ينظر أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلون بتعليق ضرائب الوقود لفترة، فيما يخشون من أن ارتفاع أسعار البنزين قد يقلص فرصهم في انتخابات التجديد النصفي. رفض الاقتصاديون الفكرة كما هو متوقع، واعتبروها حيلة لن تفلح بلجم التضخم بشكل كبير.
بالطبع الاقتصاديون محقُّون في ذلك، لكن في الوقت نفسه أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيبن على حق، فخفض أسعار البنزين لن يؤثر بالضرورة على التضخم الأوسع نطاقاً، لأن المبالغ التي سيوفرها المستهلكون من أسعار البنزين، سينفقونها على الأرجح على أشياء أخرى، لكن رغم ذلك قد يحظى هذا القرار بتأييد كبير.
يقودنا هذا للموضوع الأكبر، وهو أن الديمقراطيين مفتونون الآن بهذه الفكرة لأن الناخبين غاضبون بسبب ارتفاع أسعار الوقود، لكنهم قد يرغبون بالتفكير بمفهوم آخر، مفاده أن الحفاظ على أسعار البنزين المنخفضة يصب في صالح تطبيق استراتيجية سياسية طويلة المدى، ولا يتعارض كذلك مع هدفهم لتقليل انبعاثات الكربون الرامية لعلاج أزمة تغير المناخ.
الكهربة هدف أجدى
بات واضحاً أن حل مشكلات المناخ المرتبطة بحرق البنزين لا يتمحور على اتباع سياسات الحفاظ على البيئة، وإنما على تشجيع استخدام المركبات الكهربائية، بحيث ينتعش سوق المركبات الكهربائية تلقائياً، ويرجع جزء كبير من الفضل في ذلك للسياسات السابقة والحالية التي دعمها الديمقراطيون لتعزيز اقتناء المركبات الكهربائية، وبناء شبكات شحن، والاستثمار في تقنية البطاريات.
لكن رغم ذلك ما تزال حصة المركبات الكهربائية السوقية ضئيلة نسبياً حتى الآن، حيث ما يزال أغلب الناس يعتمدون على سيارات تعمل بالبنزين. بالتالي لا يجب أن يكون الهدف الأساسي هو رفع أسعار البنزين، بل التركيز على تعزيز سوق السيارات الكهربائية أكثر لدعم الاستثمار في تحول الطاقة الكبير، ونشر السكك الحديدية في كل المناطق، وعمل كل شيء ممكن بوجه عام لتسريع اندثار محركات الاحتراق الداخلي.
ستكون تلك السياسة المناخية المستندة إلى الإبداع وتتوائم مع مشروع قانون البنية التحتية المقدم من الحزبين العام الماضي، كما تتوافق أيضاً مع مشروع الطاقة الذي مُرّر العام قبل الماضي، ومع الإعفاءات الضريبية التي تركز على المناخ، وهي حجر زاوية التشريع المعروف باسم "العودة للبناء بشكل أفضل". كما تتسق بشدة مع مبادرة تحفيز إزالة الكربون من الصناعة، التي طرحها البيت الأبيض الأسبوع الماضي.
الإيفاء بوعود قاصرة
لكن لا تتماشى تلك السياسات مع وعد حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن بحظر التكسير الهيدروليكي على الأراضي الفيدرالية، أي وقف التنقيب عن النفط والغاز في خليج المكسيك.
كان هذا النوع من الوعود غير كافٍ بالنسبة للديمقراطيين في حملة 2020، حين واجه بايدن، وهو أحد أكثر المرشحين اعتدالاً، انتقادات كبيرة لعدم تبنيه حظراً تاماً للتكسير الهيدروليكي. ستحاول أي حكومة شبه تقدمية بديهياً عرقلة إنتاج الوقود الأحفوري، فقد استأنف بايدن على سبيل المثال جهود الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لعرقلة خط أنابيب "كيستون إكس إل" (Keystone XL).
حين يلوم الجمهوريون سياسات بايدن على شح إمدادات الوقود، سيحاجج البيت الأبيض بأنه وافق على عديد من عقود التأجير، وحين ينتقده دعاة حماية البيئة لموافقته على تلك العقود، سيشير البيت الأبيض إلى أن أحكام المحكمة أرغمت الإدارة الأمريكية على ذلك. ما يزيد الوضع إرباكاً هو حكم فيدرالي صدر الشهر الماضي بإلغاء أحدث عقود الإيجار في خليج المكسيك.
