يعاني العالم من أزمات طاقة ومناخ متزامنة. قد يتطلّب حل المشكلة الأولى التراجع عن كل التقدم المحرز في التحول نحو طاقة أكثر اخضراراً، وهواء أنظف. لكنَّ الأمر لا يجب أن يكون على هذا النحو.
حجب الحماس تجاه السيارات الكهربائية - وحزم الطاقة التي تشغلها - حاجة أكثر إلحاحاً وبروزاً؛ أي عبر بطاريات لتشغيل المنازل والشركات، في الوقت الذي تتعامل فيه البلدان في جميع أنحاء العالم مع تداعيات أزمة الطاقة المستمرة. لكن على الرغم من تدهور حالة الطاقة وارتفاع أسعار الكهرباء؛ لم يتم استخدام التقنيات الحالية. بدلاً من ذلك؛ يفكر الجميع فقط في التكلفة الباهظة للتوليد، ويصابون بالشلل بسبب فكرة ارتفاع الفواتير وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر.
حاجة ملحة
هناك حل بسيط؛ خزّن الطاقة واستخدمها عند الحاجة. ففي ظل توسع وتطور سوق بطاريات السيارات الكهربائية؛ يتم التغاضي عن حزم الطاقة كبيرة الحجم ذات النطاق الصناعي– "أنظمة تخزين الطاقة" (ESS) - كحل محتمل لأزمة الطاقة هذه. على سبيل المثال، من المتوقَّع أن تنمو سوق الأولى (بطاريات السيارات) إلى 500 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين، في حين أنَّ سوق "أنظمة تخزين الطاقة" لن تتجاوز 100 مليار دولار، وفقاً لتقديرات "مورغان ستانلي". لكن تلك السوق الثانية هي ما نحتاجه بشكل أكثر إلحاحاً.
لا شك أنَّ الحماس تجاه السيارات الكهربائية دفع نحو تطوير تقنية البطاريات بشكل عام، وبالتالي؛ ساعد "أنظمة تخزين الطاقة" أيضاً. ومع ذلك؛ لم يكن هذا التطوير مدفوعاً بمخاوف بنّاءة بشأن احتياجاتنا من الطاقة.
عادةً ما تكون "أنظمة تخزين الطاقة" عبارة عن حزم طاقة كبيرة وثابتة يمكنها تخزين الطاقة الزائدة من الشبكات والمصادر الأخرى لاستخدامها لاحقاً، أو عندما يبلغ الطلب ذروته. ومع زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في إمدادات الطاقة في جميع أنحاء العالم؛ ستصبح القدرة على تخزينها واستخدامها عندما يحتاجها الأفراد أو الشركات أكثر أهمية.
عوامل إيجابية
إنَّ الأمر الذي لا يحظى بالتقدير الكافي بشأن هذه الأنظمة هو أنَّها تستفيد من جميع عمليات تطوير بطاريات المركبات الكهربائية، مثل تحسين كثافة الطاقة والسلامة، ولكن ليس لديها المشاكل أو القيود نفسها. لكن، على سبيل المثال؛ فإنَّ واحدة من المشاكل الكبيرة تتمثل في الحجم. إذ يجب أن تكون بطاريات السيارات الكهربائية صغيرة وذات طاقة عالية وآمنة. لقد كان من الصعب تفعيل جميع العوامل الثلاثة في الوقت نفسه. لكن بالنسبة لـ"أنظمة تخزين الطاقة"، لا يمثل الحجم مشكلة، إذ لا يلزم وضعها في مركبة متحركة.
أسعار معادن البطاريات المرتفعة تزيد تكلفة السيارات الكهربائية
بالإضافة إلى ذلك، تختلف العوامل التي تقلق مشتري المركبات الكهربائية بشأن البطاريات الأصغر، فكثافة الطاقة لا تهم كثيراً، ولا المسافة التي يمكنها أن تقلهم إليها، أو المدى. هذا أمر رئيسي؛ إذ دفعت هذه المشكلة الشركات المصنّعة إلى الضغط من أجل تركيبات أخرى باهظة الثمن يصعب نشرها تجارياً. ما يهم هنا يتمثل في دورات الشحن وتواترها وعمر البطارية.
