بلومبرغ
من المرجح أن يعمد البنك المركزي الأسترالي إلى الحدِّ تدريجياً من بعض حوافزه الطارئة، مما يعكس الانتعاش القوي للاقتصاد، حتى مع عودة نصف سكان البلاد تقريباً إلى الإغلاق، بسبب تفشي فيروس "دلتا" المتحوِّر لمرض كوفيد-19.
من المتوقَّع أن يتخذ "بنك الاحتياطي" قراراً ضدَّ تمديد هدفه لعائد ثلاث سنوات لسندات شهر نوفمبر 2024، بدلاً من شهر إبريل 2024 حالياً في اجتماع يوم الثلاثاء المنتظر، وهو تمديد من شأنه أن يعني أنَّ أسعار الفائدة لن ترتفع حتى عام 2025.
سيحافظ البنك المركزي أيضاً على برنامجه للتيسير الكمي. ولكن من المحتمل أن يكون في شكل معدَّل، إذ يتوقَّع معظم خبراء الاقتصاد أن يتوصَّل إلى نهج أكثر مرونة من الشريحتين الأوليتين بقيمة 100 مليار دولار أسترالي (75 مليار دولار) لكلٍّ منهما.
ستُظهر هذه التحرُّكات أنَّ هناك خطَّ نهايةٍ لأسعار الفائدة المنخفضة القياسية مع استمرار دعم الاقتصاد لضمان استمرار الانتعاش.
في هذا الشأن يقول "سو-لين أونغ"، رئيس استراتيجية الاقتصاد والدخل الثابت الأسترالي في مصرف "رويال بنك أوف كندا": "من الواضح أنَّ الوضع الحالي لمرض كوفيد سيتصدَّر المناقشة.. ويعني هذا احتمال أن نرى بنك "الاحتياطي الأسترالي" وهو يرسل رسالة مطمئنة لتحُدَّ قليلاً من التشاؤم، حتى عندما يختار عدم طرح السندات ذات العائد المستهدف المستحقة في شهر نوفمبر 2024، ويشير إلى بعض الانحسار في الجولة الثالثة من برنامج التيسير الكمي."
يظهر محافظ البنك، فيليب لوي، مصمماً على البقاء بالقرب من مؤخرة حزمة السياسات العالمية -خلف كندا ونيوزيلندا تماماً- عندما يتعلَّق الأمر بتشديد السياسة، لأنَّه يريد تجنُّب تحفيز مكاسب العملة. يشير ذلك إلى أنَّه سينتظر تحرُّك بنك "الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي"، على الرغم من تراجع البطالة المحلية إلى 5.1%، وتعافي جميع الوظائف والإنتاج المُهدَر خلال الجائحة الآن.
على خلفية مثل هذا الانتعاش القوي، يقدِّم تفشي موجة كوفيد الأخيرة تذكيراً في الوقت المناسب بأنَّ الشكوك ما تزال قائمة، مما يمنح "لوي" مزيداً من التبرير للالتزام بنهج الحمائم.
تتوقَّع الأسواق حالياً في الحسبان أوَّل رفع لأسعار الفائدة في أواخر عام 2022، وتتراوح توقُّعات خبراء الاقتصاد من نوفمبر 2022 بالنسبة لـ"غاريث إيرد" من مصرف "كومنولث بنك أوف أستراليا"، أكبر بنك في البلاد، حتى عام 2025 لـ"فيل أودوناغو" من مصرف "دويتشه بنك إيه جي". ويقع الإجماع على رفعها في عام 2023.
يهدف "لوي" إلى دفع الاقتصاد إلى تحقيق الحدِّ الأقصى من فرص العمل لتعزيز نمو الأجور فوق 3%، وإحياء التضخم الخامل، الذي يهدف البنك المركزي إلى الاحتفاظ به بين 2% و3%. الجدل الحقيقي هنا؛ هو في مدى سرعة ترجمة النقص في سوق العمل إلى زيادة في الأجور.
يعتقد "إيرد" أنَّ هذا سيحدث بسرعة، نظراً للعدد الكبير من الوظائف الشاغرة، واحتمال بقاء الحدود مغلقة، نظراً للطبيعة البطيئة لطرح اللقاح في أستراليا، في حين يظهر البعض الآخر أقل ثقة.
