المصدر:
بلومبرغ
حققت مصر الترويج الذي كانت تتطلع إليه على الساحة الدولية باستضافتها قمة المناخ "كوب 27" خلال الشهر الجاري، لكن مع إغلاق أجنحة القمة وإخلاء كبار الزوار للفنادق الخمس نجوم، يواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بعضاً من أصعب التحديات على المستوى المحلي.
فالرئيس المصري، الذي التقى نظيره الأميركي جو بايدن، إلى جانب شخصيات بارزة أخرى على الساحة العالمية خلال الحدث الذي استمرّ أسبوعين، لطالما دافع عن خطة التنمية التي تشهدها بلاده وتحتاج إلى موارد كبيرة، والهادفة إلى إعادة تشكيل صورة مصر، واستعادة ريادتها الإقليمية التي تضاءلت حتى قبل "الربيع العربي" عام 2011.
تتضمن الرؤية تشييد مدن ناطحات السحاب، المنتشرة بصورة أكبر في الخليج العربي الغني بموارد الطاقة.
تحديات كبيرة
هذه الطموحات تتعرض لضغوطٍ بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أحدث في مصر أزمة اقتصادية، جعلها تلجأ إلى صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة، كما تخارج المستثمرون الأجانب من سوق الديون المحلية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية المستوردة، وخفضت البلاد قيمة الجنيه المصري مرتين هذا العام.
ريكاردو فابياني، مدير المشروع المسؤول عن شمال أفريقيا في شركة "كريسز غروب" (Crisis Group)، قال إن مصر تواجه "وضعاً اقتصادياً ودولياً متزايد الصعوبة"، لافتاً إلى المشكلات التي تمتد من نقص التمويل، إلى النزاع المحتدم مع إثيوبيا حول نهر النيل، الذي يُعَدّ بمثابة شريان للحياة.
إذا مرّ أي من الوفود المتجهة إلى قمة "كوب 27" على القاهرة في طريقهم إلى منتجعات البحر الأحمر بشرم الشيخ، فعلى الأرجح سيشاهدون لمحة عن التناقض بين مصر بشكلها الحالي والمستقبل المرسوم.
الحاضر والمستقبل
على طول أطراف الطرق السريعة التي تضم أكثر من 6 خطوط في القاهرة، تظهر صور عملاقة للسيسي تباعاً مع لوحات إعلانية تصور مجتمعات ومجمعات أعمال جديدة براقة. يقبع عديد منها في مدينة جديدة متلألئة في الصحراء لا تزال قيد الإنشاء، فيما تَعِد التصاميم الفنية البديعة والأسماء الأوروبية لهذه المجمعات بعالم بعيد كل البعد عن الشوارع المتداعية والمزدحمة، التي تشكل جزءاً كبيراً من العاصمة التي يناهز عمرها 1000 عام.
تراقب المنطقة والدول الأخرى حول العالم ما يحدث في مصر من كثب، فيما تتردد أصداء الأحداث التي تقع في أكبر دولة شرق أوسطية من حيث عدد السكان خارج حدودها. كما ينظر حلفاء مصر مثل الإمارات والسعودية إليها باعتبارها ركيزة أساسية لكبح نشاط الإسلام السياسي.
تلعب مصر -التي تُعَدّ أحد كبار المتلقين للمعونات الأميركية بعد التوصل إلى سلام مع إسرائيل- دوراً بارزاً باعتبارها صمام أمان رئيسياً لأمن الطاقة في أوروبا بفضل منشآتها للغاز الطبيعي، ما عزز مكانتها بوصفها شريكاً للغرب، رغم الانتقادات الموجهة إليها بشأن افتقارها إلى الحريات السياسية.
ضغوط متزايدة
تُعدُّ البلاد ركيزةً إقليمية لكنها تقف على أسس ضعيفة، إذ أدت أحداث خارجة عن إرادة مصر هذا العام إلى زيادة هائلة بنسبة 40% في تكلفة برنامج دعم الخبز، الذي يُعَدّ حجر الزاوية للاستقرار الاجتماعي. كما بلغ التضخم أعلى مستوياته في 4 سنوات، مع توقع مزيد من الارتفاعات المقبلة، وأقرت السلطات بأن قدرة المصريين على التحمل لن تستمر طويلاً.
كل هذا يفاقم الضغط على أشخاص مثل سامح، وهو عامل في شركة خاصة بالقاهرة الكبرى، طلب استخدام اسمه الأول فقط في هذا التقرير. يكافح سامح من أجل رعاية أسرته المكونة من 7 أفراد براتب شهري يبلغ 4550 جنيهاً مصرياً (ما يعادل 186 دولاراً)، ويقول إنه على ما يبدو "فالشيء الوحيد الذي ما زالت قيمته على حالها هو المواطن".
صعوبات ديموغرافية ومناخية
ليس هذا وحسب، إذ تزداد التحديات الديموغرافية كذلك. فقد يتضاعف عدد السكان الذين يزيد عددهم عن 100 مليون حالياً بحلول 2050، إذا تعثرت الحملات الحكومية لتحديد النسل وتقليص معدل المواليد الجدد البالغ طفل جديد كل 19 ثانية.
