بلومبرغ
يتسبب تغير المناخ في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة عدد موجات الحر وشدّتها. كما أنَّ تأثيرات الرطوبة والظروف المناخية القاسية تختبر حدود قدرات الجسم البشري. ففي العام الماضي، عندما ضرب الحر الشديد الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا، سجلت نيودلهي أعلى درجة للحرارة، التي تجاوزت 49 مئوية (120 فهرنهايت). ووفقاً لأحد التقديرات؛ فقد عانى 90% من سكان الهند البالغ تعدادهم 1,4 مليار نسمة من آثار خطيرة على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
توجد تحذيرات جديدة لتكرار الأمر نفسه خلال العام الجاري في مناطق من الهند خلال يونيو، مما يشكل خبراً سيئاً لشبكات توزيع الكهرباء، والمحاصيل، وملايين العاملين. يُتوقَّع أن تمتد الأوضاع الحارة والجافة غير المعتادة إلى أوروبا خلال الصيف أيضاً.
1) لماذا يشكل الحر الشديد خطورة بالغة؟
هناك أسباب عديدة، فالناس تكون عادة أكثر عرضة للإصابة بالجفاف عندما ترتفع درجات الحرارة، مما يزيد من خطر الإصابة بأزمة قلبية وسكتة دماغية. ويمكن للحرارة أيضاً أن تفاقم مشكلات التنفس، لا سيما عند ارتفاع مستويات التلوث. وهناك أيضاً الإجهاد الحراري الذي يجعل العمل صعباً، ويزيد من احتمالات وقوع الإصابات.
البحر الأبيض المتوسط يسجل درجات حرارة قياسية في الربيع
يصعب معرفة عدد الذين ماتوا بسبب الحر على وجه التحديد كل عام، إذ لا تُحصى أغلب الحالات. ولا توجد حصيلة رسمية لضحايا الحر الحارق خلال 2022 في الهند وباكستان، لكن يمكن القول إنَّ الإحصاءات الأولية التي أشارت إلى وفاة نحو 90 شخصاً فقط تقلل من حجم المأساة بكل تأكيد.
تعاني الاقتصادات الناشئة بشكل أكبر من الاقتصادات المتقدمة، حيث تتاح فرص ضئيلة لسكانها للهروب من حرارة الشمس، ويعمل أغلبهم في الهواء الطلق، فضلاً عن أنَّ قليلين يملكون نظاماً فعلاً للتبريد في المنازل. كما يمكن أن تخزّن الخرسانة والأسفلت في المناطق الحضرية الحرارة، مما يؤدي لارتفاع درجات الحرارة في الليل ويسبب الإجهاد الحراري. والنساء وكبار السن هم الأكثر تأثراً، وفقاً لما كشفته دراسة أجريت في هونغ كونغ لحالات الطقس شديد الحرارة التي امتدت إلى عشر سنوات.
2) ما هو الترمومتر البصيلي الذي يقيس الرطوبة والحرارة؟
يتزايد استخدام متوقِّعي الأرصاد الجوية لمؤشرات الإجهاد والاضطراب الحراري، مثل مؤشر الرطوبة أو مؤشر الحرارة أو درجة الحرارة الظاهرية، لفهم المخاطر الصحية التي تشكّلها درجات الحرارة المرتفعة. تعتبر الدرجة التي يرصدها الترمومتر البصيلي الشكل الذي يقيس تأثير الرطوبة والحرارة (Wet-bulb) ضمن عدة عوامل أخرى أحد تلك المؤشرات، وتشير درجاته المرتفعة إلى صعوبة تبريد جسم الإنسان لنفسه عبر التعرق.
الكوكب يسجل مستويات قياسية جديدة لحرارة المحيطات وذوبان الجليد
من المناطق التي تنتشر فيها درجة حرارة 42 مئوية ورطوبة 40% هي فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا الأميركية، التي تصل درجة حرارتها على الترمومتر الحراري البصيلي الشكل إلى نحو 30 مئوية في شهر يوليو. وقد تكون درجة الحرارة أقل - 30 مئوية مثلاً- لكنَّ الرطوبة أعلى عند 80%، وقتها تكون قراءة الترمومتر عند 35 مئوية، وهي درجة تكفي للتسبب في ضربة شمس حتى للأصحاء الذين يتوفر لديهم الظل والماء.
في الواقع؛ غالباً ما يكون الظل والماء ضمن مساحة أو كمية محدودة، ويمكن للحر أن يقتل عند درجات أقل بكثير على هذا الترمومتر. إذ كشفت دراسة أجريت في 2020 ونشرتها دورية "ساينس" العلمية أنَّ المناطق التي ضربتها موجة الحر الأوروبية في 2003 والروسية في 2010، التي أدت لوفاة الآلاف، لم تتجاوز قراءاتها على هذا الترمومتر 28 درجة مئوية.
