بلومبرغ
أبلغ الادعاء العام البريطاني منذ حين السلطات السويسرية بعثوره على أدلة على أنشطة شبكة غسل أموال مزعومة تمتد من إفريقيا إلى أوروبا، وقد قدمت رشى نقدية تناهز 380 مليون دولار إلى سلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
يظهر حكم محكمة سويسرية، استشهد بمعلومات من الادعاء العام البريطاني، أن شركات رشت مسؤولين مراراً بهدف تعزيز مصالحها التجارية في الدولة الغنية بالمعادن. وتُعَدّ الكونغو أكبر منتج للنحاس في إفريقيا، ومنها يأتي 70% من صادرات خام الكوبالت العالمية، وهو خام أساسي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
تفوق الرشى البالغة 379 مليون دولار، والمزعوم تقديمها على مدى خمسة أعوام، إجمالي إنفاق الكونغو على الرعاية الصحية العام الماضي. يعيش واحد من كل ستة أشخاص في فقر مدقع في الدولة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا، وتوازي مساحتها أوروبا الغربية، ويفوق سكانها 90 مليون نسمة، وفقاً للبنك الدولي.
غسل الأموال.. إن كنت لا تعلم فلا يعني أنك لست شريكاً بالجريمة
قُدمت أدلة الرشى المزعومة في أثناء تحقيق بريطاني في صفقات تعدين مشبوهة في الكونغو وفي شبكة غسل أموال مرتبطة بذلك، عندما حاولت شركة مجهولة الهوية ذات صلة بالتحقيقات منع تقديم سجلاتها المصرفية. لاحقاً نشرت المحكمة الفيدرالية السويسرية حكمها الصادر في 30 مارس على موقعها الإلكتروني، مستخدمة أحرفاً مشفرة لتغطية هويات الأفراد والكيانات المذكورة.
جوزيف كابيلا
كان مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا يحقق بالمعاملات بمساعدة السلطات السويسرية، وفقاً للحكم الذي كشف بأكبر تفصيل حتى الآن عن الرشى المزعومة في الكونغو. وأخبر المكتب المسؤولين السويسريين أن أفراداً وكياناتٍ في الكونغو وجبل طارق وبريطانيا وسويسرا تورطوا بشبكة غسل أموال مزعومة بين عامَي 2006 و 2011.
ذكر حكم المحكمة السويسرية أن لدى الادعاء العام البريطاني وثائق وإفادات خطية تظهر أن الرشى النقدية المزعومة ذهبت إلى "أشخاص في مناصب عليا" في حكومة الكونغو، من بينهم "الذراع اليمنى" للرئيس السابق جوزيف كابيلا، البالغ من العمر 50 عاماً، والذي أشير إليه باسم "الرئيس ميم".
ورفض متحدث باسم مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا وحكومة الكونغو الرد على طلبات للتعليق. ولم يرد كابيلا، وليس له متحدث باسمه، على رسائل لطلب التعليق أُرسلت عبر أحد معاونيه.
حكم كابيلا البلاد 18 عاماً، خلفاً لوالده الذي اغتيل عام 2001، وهو حالياً عضو مدى الحياة في مجلس الشيوخ بالبرلمان الكونغولي.
هونغ كونغ تعتقل عصابة غسل أموال مشفرة بـ155 مليون دولار
رفضت المحكمة السويسرية استئناف الشركة التي لم يعرّف عنها، وسعت عبره لمنع تقديم سجلاتها المصرفية.
المتهم "سي"
يشير حكم المحكمة برمز "سي" إلى شخص يعتقد أنه المصدر الرئيسي للرشى. وتشير المعلومات الواردة في الحكم إلى أنه دان غيرتلر، الملياردير الإسرائيلي النشط في الكونغو، الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه بسبب مزاعم فساد هناك.
قال محامي غيرتلر إن موكله لا يعلم بشأن قضية المحكمة السويسرية، وينفي جازماً الضلوع في أي فساد أو دفع رشى أو مخالفات أخرى من هذا القبيل. لم يُتهم غيرتلر إطلاقاً بارتكاب جريمة ولم يكن طرفاً في الدعوى القضائية السويسرية.
تفيد خطابات مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة أن المتهم "سي" دفع رشى إلى مجموعة من الشركات المسجلة في جبل طارق والكونغو، وفقاً لحكم المحكمة السويسرية، إذ قالت المحكمة إن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة وجد أسباباً منطقية للاعتقاد بأن تلك المدفوعات الكبيرة للمسؤولين الكونغوليين "ملوثة بالفساد".
عمل "سي" مع "مؤسسة مالية محلية" لجمع أموال من شركات عديدة في الكونغو، محصلاً مبلغاً كبيراً من الدولارات، وفقاً للمحكمة التي استندت إلى مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، كما نسبت إليه أن "سي" كان يستخدم تلك الأموال لتقديم دفعات لمسؤولين حكوميين محليين ثم يعيد المال إلى الشركات لاحقًا باستخدام حساب العملاء لدى شركة محاماة في جبل طارق وحسابات بنكية في سويسرا.
تحويلات مشبوهة
قال مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة للسلطات السويسرية، بحسب ما جاء في قرار المحكمة: "لم تكن تلك الشركات في جمهورية الكونغو الديمقراطية تعرف بالضرورة ما الذي يفعله (سي) بهذه النقود، لذلك لا تعتبر متواطئة عن علم في منظومة الفساد". واعتبر أن الشركات استفادت بتفاديها الضوابط الكونغولية على التحويلات المالية الإلكترونية إلى الخارج.
قالت إليزابيث كيسينز، الخبيرة في صناعة التعدين بالكونغو، التي أسست مجموعة "ريسورس ماترز" للأبحاث والدفاع ومقرها في بروكسل: "يبدو أن عشرات الشركات التي تتخذ في جمهورية الكونغو الديمقراطية مقارَّ لها وضعت مبالغ ضخمة من النقود تحت تصرف رجال الأعمال الفاسدين في الكونغو، ربما طوعاً أو كرهاً، لتحصلها لاحقاً في الخارج لتفادي ضوابط تحويل العملات الأجنبية. ويشير التحقيق الذي أجراه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة إلى أن الكونغو لا تعاني فقط من مشكلة فساد كبيرة، بل من مشكلة غسل أموال ضخمة".
كان أول طلب قدمه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة للمساعدة من السلطات السويسرية عام 2014 كجزء من تحقيق بشأن صفقات التعدين في الكونغو، والثاني عام 2019 في تحقيق غسل الأموال، ذا صلة، وفقاً للقرار.
انتقد نشطاء مكافحة الفساد في بريطانيا على نطاق أوسع مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، لفشله في إدانة أشخاص ذوي مكانة، ولموافقته على تسويات مع شركات دون مقاضاة أفراد لارتكابهم مخالفات. لقد أسقط المكتب مؤخراً تحقيقات مع مديرين سابقين لدى "إيرباص"، كما تعرض لانتكاسة مهينة عندما انهار تحقيقه ضد اثنين من المديرين السابقين لمجموعة "سيكرو".