هؤلاء الناس محشورون على رقعة صغيرة من الأرض في بلدٍ صحراوي يعاني بالفعل من إمدادات المياه المحدودة، وتضرر التربة الخصبة المتبقية، بسبب تأثيرات الاحتباس الحراري. وتبحث مصر حالياً عن شركاء للدخول في مشروعات تحلية مياه بمليارات الدولارات.
أزمات النقص تلك تجعل الحد من الانبعاثات قضية حياة أو موت بالنسبة إلى مصر. لكن ترؤسها لقمة المناخ "كوب 27" سمح لها أيضاً بتعزيز دورها الناشئ باعتبارها شقيقة كبرى لبقية أفريقيا، مع رفع لواء الدفاع عن مخاوف العالم النامي مثل الوصول إلى التمويل الأخضر والخسائر والأضرار المرتبطة بالمناخ.
سد النهضة وتهديد الأمن المائي
يدعم الدور المحوري المتزايد لمصر في أفريقيا أحد أكبر أهدافها بالسياسة الخارجية، وهو فرض عزلة دبلوماسية على إثيوبيا، وذلك على إثر الخلاف حول سد الطاقة الكهرومائية العملاق الذي تملؤه أديس أبابا على أحد روافد النيل.
تُعَدّ مصر بالفعل إحدى أكثر دول العالم التي تعاني من شح المياه، وتخشى من الأضرار التي قد تصيب مصدرها شبه الوحيد للمياه العذبة، مع تسبب الطقس القاسي في جعل تدفقات الأنهار غير متوقعة. ووقعت الدولة خلال العام الماضي سلسلة من الاتفاقيات الأمنية مع جيران إثيوبيا، بما فيهم كينيا والسودان.
تقول حفصة حلاوة، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إنّ هذا التواصل الأفريقي "اتسع الآن ليشهد فرصاً ضخمة للتنمية الاقتصادية، عبر التوغل بصورة أفضل في القارة".
رغم هذا فإن التجارة مع أفريقيا لا تزال تشكل جزءاً صغيراً مقارنة بحجم التجارة المصرية مع الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأوروبا. وحتى في الوقت الذي تحاول فيه القاهرة تنويع شبكة علاقاتها العالمية، بما في ذلك موازنة العلاقات مع روسيا، عندما واجهت الدولة أزمة، كان الخليج هو الذي تعهد بضخ حِزَم إنقاذ فيها تزيد قيمتها على 20 مليار دولار على شكل استثمارات وودائع.
قصة نجاح معماري
بالعودة إلى الجانب المحلي، تُعَدّ قصة المشهد الحضري في مصر خلال نصف العقد الماضي واحدة من قصص التفوق الكبيرة، إذ تنتشر عاصمة إدارية جديدة بالقرب من القاهرة، بالإضافة توسعة قناة السويس في غضون عام، ويجري العمل على منطقة صناعية قد تكون مركزاً للطاقة الخضراء بجوار الممر المائي.
15 مشروعاً لإنتاج الوقود الأخضر حصيلة "قناة السويس" من "COP27"
وفقاً لأرقام وزارة النقل المصرية، هناك أيضاً ما لا يقل عن 5500 كيلومتر من مشاريع الطرق، و900 جسر ونفق جدد، مما يحد من بعض حركة المرور سيئة السمعة في القاهرة. وجرى الكشف تدريجياً عن نظام القطار أحادي الخط (المونوريل) وتجديد شبكة السكك الحديدية الوطنية.
قدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخراً تكلفة بعض المشروعات بـ7 تريليونات جنيه على الأقل. وتقول السلطات إنّ هذه الأعمال تُعِدّ البلاد للمستقبل، كما تعزز الاقتصاد الذي يتعافى من الاضطرابات السياسية التي وقعت في الفترة بين 2011 و2013.
في حين صرح السيسي في مؤتمر اقتصادي عُقد في أكتوبر الماضي قائلاً: "ما فعلناه في 5 سنوات يعادل ما جرى إنجازه خلال 100 عام".
عدالة للشركات الخاصة
الرئيس المصري دافع أيضاً عن الدور الرئيسي للجيش في دعم ازدهار البناء، مشيراً إلى أنه بمقدوره التحرك بشكل أسرع من القطاع الخاص. لكن تدخل الدولة في الاقتصاد يلوح في الأفق باعتباره مشكلة رئيسية. ويقول صندوق النقد الدولي من بين آخرين إنّ النمو المستدام لن يتحقق إلا عندما يكون هناك مجال أكثر عدالة للشركات الخاصة.
وترى حلاوة أن "الوضع الاقتصادي يفرض لحظة حاسمة بالنسبة إلى الحكومة، التي ستضطر لقبول شكل من أشكال الاستكانة لتنديد المنتقدين بمشاركة الجيش في الاقتصاد".
الحلفاء أيضاً عدّلوا مواقفهم، ويتوقعون الآن الحصول على المزيد مقابل الدعم. كما تشتري دول الخليج الآن الأصول المملوكة للدولة بدلاً من مجرد تمديد الودائع.
ووفقاً لفابياني: "ربما لا تزال مصر أكبر من أن تفشل، لكن هذا ليس شيكاً على بياض للقاهرة".
تصنيفات
قصص قد تهمك
