بلومبرغ
يرسم الاتحاد الأوروبي خطة جريئة للتأكد من عدم تقويض معاييره الراسخة للحدّ من التلوث عن طريق القواعد الضعيفة التي يسنها شركاؤه التجاريين. إذ سيفرض ضريبة تُعرف رسمياً بإسم "آلية ضبط حدود الكربون" لمكافحة ما يسمى بتسرب الكربون، وهو ما يحدث عندما تحول الشركات إنتاجها إلى أماكن تتبع سياسات أكثر مرونة لتقليل التكاليف. الهدف هو تحقيق تكافؤ الفرص وحماية شركات الصناعة الأوروبية، مع حث مناطق أخرى لتحذو حذو الاتحاد الأوروبي في فرض الضرائب على الانبعاثات.
أثارت الفكرة رد فعل عنيف من شركاء تجاريين من بينهم روسيا والصين، كما أدت إلى زيادة التوترات فيما يتعلق بالمساعدات البيئية مع الولايات المتحدة.
1- كيف ستطبق ضريبة الكربون؟
تستهدف الضريبة مبدئياً الصلب والألمنيوم والأسمنت والأسمدة والهيدروجين والكهرباء، وهي جميعاً سلع كثيفة الكربون. ستبدأ آلية الضبط بمرحلة جمع البيانات في أكتوبر 2023، حين يراقب المستوردون ويبلغون عن عدد الأطنان المترية من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من صناعة البضائع التي يجلبونها من الخارج.
بعد ذلك، يحتاج المستوردون لشراء نوع جديد من شهادات التلوث، لكي ينعكس هذا التدفق بما يتماشى مع الأسعار في نظام تداول الانبعاثات المطبق بالكتلة الأوروبية وسوقها للحد الأقصى والتجارة، من أجل الحصول على التصاريح.
قد تُقدم إعفاءات جزئية، على الأقل من الرسوم لمن يدفعون بالفعل ضريبة الكربون في الدولة التي أُنتجت فيها البضائع (دولة المنشأ). وهو أمر مهم، لأنه يجنب هذه الخطة من اعتبارها ضريبة غير قانونية بموجب اللوائح التي وضعتها منظمة التجارة العالمية.
2- ما مدى صرامة قيود الاتحاد الأوروبي على التلوث؟
يشدد التكتل المؤلف من 27 دولة، والذي يعتبر نفسه رائداً في الجهود المناخية، القواعد لتحقيق هدف ملزم، وهو أن يصل إلى الحياد المناخي بحلول 2050 (ما يعني تعويض أي انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري عن طريق عمليات الإزالة). أطلق في يوليو 2021 أكبر إصلاح حتى الآن في سوق الانبعاثات الذي انطلق منذ 16 سنة، والذي يعرقل الحصول على الرخص، ويوسع البرنامج ليشمل الشحن.
بريطانيا تطور مشاريع طاقة متجددة بحرية مع مجموعة أوروبية
ساعدت هذه التحركات في ارتفاع أسعار رخص النظام الأوروبي لتداول الانبعاثات لأكثر من عشرة أضعاف في خمس سنوات، لتصل إلى رقم قياسي يبلغ 100 يورو (106 دولارات) للطن في 2022.
3- ما مدى خطورة تسرب الكربون؟
حالياً وبحسب البنك الدولي يخضع أقل من 4% من الانبعاثات العالمية للتسعير المباشر للكربون بما يتماشى مع أهداف 2030 المنصوص عليها في اتفاقية باريس، ويقول نشطاء البيئة إن معظم الرسوم ليست عالية بما يكفي لتغيير سلوك الملوثين. أصبح خطر تسرب الكربون في الاتحاد الأوروبي موضوعاً مهماً بعد ارتفاع أسعار الانبعاثات. سيزداد الأمر صعوبة مع الإلغاء التدريجي للتصاريح المجانية التي تمنحها الحكومات الآن للشركات المصنعة.
