جاء الاحتباس الحراري والعالم غير جاهز. كان يُنظر إلى الحاجة للتكيف مع تغير المناخ على أنها تشتت عن الهدف الأكثر إلحاحاً المتمثل في منع التغيير، أما اليوم فأصبح من الواضح أن التكيف لم يعد بإمكانه الانتظار. الفيضانات والجفاف والأعاصير الشديدة والقبة الحرارية في شمال غرب المحيط الهادئ العام الجاري وحده كانت بمثابة تذكير بأن الواقع مكلف بالفعل ولا يمكن التنبؤ به، ويصبح كذلك بشكل متزايد، ويتطلب كل من تخفيف التأثير والاستعداد له الاهتمام لتجنب زيادة الجوع وانعدام الأمن والهجرة الجماعية.
ذكر تقرير للأمم المتحدة صدر الأسبوع الماضي خلال محادثات المناخ في جلاسكو أن تكاليف التكيف في البلدان النامية تزيد الآن بخمس إلى عشرة أضعاف عن المبلغ الحالي من التمويل العام الذي يتم استثماره، وتتسع الفجوة مع ارتفاع التكاليف، ويمكن أن تصل إلى 500 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050 لتلك الاقتصادات الناشئة نفسها، التي تواجه العبء الأكبر نسبة إلى مواردها، وهذه هي العدالة المناخية في أبسط صورها.
إذن لماذا لا نستثمر أكثر لمساعدة العالم بأكمله على المواكبة؟
وفقاً لمؤسسة "هينريش بول"، فإنه من أصل 3.4 مليار دولار من الإنفاق الذي وافقت عليه صناديق المناخ متعددة الأطراف الرئيسية العام الماضي والتي تم إنفاقها في 151 دولة، تم تخصيص 1.6 مليار دولار لمشاريع تخفيف التأثير، وأقل من 900 مليون دولار، تم إنفاقها على المشاريع التي عالجت كلاً من التخفيف والتكيف، وتمت الموافقة على أقل من 600 مليون دولار لمشاريع التكيف وحدها.
وعود الأغنياء
لننظر إلى الأموال التي وعد بها العالم الغني الدول النامية، لا يقتصر الأمر على أن الرقم لا يصل للمستوى المستهدف عند 100 مليار دولار سنوياً، وإنما ذهب ربعه فقط للتكيف على وجه التحديد، وفي نفس الوقت، لا يزال الكثير من تلك الأموال يُقدم كقروض لا تستطيع البلدان المدينة تحملها، أما الاستعداد فيشكل نسبة مئوية أصغر من إجمالي التمويل العالمي للمناخ.
من الواضح أن أفضل طريقة للتعامل مع الهطول الأكثر غزارة للأمطار وارتفاع مستويات سطح البحر هي خفض انبعاثات الكربون وتجنب هذه النتائج تماما، لكن حتى في ظل السيناريو المتفائل، حيث يتم الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 تقريباً، يمكننا أن نتوقع تغييرات كبيرة، وستعاني البلدان الأقل استعدادا للتعامل مع العواقب أشد المعاناة بدءا من إفريقيا جنوب الصحراء إلى جزر المحيط الهادئ. وأصبح بعض الضرر، وهذا التعايش الجديد غير المؤكد، مضمون الحدوث الآن.
صحيح أن وكالة الطاقة الدولية، التي كانت قبل جلاسكو قد قدرت أن العالم يسير على مسار ارتفاع درجة حرارة بمقدار 2.1 درجة مئوية، قالت الآن إن التعهدات المتزايدة أثناء القمة يمكن أن تقلل الارتفاع إلى 1.8 درجة مئوية، لكن هذا يعتمد على الوعود، ولا يزال مستوى درجة الحرارة ذلك يجلب مخاطر مناخية كبيرة.
كانت هناك تحسينات، وتقول الأمم المتحدة إن ما يقرب من 80% من البلدان تبنت أداة واحدة على الأقل لتخطيط التكيف على المستوى الوطني، سواء كانت استراتيجية أو قانونا، لكن وتيرة تغير المناخ تفوق الاستعدادات، والتمويل غير كافٍ، والبيانات المتعلقة بكل من المخاطر والخطط غير كاملة، وكان "كوفيد 19" فرصة ضائعة، إذ ذهب جزء صغير فقط من التريليونات التي تم إنفاقها في التحفيز المالي على مستوى العالم نحو التكيف.