تعليقات خبراء بلومبرغ إيكونوميكس
"أدى تدفق العمال المؤقتين إلى تشويه مؤشرات سوق العمل في أستراليا. لو ظلَّ حاملو التأشيرات المؤقتة في أستراليا، فإنَّنا نُقدِّر أنَّ معدل البطالة سيكون أعلى بمقدار 2.5 نقطة مئوية، مما يشير إلى احتمال كبير لإعادة فتح الحدود لتخفيف ضغوط الأجور الصاعدة"، بحسب جيمس ماكنتاير، خبير اقتصادي.
ظلَّ التضخم في أستراليا ضعيفاً لفترة طويلة. هذا هو السبب في أنَّ كندا التي يمكن القول، إنَّ تعافيها كان أقل قوة من انتعاش أستراليا، لديها بنك مركزي أكثر تشدُّداً، فهو يبدأ من موقع أفضل فيما يتعلَّق بنمو أسعار المستهلكين.
يلاحظ بول بلوكسهام من "اتش اس بي سي هولدينغز" أنَّ متوسط معدل التضخم بلغ 1.5% في السنوات الخمس تقريباً التي كان لوي على رأسها. في المقابل، أكمل سلَفاه 10 سنوات على التوالي بتضخم معدله 2.5% بالضبط.
يقدِّر بلوكسهام أنَّه لكي يصل مؤشر أسعار المستهلك إلى 2.5% في المتوسط على مدى سبع سنوات من ولاية لوي؛ فإنَّه يجب أن يستمر عند 4.1 % حتى شهر سبتمبر لعام 2023. إذا كان سيبقى في منصبه لمدة 10 سنوات، فسيحتاج إلى متوسط 3.2%.
يتساءل بلوكسهام: "لماذا رئيس البنك مسالم جداً؟"ويجيب: "حسناً؛ لأنَّه يفضِّل كثيراً التضخم بنسبة 3% إلى 4% خلال العامين المقبلين على التضخم بنسبة 1% إلى 2%."
على عكس أوقات ما قبل الجائحة، ساعد "لوي" أيضاً الحكومة هذه المرة. حافظ وزير الخزانة، جوش فرايدنبرغ، الذي من المحتمل أن يكون مشغولاً بالانتخابات المقرر إجراؤها في شهر مايو من العام المقبل، على إنفاق مرتفع في ميزانية شهر مايو. وهذا يعني المزيد من إصدار السندات.
نقاش التيسير الكمي
قال بنك "الاحتياطي الأسترالي"، بالفعل إنَّه سيواصل شراء السندات ضمن برنامج التيسير الكمي إلى ما بعد شهر سبتمبر المقبل. ويرى الاقتصاديون أنَّ الجولة الثالثة ستتراوح ما بين 50 مليار دولار أسترالي من المشتريات على مدى ستة أشهر، وبحدٍّ أقصى إلى 100 مليار دولار. يوجد خيار آخر هو الاحتفاظ بها عند 5 مليارات دولار أسترالي أسبوعياً -كما هو الحال في الوقت الراهن- ولكن مع مراجعات منتظمة، وبدون رقم إجمالي محدَّد.
بغضِّ النظر عما يقرره "لوي" ومجلس إدارته، سيحتاجون إلى موازنة مجموعة من العوامل المتنافسة، وهي البيانات التي تجاوزت باستمرار توقُّعات البنك المركزي، وهي سلالة خبيثة من فيروس كورونا دفعت لعمليات إغلاق متجددة، والعوامل الفنية في الأسواق.
ويرى ماثيو بيتر، كبير خبراء الاقتصاد في شركة " كيو أي سي ليمتد"، أنَّه مع تعافي الاقتصاد الذي يُقرِّب التوقيت المتوقَّع لأوَّل رفع لسعر الفائدة من قبل بنك "الاحتياطي الأسترالي"؛ لا يمكن له أن يمدد هدف العائد لمدة ثلاث سنوات دون قلب منحنى العائد للسندات قصيرة الأجل. يقول بيتر: "ومع ذلك؛ مع اتجاه سعر صرف الدولار الأسترالي إلى نحو 0.80 دولاراً أمريكياً، وإصدار كبير للديون الحكومية، سيوسِّع بنك "الاحتياطي الأسترالي" برنامج التيسير الكمي الخاص به لتوفير التأمين ضدَّ الانحدار المفرط لمنحنى العائد."