البنوك المركزية تواجه التضخم بأسعار فائدة مرتفعة لمدة طويلة

"الاحتياطي الفيدرالي" يتمسك بفرص الهبوط السلس و"المركزي الأوروبي" يتخذ القرار الصعب يوم الخميس

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقر بنك \"الاحتياطي الفيدرالي الأميركي\" في واشنطن - المصدر: بلومبرغ
مقر بنك "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" في واشنطن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يتحول الاقتصاد العالمي نحو مرحلة من ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة، ما يجعل طوفان قرارات السياسة النقدية المقبلة التي ستتخذ في دول العالم المتقدم أساساً محورياً للتخطيط لذلك الوضع.

في الأسبوع المقبل أو ما إلى ذلك، ستُحدد تكاليف الاقتراض في 7 من أكثر 10 عملات تداولاً في العالم، ومنها الدولار الأميركي واليورو، مع توقع ظهور صورة ما من تقشف السياسة النقدية الممتد.

هناك ترقب كبير لنتيجة بعض هذه القرارات. وفي حين يصعب توقع نتيجة اجتماع "البنك المركزي الأوروبي" الذي ينعقد يوم الخميس، فإن هناك إجماعاً متزايداً على أن البنوك المركزية التي ستبقي على أسعار الفائدة دون تغيير، مثل "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي"، ستحرص على زيادة استعدادها لمواجهة التضخم بعد خطئها في 2021.

كان الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول من المعتاد هو الموضوع الرئيسي الذي ناقشه صُناع السياسة في مؤتمر "الاحتياطي الفيدرالي" الذي أقيم الشهر الماضي في جاكسون هول، وايومنغ. ورغم اختلاف توقيت بداية أعنف دورة من السياسة النقدية التقشفية خلال جيل في الدول المُطلة على المحيط الأطلسي، يظهر في الفترة الحالية إحساس أكبر بالمسؤولية مع اقتراب فرصة إنهاء تلك الزيادات في أسعار الفائدة.

ترقب قرار "المركزي الأوروبي"

أول من يأخذ القرار هو "المركزي الأوروبي"، الذي سيتخذ صُناع السياسة النقدية به قراراً صعباً يوم الخميس، إما بالاستمرار في رفع أسعار الفائدة أو التوقف المؤقت.

تنقسم آراء المحللين الاقتصاديين بالتساوي تقريباً بخصوص نتيجة الاجتماع، فتراهن أسواق النقد على إقرار الزيادة العاشرة على التوالي في أسعار الفائدة لتبلغ 4% بنسبة 45%، انخفاضاً عن 60% في الشهر الماضي، وعلل المتداولون ذلك بالبيانات التي توضح ضعف الاقتصاد الألماني. لم يُستبعد تماماً رفع أسعار الفائدة للمرة الأخيرة بمقدار ربع نقطة مئوية، في حين ترجح الاحتمالات اتخاذ هذه الخطوة بنهاية العام.

التضخم في منطقة اليورو يثبت فوق 5% قبل اجتماع مهم للبنك المركزي الأوروبي

مهما كان القرار الذي ستتخذه رئيسة "المركزي الأوروبي" كريستين لاغارد وزملاؤها، يمكن القول إن التحدي الأكبر سيكون إقناع الأسواق المالية بمواصلة التشديد النقدي طالما اقتضت الحاجة للسيطرة على الأسعار، حتى في ظل ضعف النمو الاقتصادي.

قد تستند لاغارد إلى الأسس التي بدأ محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرانسوا فيليروي دي غالو، وضعها منذ يناير، عندما أشار إلى أن أهمية الفترة التي تبقى فيها أسعار الفائدة مرتفعة تضاهي أهمية سعر الفائدة الفعلي على الأقل، بل ويصر الآن على أن طول الفترة أكثر أهمية.

تفاؤل "الاحتياطي الفيدرالي"

ستسلَط الأضواء على "الاحتياطي الفيدرالي" يوم الأربعاء القادم. يتزايد التفاؤل لدى مسؤولي البنك تجاه قدرتهم على كبح جماح التضخم دون التسبب في معاناة اقتصادية جسيمة. فسوق السندات لا تتيح فرصة لرفع أسعار الفائدة في الاجتماعات القادمة، والمحللون الاقتصاديون اتفقوا على استقرار أسعار الفائدة بعد إشارات مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" الواضحة إلى اعتزامهم وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً الشهر الجاري.

