات في رأس المال الاستثماري من حيث حجم الصفقات في سوق السيارات النظيفة في الصين منذ عام 2018، وفقاً لشركة تزويد بيانات أسواق رأس المال "بريكين" (Preqin). تباينت فئة المستثمرين في الصفقات (التي جرت في عامي 2020 و2021) من بنوك رائدة مملوكة للدولة إلى شركات تكنولوجيا.

يتعذر تحديد ما إذا كانت وتيرة التآزر في السوق ستستمر في ظل استمرار الاهتمام الواعد من قبل مستهلكي السيارات الكهربائية. قفزت مبيعات التجزئة لسيارات الطاقة الجديدة إلى 580 ألف وحدة في الصين الشهر الماضي، لكنها لم تمثل سوى ثلث إجمالي عمليات تسليم سيارات الركاب، وفقاً لبيانات من اتحاد سيارات الركاب.

من جانبه، يتوقع سيبرت، من شركة "جيه إس سي أوتوموتيف"، أن تفسح الميزات الرائعة مثل وظائف القيادة الذاتية والشاشات المدمجة الكبيرة وحتى أنظمة الكاريوكي الموجودة في الموجة الأولى من السيارات الكهربائية، المجال للتركيز على السلامة والأداء والمتانة، فيما يعد تحولاً قد يوفر ميزة لشركات صناعة السيارات القديمة مثل "فولكس واجن". وأضاف: "السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة".

تصنيفات

قصص قد تهمك