تسوية ضمن الإدارة
يمكننا القول إن الإدارة نفسها منقسمة حول ما ينبغي عمله. يؤمن بعض المسؤولين فعلاً بقضايا بالبيئة، ويريدون الإبقاء على أكبر قدر ممكن من الوقود الأحفوري في باطن الأرض، في حين أن البعض الآخر براغماتيين بصورة أكبر ويريدون الفوائد الاقتصادية التي يحققها مزيد من التنقيب.
يبدو أنهم اتفقوا على حل للتوفيق بين أراء الجميع، وهو محاولة منع عمليات الحفر الجديدة، ثم قبول الأحكام من القضاة المحافظين التي تسمح باستمرار الحفر.
اعتاد الأمريكيون على النظر إلى الديمقراطيين على اعتبار أنهم حزب يسار وسط معتدل إلى حد ما، خاصة لدى مقارنتهم بنظرائهم في البلدان التي لديها رعاية صحية شاملة. لكن فيما يتعلق بهذه القضية، فإن الديمقراطيين هم أصحاب القيم المتطرفة عالمياً.
سيطرت ثلاثة أحزاب من يسار الوسط على أغلبية مقاعد برلمان النرويج بعد انتخابات الخريف الماضي. يأمل زعيم حزب العمل يوناس غار ستوره بتشكيل ائتلاف مع حزب الوسط وحزب اليسار الاشتراكي. لكن اليسار الاشتراكي، الذي فاز بنسبة 7.6% فقط من الأصوات، أصر على اتفاق ائتلافي للحد من إنتاج النفط والغاز. رفض ستوره هذا الاتفاق، ويقود الآن تحالف أقلية مع الوسط.
أما في كندا، فلطالما دافع رئيس الوزراء، جاستن ترودو، الذي ينظر إليه كثير من الليبراليين الأمريكيين على أنه يشبههم في الفكر والروح، عن خط أنابيب "كيستون". مثلما خابت أحلام ستوره بتحقيق تحالف للأغلبية حول هذه القضية، فإن الحشد الضعيف الذي جمعه ترودو لدعم استخراج الوقود الأحفوري يفسر جزئياً سبب معاناة حزبه الليبرالي من الانشقاقات أمام حزب الخضر الكندي الصغير.
بالنسبة لكلا الزعيمين، فالحسابات واضحة، ومفادها أن خسارة بعض الأصوات في اليسار غير مهمة مقابل المكاسب التي يحققونها في الوسط.
العلنية أجدى
بالطبع، يمكن للديمقراطيين أن يقولوا إنهم ضد إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري على حد سواء، ثم يتوقفوا عن الكلام ويتبعوا سياسات تجعل الإنتاج والاستهلاك أكثر صعوبة. لكن لا يبدو أن الحزب مستعد لبلوغ هذا الحد، حيث حثّ بايدن منظمة "أوبك" مراراً وتكراراً على زيادة الإنتاج من أجل الاقتصاد العالمي، لكن السعودية رفضت ذلك. ثم ظهرت إجراءات هزلية ركزت على مقاضاة عقود الإيجار، والآن يجري استمالة مزيد من المؤيدين لدعم الإعفاء الضريبي للغاز.
النتيجة هي وقوع الديمقراطيين في منطقة ميتة وغريبة، حيث نجحوا بتصنيف أنفسهم على أنهم الحزب الذي يريد وقف إنتاج الوقود الأحفوري وتقليل الطاقة الملوثة للبيئة، رغم أن هذه الصورة لا تحظى بشعبية. فيما يدرك دعاة حماية البيئة أن بايدن لم يقترب كثيراً من الإيفاء بوعوده حول القضاء على إنتاج الوقود الأحفوري.
لا يرغب الرئيس الأمريكي في الواقع أن يكون النفط والغاز باهظين، لذا يطلب مساعدة السعودية، ويلجأ إلى حيل الضرائب الغريبة.
الاعتراف بحقيقة أن سياسة الديمقراطيين هي في الأساس نفس سياسة سنورة أو ترودو نهج أفضل بكثير وأن يعلنوا أنهم يدعمون بقوة الاستثمار في التقنيات الخضراء للمستقبل، لكن يريدون أيضاً التنقيب عن كل ما هو موجود في الأرض الآن، طالما أن الوقود الأحفوري ما يزال جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.
هذا من شأنه أن يتسبب في معركة داخلية مريرة. لكن طالما تمكن من ذلك سياسيون تقدميون من التيار الرئيسي في الأنظمة المنقسمة التعددية خارج الولايات المتحدة، فهو بإمكان الديمقراطيين أيضاً.