وسط دلائل على تراجع تدريجي للضغوط السعرية وسوق العمل، لا يريد مسؤولو "الاحتياطي الفيدرالي" إهدار فرص "الهبوط السلس" للاقتصاد عبر رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم. سيعد التوصل إلى نتيجة متوازنة إنجازاً نادر الحدوث، وربما يخفف من الانتقاد الموجه إلى رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، جيروم باول، لتأخر رد فعله أكثر من اللازم على الأسعار المرتفعة في البداية.

توقعات الفائدة الأميركية تضغط على أسهم آسيا وتدعم الدولار

سيكون محور الاجتماع المقام يومي 19 و20 سبتمبر هو التوقعات الاقتصادية المُحدثة، المتوقع أن تدعم رفعاً لأسعار الفائدة مرة أخرى بنهاية العام، مع الإبقاء على أسعار الفائدة قرب أعلى مستوياتها طوال 2024 لضمان عودة معدل التضخم إلى مستهدف البنك المركزي عند 2%.

تأييد التشديد النقدي في "بنك إنجلترا"

يُتوقع رفع "بنك إنجلترا" أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية باجتماعه في 21 سبتمبر. وبعد 14 زيادة متتالية في أكثر دورة تشديد نقدي قوةً في عقود، قد تكون تلك هي الزيادة الأخيرة، وفقاً للمحللين الاقتصاديين ورهانات السوق. يشير توجيه السياسة النقدية الأحدث إلى فارق ضئيل في نتيجة التصويت على القرار.

عوضاً عن المخاوف من التضخم قبل أغسطس، يتزايد قلق لجنة السياسة النقدية من الركود. فقد ألمح 5 من أعضاء اللجنة التسعة إلى أن أسعار الفائدة عند 5.25% مرتفعة بما يكفي، أو أوشكت بلوغ هذا المستوى.

نمو قياسي للأجور يرجح مواصلة بنك إنجلترا رفع الفائدة

تغيرت الرسالة، حيث استخدم كبير المحللين الاقتصاديين بالبنك، هيو بيل جبل تيبل مستوي السطح في جنوب أفريقيا عوضاً عن جبل إيفرست حاد القمة وشديد الانحدار، بمثابة تشبيه لمسار أسعار الفائدة في المستقبل. وقال محافظ "بنك إنجلترا"، أندرو بيلي، الأسبوع الماضي إن أسعار الفائدة قرب ذروة دورة التشديد النقدي.

أوروبا

مقارنة بعديد من نظرائه، فإن البنك الوطني السويسري في وضع أكثر أريحية، ومع انخفاض معدل التضخم عن الحد الأقصى عند 2%، قد لا يضطر البنك إلى رفع أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل.

لم يتضح مدى إقبال المسؤولين على الاستمرار في رفع تكاليف الاقتراض إذا توقف "المركزي الأوروبي" عن زيادتها، نظراً للتأثير الكبير للسياسة النقدية في منطقة اليورو في أنحاء الإقليم.

في نفس اليوم الذي سيتخذ فيه البنك الوطني السويسري قراره، يتوقع المستثمرون أن ينهي بنك النرويج الوطني رفع أسعار الفائدة بزيادة أخيرة بمقدار ربع نقطة مئوية. أما مصرف "ريكسبنك" (بنك السويد المركزي) والمقرر عقد اجتماعه في الموعد نفسه، فقد يرفع تكاليف الاقتراض مجدداً أيضاً.

تعديل ياباني

في اليابان، يوجد شعور متنامٍ بأن محافظ "بنك اليابان" الجديد، كازو أويدا، يمهد الطريق لتعديل مقبل في السياسة النقدية.

صرح أويدا في حوار مع صحيفة "يوميوري"، نُشر السبت، بأن من المحتمل أن تصبح لدى "بنك اليابان" معلومات كافية بنهاية العام لتوقع ما إذا كانت زيادة الأجور ستستمر أم لا، وهو عامل حاسم في إقرار تقييد سياسة التيسير النقدي الفائق. وكان هذا التصريح كافياً لرفع سعر صرف الين مقابل كل عملات "مجموعة الدول العشرة" يوم الإثنين.

الأسواق العالمية.. سندات الخزانة تنخفض والين يرتفع

بينما قد لا يفضي ذلك إلى تغيير في السياسة النقدية في الاجتماع الذي سيعقد في 22 سبتمبر، يبدو آخر من حافظ على أسعار الفائدة السالبة بين الاقتصادات الكبرى على وشك زيادتها.