يتم التقليل من شأن خيارات قابلة للتطبيق مثل "بطارية فوسفات الحديد والليثيوم (LFP)"، وحزم الطاقة. إنَّ دورات الحياة والمقاييس الأخرى للاستخدام الثابت للبطارية آخذة في التحسن. كما أنَّ معظم المواد المستخدمة في هذا النوع وفيرة، على الرغم من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة. وبإمكانها العمل لعدة آلاف من دورات الشحن والتفريغ.
واقع
كل هذا يعني أنَّ التقنيات الحالية قد قطعت شوطاً كبيراً لجعل "أنظمة تخزين الطاقة" حقيقة واقعة – ولو كان الأمر لبضع ساعات في اليوم. يدرك العديد من الشركات المصنّعة بالفعل الحاجة الوشيكة لمثل هذه الأنظمة، لذا تستثمر المليارات في بناء "أنظمة تخزين الطاقة" هذه.
تعمل أكبر شركة بطاريات في العالم، شركة "كونتيمبوريري أمبيركس تكنولوجي" الصينية، بنشاط على توسيع نطاق عملها في هذا المجال. إذ باعت هذه المنتجات في ستة مشاريع في تكساس إلى منتج طاقة مستقل.
إنَّ القضية التي تلوح في الأفق هي التكاليف الأولية. غالباً ما يتحدّث المحللون عن مدى عدم قابلية هذه الأنظمة للاستمرار، لكن في الواقع، هناك الكثير من الأشياء المجهولة لإجراء تقديرات دقيقة حول مدى ارتفاع تكلفة مشاريع تخزين الطاقة على نطاق صناعي. ستعتمد نفقات التشغيل على التحسينات بما في ذلك جودة المنتجات ودورة حياة حزم الطاقة - وقد قطعا شوطاً طويلاً في ذلك. خلاصة القول؛ فإنَّ الوضع الراهن ليس مستداماً، فهو متصدع بالفعل، وقد حان الوقت للبحث عن حلول.
لكن، هل الحكومات والشركات على استعداد لاستخدام"أنظمة تخزين الطاقة" وتعزيز تبنيها؟ تتمثل الخطوة الذكية في توفير الحوافز أو التخفيضات الضريبية أو برامج توعية المستهلك لدفع الأمور إلى الأمام. في النهاية، يجب خفض التكاليف الأولية، وهذا يتطلّب الحديث عن شيء أقل إثارة من السيارات الكهربائية.
الصين، على سبيل المثال، كانت تنشر على نطاق واسع كيمياء "فوسفات الحديد والليثيوم". كجزء من أهدافها المتمثلة في امتلاك 30 غيغاوات من "أنظمة تخزين الطاقة" على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتخطط لخفض التكاليف لمساعدة الشركات على تبني هذه الأنظمة ونشرها. والجدير بالذكر هو أنَّ ذلك سيضمن أمن الطاقة للحفاظ على ثقل سلسلة التوريد العالمية. في حين لم يكن هذا يشكل أي اعتبار بالنسبة للعديد من الآخرين.
أشارت دراسة حديثة أجراها "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" حول تخزين الطاقة إلى أنَّ تركيز السياسة الحالية على أهداف إزالة الكربون قصيرة الأجل قد شجع الاهتمام العام والخاص على حد سواء تجاه "التقنيات الناضجة نسبياً". وهذا يعني أنَّ الأسواق والأموال لم تدفع بقوة كافية نحو استخدامات جديدة للتخزين واستخدام أكثر فاعلية للطاقة، إذ إنَّ تلك التقنيات تواصل مسارها غير ملحوظة بعيداً عن السياسة السائدة.
إلى حين أن يتم التركيز على المستقبل؛ يجب أن نبدأ في القلق أكثر بشأن المزيد من حالات انقطاع التيار الكهربائي ونقص الطاقة، حيث يجتمع تغيّر المناخ والطقس القاسي لتعريض إمدادات الطاقة للخطر.