قضية عالمية
المشكلة الأساسية هنا واضحة، مشاريع التخفيف، سواء كانت ألواح شمسية أو حافلات كهربائية، لها سجل إنجازات أطول، وغالبا ما تكون أكبر وأسهل في التمويل من خلال القروض المقدمة من المؤسسات المتعددة الأطراف أو الصناديق التجارية، وعلى النقيض من ذلك، يتضمن التكيف مشروعات صغيرة، وتصوُّر بأن العائدات ستكون منخفضة أو معدومة، وتشتد الحاجة إليه في الدول النامية ذات القدرة المحدودة على جذب الأموال اللازمة، إذن ما الذي يمكن عمله؟.
أولا، نحتاج إلى فهم أن التكيف هو قضية عابرة للحدود، وليست قضية محلية، كما توضح جورجيا سافيدو من معهد ستوكهولم للبيئة، التي ساهمت في إعداد تقرير فجوة التكيف الذي أصدرته الأمم المتحدة العام الجاري، ويعترف اتفاق باريس المعتمد في عام 2015 بذلك، وعلى عكس تخفيف التأثير، قد يُنظر إلى مقاومة الجفاف في أفريقيا جنوب الصحراء أو الحماية من ارتفاع منسوب مياه البحر في "بالاو" على أنها مشكلة محلية، ومع ذلك فإن الآثار الجانبية لانهيار المحاصيل ونقصها وانتقالات السكان والناجمة عن المناخ ستؤثر بلا جدال على الجميع.
بعد ذلك، يجب أن نعترف بأن رأس المال الخاص ضروري، ويعمل المستثمرون التجاريون بالفعل على زيادة دورهم الهزيل حاليا في التكيف، إذ تجذب التكنولوجيا الجغرافية المكانية والتأمين المناخي الانتباه، لكنهم لا يزالون أقل اهتمامًا بكثير بالدول الأفقر، وهذا يعني أن بنوك التنمية والمانحين ثنائيي الأطراف بحاجة إلى تحسين لعبتهم وإزالة المخاطر في المشاريع، حيث ترتفع تكلفة رأس المال مع تحديات المناخ، من خلال ضمانات أو رأس مال الخسارة الأولى.
تدارك الكارثة
كما يمكنهم تقديم الدعم الفني للمساعدة في جعل المشاريع التي تركز على التكيف جذابة، حتى وإن كان بكل بساطة عن طريق تجميع العديد منها معا، ويمكنهم مساعدة الحكومات في التغلب على محدودية القدرات، ووجدت سافيدو والباحثون في معهد ستوكهولم للبيئة وجامعة كيب تاون الذين درسوا تمويل المناخ في إفريقيا بين عامي 2014 و 2018 أن نسب الصرف لصناديق التكيف، وهي المبالغ المدفوعة بالفعل ، كانت أقل من 50%، مقارنة بما يقرب من 96% لتمويل التنمية بشكل عام.
لكن من الصحيح أيضا أنه لن تكون جميع المشاريع قابلة للتمويل بنفس الطريقة، وقد تكون المشاريع الزراعية كذلك، لكن ليس العمل على استعادة الغطاء النباتي على السواحل، حتى لو كانت مشاريع التكيف هذه غالبا ما يكون لها فوائد التخفيف أيضا، وهذا يتطلب زيادة كبيرة في المنح التي شكلت ما يزيد قليلاً عن ربع التمويل العام للمناخ في 2019، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويقلل الدين من المجال المالي للإنفاق على التكيف، أما المنح تميل إلى أن يتم صرفها بسهولة أكبر بحيث تصل إلى أقل البلدان نمواً، ومن شأن استخدام صناديق المناخ بشكل أكثر فعالية أن يساعد في ذلك أيضاً.
أخيراً، هناك حاجة لتعريف التكيف بشكل أكثر وضوحاً وإلقاء نظرة أوسع، حيث يُخصص نصيب الأسد من الأموال اليوم لعدد قليل من المجالات مثل المياه والزراعة، وهناك تجاهل للأساسيات الهامة لتغير المناخ مثل الصحة أو التعليم، فالسكان الأكثر صحة وتعليماً هم الأكثر مرونة، ويجب إعطاء المزيد من الاهتمام لعوامل المضاعفة أيضا، مثل ضمان أن تلعب المرأة دورا في كل مشروع. الكوارث المناخية قد حلت ومضى وقت الوقاية.