الشرق
عاودت أزمة العملة الصعبة في مصر ظهورها من جديد خلال الأسبوعين الأخيرين، بعد توقف عدد من البنوك الحكومية والخاصة عن فتح اعتمادات مستندية جديدة أو مستندات تحصيل للمستوردين، بسبب شح الدولار في أكبر سوق بالمنطقة من حيث عدد المستهلكين، بحسب 5 مصادر مصرفية ورجلي أعمال تحدثوا مع "اقتصاد الشرق".
تعيش مصر إحدى أصعب الأزمات فيما يخص توفير العملة الأجنبية، وذلك منذ مارس 2022 حينما تخارج المستثمرون الأجانب من الأسواق الناشئة إثر الحرب الروسية -الأوكرانية، كما لم يفلح توصلها لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات مباشرة بقيمة 3 مليارات دولار، ضمن تسهيلات ائتمانية تفوق 9 مليارات دولار، في جذب استثمارات أجنبية كبيرة لأسواق الأوراق المالية في البلاد.
مسؤول في بنك حكومي مصري أشار إلى أن "حركة تدبير العملة لعمليات الاستيراد عاودت التوقف منذ أسابيع"، طالباً عدم الإفصاح عن اسمه نظراً لحساسية الموضوع.
فيما كشف مسؤول آخر في أحد البنوك الخاصة أن هناك "تراجعاً بشكل كبير في حصيلة التنازل عن العملة الصعبة لدى البنك، وسوق الإنتربنك توقف هو الآخر، وبالتالي لا توجد سيولة كافية لتمويل طلبات الاستيراد".
كانت الحكومة المصرية أفرجت عن بضائع بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار منذ مطلع ديسمبر الماضي وحتى منتصف شهر فبراير 2023، بعد أن ازدحمت الموانئ بالبضائع التي تحتاج إلى اعتمادات دولارية من أجل الإفراج عنها، وهو ما يُتخوّف من تكراره في حالة عدم توافر الدولار للمستوردين.
"اقتصاد الشرق" بعثت برسالة نصية إلى البنك المركزي المصري للوقوف على رأيه حول توافر العملة الصعبة للمستوردين، لكنها لم تحصل على رد فوري.
في حين أكّد مسؤول في أحد الموانئ المصرية لـ"اقتصاد الشرق" أنه "لا تكدس للبضائع في الموانئ، لكن هناك تأخير في تدبير العملة الصعبة لبعض الشحنات".
سعر الصرف
حررت مصر سعر عملتها المحلية 3 مرات منذ مارس 2022 وحتى يناير الماضي، ليهوي سعر الجنيه المصري مقابل الدولار بنحو 24% خلال الشهرين الأخيرين، وبأكثر من 95% منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في مارس الماضي، ليُتداول حالياً عند 30.66 جنيه لكل دولار.
يرى العديد من البنوك العالمية أن الجنيه سيشهد مزيداً من التراجع مقابل الدولار هذا العام، حيث يقول سيمون ويليامز، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقياً في بنك (HSBC)، بمقابلة مع "اقتصاد الشرق" إن العملة المصرية ستصل إلى نطاق يتراوح ما بين 30 إلى 35 جنيهاً لكل دولار، أي بمتوسط سعري عند 32.5، وذلك خلال الفترة المتبقية من السنة المالية الحالية التي تنتهي أواخر يونيو.
في حين أن بنك "كريدي سويس" توقّع في تقرير صادر حديثاً أن يصل سعر الصرف للمدى المنظور إلى 35 جنيهاً لكل دولار. بينما كان "غولدمان ساكس" أكثر تشاؤماً بتقديره بلوغ العملة المصرية مستوى 36 جنيهاً مقابل الدولار.
تعتمد مصر في مواردها الدولارية على إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج، إلى جانب الصادرات التي تتأثر بشكلٍ مباشر بفتح الاعتمادات الدولارية لاستيراد المواد الأوّلية.
أحد كبار مستوردي الأجهزة المنزلية في مصر قال لـ"اقتصاد الشرق"، مشترطاً عدم نشر اسمه، إن "لدينا مشاكل كثيرة مع المُصدّرين الأجانب، حيث فتحنا اعتمادات آجلة وفقاً لما طُلِب منّا، وعند موعد السداد لم نجد التمويل من البنك، ما وضعنا في أزمة مع الشركات التي نستورد منها.. ولا نعلم كيف نتصرف الآن".