كندا وأستراليا

اتخذت كندا وأستراليا- الاقتصادان المعتمدان على الموارد الطبيعية- قراري سبتمبر من قبل، ويبدو حالياً أنهما تستعدان لفترة استقرار أسعار الفائدة، حتى لو أشارتا إلى الرغبة في رفعها مرة أخرى إذا اقتضت الحاجة.

أبقى البنك المركزي الأسترالي على سعر الفائدة الأساسي دون تغيير عند 4.1% في اجتماعه يوم 5 سبتمبر، وحافظ على ميل للتشديد، حيث أنهى محافظ البنك المركزي، فيليب لو، آخر اجتماع له في منصبه مصرحاً بأن التضخم يتراجع.

بعدها بيوم، أبقى صُناع السياسة بقيادة محافظ بنك كندا، تيف ماكليم، على سعر الفائدة الأساسي عند 5%، أعلى مستوياته في 22 عاماً، واعترفوا بوقوع تباطؤ في الاقتصاد، وحذروا من أن مواجهة الضغوط السعرية لغرض خفضها إلى مستهدفهم ستكون شاقة.

وضع أسعار الفائدة

الحجة الداعية إلى وضع أسعار الفائدة المرتفعة المستمرة في أرجاء الاقتصادات المتقدمة الكبرى هي أن هذه السياسة لها آثار مشابهة لزيادة تكاليف الاقتراض بنسبة أكبر وخفضها بوتيرة أسرع، لكن مع تقلب أقل على الشركات والمستهلكين.

لكن الأمر ينطوي على بعض المخاطر، فإذا أُسيء تفسير وقف رفع أسعار الفائدة في ظل استمرار معدل التضخم أعلى كثيراً عن المستهدف واعتُبر تسهيلاً من البنوك المركزية، قد يؤدي ذلك إلى عودة البنوك لمناقشة التشديد النقدي، وقد يتوجب عليها اتخاذ مزيد من الإجراءات في المستقبل.

صناديق تحوط تتخلى عن رهانها على اليورو قبيل اجتماع "المركزي"

ففي منطقة اليورو، على سبيل المثال، لا يمكن إنكار أن التوقعات لا تتوافق مع رغبة صُناع السياسة. رفع المستهلكون في الآونة الأخيرة توقعاتهم للتضخم خلال 3 سنوات، وارتفع مؤشر السوق، الذي فضله "المركزي الأوروبي" من قبل، بشكل مستمر ليستقر عند 2.6%، أعلى من مستهدف البنك عند 2%.

أعربت عضو المجلس التنفيذي للمركزي الأوروبي، إيزابيل شنابل، عن قلقها علناً من أن ارتفاع توقعات التضخم في اقتصاد متباطئ قد تتسق مع تحوط المستثمرين من خطر ألا تكون البنوك المركزية حازمة بالقدر الكافي.

في الولايات المتحدة، حذر مسؤولو "الاحتياطي الفيدرالي" من أنهم يتوقعون احتمال زيادة النمو الاقتصادي، ما سيؤدي إلى ارتفاع أكبر في معدل التضخم، وأكدوا على أن وقف أسعار الفائدة المرتقب في سبتمبر يجب ألا يعتبر تسهيلاً في السياسة النقدية، فقالت لوري لوغان، رئيسة "الاحتياطي الفيدرالي في دالاس"، في خطاب حديث إن تخطي رفع أسعار الفائدة لا يشير إلى نهاية الزيادات.

لكن في الفترة الحالية، يبدو أن البنوك المركزية راغبة في المجازفة، وتراهن على أن وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً بشكل يحافظ على زيادة عدد الوظائف على النحو الذي تحقق خلال دورة التشديد النقدي، يوفر فرصة أفضل لتحقيق هبوط سلس للاقتصاد.

أما رئيس "الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا"، رافايل بوستيك، فقال في خطاب ألقاه في "فورت لودرديل" الأسبوع الماضي، إنه يأمل أن يواصل الاقتصاد الأميركي تباطؤه التدريجي خلال فترة الستة إلى الثمانية عشر شهراً المقبلة، دون ارتفاع فوضوي في معدل البطالة.

وأضاف: "سيكون من الرائع أن نتمكن من تجنب هذا النوع من التحركات".

تصنيفات

قصص قد تهمك