4- ماذا يقول المنتقدون؟
الشركاء التجاريون مستاؤون من محاولات أوروبا لإجبارهم على مواكبة طموحات الكتلة فيما يتعلق بالمناخ. رئيس الوزراء البلجيكي، أليكساندر دي كرو، أشار في 2021 خلال مؤتمر المناخ "كوب 26"، إلى أن خطط الاتحاد الأوروبي الرائدة للحد من انبعاثات الكربون يمكن أن تستخدم "تقريباً كسلاح تجاري".
كبار المستثمرين يطالبون شركات النفط بأهداف مناخية أكثر صرامة
الصين، وهي أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، هاجمت آلية ضبط حدود الكربون باعتبارها تشكل حاجزاً تجارياً، رغم أنها تخطط أيضاً لتوسيع سوق تداول الانبعاثات الخاصة بها. أما روسيا، ثاني أكبر مصدّر للصلب إلى الاتحاد الأوروبي، فقد قالت إن الآلية قد ترفع أسعار السلع الأساسية مثل الفولاذ المدرفل والألمنيوم، رغم أن صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي تراجعت بسبب الحرب في أوكرانيا. احتمالية تطبيق الآلية الأوربية، دفعت تركيا، أكبر مصدر لواردات الصلب للاتحاد الأوروبي، بالفعل إلى المصادقة أخيراً على اتفاقية باريس. والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة ليس لديها سوق للكربون، وبالتالي سيتوجب عليها دفع رسوم الصادرات كثيفة الكربون للاتحاد الأوروبي.
شككت الحكومة الأميركية في الفكرة، بينما انتقدت دول أوروبية بقيادة فرنسا جوهر أجندة واشنطن للبيئة، وهي حزمة مساعدات للاستثمارات الخضراء، ويقول المسؤولون الأوروبيون إنها تخرق قواعد المنافسة لمنظمة التجارة العالمية.
5- هل الاتحاد الأوروبي الجهة الوحيدة التي تفرض ضريبة للحد من انبعاثات الكربون؟
تخلصت الولايات المتحدة من نسختها الخاصة لهذه الضريبة، وفضلت تطبيق جزء من ضريبة وطنية على الكربون، وهو ما دعمت الشركات الأميركية تطبيقه بشكل متزايد على القيود الجديدة للانبعاثات. كذلك الأمر في كندا، فلطالما دافع نشطاء البيئة والاقتصاديون، بمن فيهم وليام نوردهاوس، الحائز على جائزة نوبل، عن هذا النهج لأنه يسمح للدول بالاتحاد معاً في ما يشبه "نادي الكربون" للقضاء على مشكلة "الانتفاع المجاني" من جهود الدول الأخرى. وطرحت ألمانيا رؤيتها الخاصة لمثل هذا الاتحاد بجانب مجموعة السبع.
يُنظر إلى خطة الاتحاد الأوروبي على أنها اختبار لإمكانية استخدام مثل هذه الضريبة لتعزيز تسعير الكربون في جميع أنحاء العالم. وهناك برنامج محلي يعمل على الأمر في ولاية كاليفورنيا.
الاتحاد الأوروبي يتوصل إلى اتفاق تاريخي لتعزيز سوق الكربون
6- هل يمكن للخطة أن تخرج عن مسارها؟
باختصار، لا. فقد وقّعت كلّ من حكومة الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي الآن على الخطة، وهي تعتبر متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
ما تزال هناك تحديات تقنية، بما في ذلك كيفية قياس كمية الكربون التي يحتويها منتج ما، وتحديد كيفية ائتمان رسوم الكربون التي تدفع في بلدان خارج الكتلة.
ستنهي الآلية الأوروبية، أو على الأقل ستزيل تدريجياً، مخصصات الكربون المجانية التي تمنح حالياً لشركات صناعية أوروبية يرجّح أنها ستغادر الكتلة، ما قد يقود إلى اندلاع معركة مع منتجي الصلب والأسمنت الخاصين بها.
كما ستراجع المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذي للكتلة، الآلية بانتظام مع احتفاظها بخيار إجراء التعديلات في حالة حدوث أمر غير متوقع أو استثنائي أو غير مبرر يضر بعملها.