3) كيف تُقاس درجات الحرارة باستخدام هذا الترمومتر؟
تقاس في الأساس بلف قطعة قماشية حول بُصيلة الترمومتر، ويسجل العلماء القراءة بعد أن يبرّدها تبخر الرطوبة، بالطريقة ذاتها التي يُبرّد بها الجسم بالتعرق. تقاس حالياً باستخدام أدوات إلكترونية في محطات الأرصاد الجوية، مع دراسات أخرى للمناطق الحارة تساعد فيها بيانات الأقمار الصناعية من مصادر تتضمن وكالة ناسا ومحطة الفضاء الدولية.
بفضل التعهدات الدولية..العالم في طريقه لتحقيق السيناريو المناخي الأكثر تفاؤلاً
كما طوّرت "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" (NOAA) أداة جديدة لتوفير مقياس أكثر تطوراً للإجهاد الحراري، حيث يقيس درجة حرارة البصيلة الكروية المُرطبة، التي تأخذ في اعتبارها سرعة الرياح، وزاوية سقوط ضوء الشمس، والغطاء السحابي.
4) في أي المناطق يمثل ذلك مشكلة؟
عادة يبلغ الحر والرطوبة أعلى مستوياتهما في المناخين الجنوب آسيوي وشبه الاستوائي، وتجاوزت درجة حرارة الترمومتر البصيلي في بعض مناطق الهند 32 مئوية، وتتوقَّع الأمم المتحدة أنَّ الهند ستكون من أوائل الدول التي تتجاوز 35 مئوية على الترمومتر، حيث يسبب نمط الطقس المرتبط بظاهرة "إل نينيو" (El Nino) التي ظهرت بشكل لافت مؤخراً ارتفاعَ درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في المنطقة.
كما يُرجح أن تعاني مناطق من باكستان، والشرق الأوسط، والمكسيك أيضاً من حرارة شديدة ورطوبة مرتفعة. لكن حتى المناطق التي عادة ما يكون طقسها معتدلاً؛ فإنَّها تشهد أيضاً أياماً يشتد فيها الحر بشكل متزايد. ومن ذلك تسجيل المملكة المتحدة أعلى درجة حرارة عند 40 مئوية في يوليو 2022، ووصلت في بعض أنحاء البرتغال إلى 47 درجة، لكنَّ الانخفاض النسبي للرطوبة في كلتا المنطقتين أبقى قراءة الترمومتر عند 25 درجة.
سجلت إسبانيا والبرتغال أعلى درجة حرارة مسجلة في أبريل في العام الجاري، حيث رفعت كتلة هوائية ساخنة درجات الحرارة لتقارب 40 درجة في بعض المناطق في نهاية الشهر. وحدثت الموجة الحارة وسط انتشار الجفاف الذي ضرب المنطقة للعام الثاني على التوالي.
5) ما الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحر؟
في المناطق ذات الحر الشديد، يصبح كل جانب من جوانب الحياة أصعب، وتشتد أوجه عدم المساواة، لا سيما في المدن. لكن حتى الأماكن الأبرد نسبياً تتأثر عادةً عبر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
كمثال لذلك؛ قلص صيف 2022 الحارق في الهند إنتاج القمح، وأجبر ثاني أكبر منتجيه في العالم على حظر الصادرات، مما أثار مخاوف حيال نقص الغذاء العالمي والتضخم وسط الحرب في أوكرانيا، برغم أنَّ الهند ليست من كبار المُصدرين. ففي النهاية كانت الهند مستعدة لحصد محصول قياسي من القمح.
من شأن حدوث عبء مشابه في العام الجاري أن يضر مرة أخرى بالقمح، وبذور اللفت، والحمص. ويرتفع استهلاك الكهرباء أيضاً خلال ذروة الحر، مما يشكل عبئاً على شبكة التوزيع، وميزانية المستهلكين مع ارتفاع الأسعار. كما يفاقم الحر من الجفاف، وهو يسبب ضغطاً أكبر على إنتاج الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية.
6) ما العلاقة بين الحر الشديد وتغير المناخ؟
ظهر فرع جديد في العلوم يدعى "إسناد الأحداث المتطرفة"، ويربط الاحترار العالمي بأوضاع الطقس الشديدة بدرجة من التحديد، ويربط موجات الحر بالتلوث والغازات الدفيئة الناتجة عن البشر.
كما يسبب الحر، إلى جانب الجفاف والرياح، حرائق الغابات، لذلك فالعلماء حالياً على ثقة من أنَّ تغيّر المناخ يفاقم حرائق الغابات في غرب الولايات المتحدة، وأستراليا، وكل مكان آخر. فقد طال موسم الحرائق في الولايات المتحدة حالياً لمدة شهرين عما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات.
تغير المناخ يفاقم من حدة العواصف الاستوائية، التي يطلق عليها أيضاً اسم الأعاصير. والمياه الأكثر دفئاً والهواء الأكثر أيضاً، وهما نتيجتان للاحترار العالمي، يزيدان من شدة تلك العواصف، مثل الإعصار القوي الذي ضرب غرب أستراليا في أبريل. ويُرجح أنَّ تغير المناخ هو المسؤول عن تضاعف حدة الحر الشديد في الهند وباكستان بثلاثين مرة.