بلومبرغ
قد يسلّط مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الضوء على عدد صناع السياسة النقدية الذين رأوا في اجتماعهم الأخير أن الوضع يتطلب إقرار زيادة أكبر لسعر الفائدة، وما إذا اعتقدوا أن هناك حاجة إلى رفع المعدلات أكثر مما كان يُعتقَد بالسابق لكبح معدلات التضخم المستمرة في الصعود.
ينشر مجلس محافظي البنك المركزي الأميركي محضر اجتماعه الذي استمر على مدى يومي 31 يناير الماضي والأول من فبراير الجاري في الساعة 2 بعد ظُهر اليوم الأربعاء بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة، والذي صوّت فيه أعضاء المجلس بالإجماع على زيادة أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية فقط.
تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار كان يُعَدّ بمثابة خفض في وتيرة التشديد النقدي، بعد زيادة الفائدة بمقدار نصف نقطة في ديسمبر الماضي، عقب 4 زيادات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس لكل مرة. وأدى هذه الإجراء إلى بلوغ سعر الفائدة الأساسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي لنطاق مستهدف يتراوح من 4.5% إلى 4.75%.
أكد بيان السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي في الأول من فبراير أن "مقدار الزيادات المستقبلية" لأسعار الفائدة سيستند إلى عدد من العوامل تتضمن مقدار التشديد التراكمي للسياسة النقدية، واعتبر مراقبو " الفيدرالي" أن نبرته تُعَدّ علامة على أن البنك المركزي الأميركي قد يحافظ على زيادات الفائدة بواقع 25 نقطة أساس لكل منها مع قرب حملته لتشديد السياسية النقدية من نهايتها.
المنطق وراء خفض التشديد النقدي
كتب كريشنا جوها وبيتر ويليامز، المحللان بشركة "إيفركور" (Evercore)، في مذكرة للعملاء: "نعتقد أن المحضر سيكشف عن الأساس الاستراتيجي وراء التحرك نحو زيادات الفائدة بواقع 25 نقطة أساس بتعبيرات مشابهة لما نعتقد، لنتعلم إلى أي مدى تعكس البيانات القوية للنصف الأول من السنة حتى الآن تأخر السياسة النقدية عن اقتصاد أكثر صموداً بمواجهة أسعار الفائدة المرتفعة".
لكنّ اثنين من صناع السياسة النقدية المؤيدين للتشديد، وهما رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند لوريتا ميستر ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس جيمس بولارد، صرحا الأسبوع المنصرم بأنهما اعتقدا أن الوضع يتطلّب إقرار زيادة أخرى بـ50 نقطة أساس، كما أن الزيادات الأكبر بهذا القدر من المفترض أن تظل مطروحة للنقاش في الاجتماعات المقبلة.
قد يوفر بيان الاجتماع رؤية حول ما إذا كان هذان المسؤولان، اللذان ليس لهما حق التصويت على قرارات السياسة النقدية للسنة الجارية، ينفردان بهذا التفكير أو أن هناك آخرين يشاركونهما وجهة النظر. رغم ذلك فإن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند توماس باركين أكد رفضه لإمكانية العودة إلى الزيادات الكبيرة لأسعار الفائدة، مشيراً يوم الجمعة الماضي إلى إن التحركات بمقدار 25 نقطة أساس تعطي المسؤولين مرونة أكثر.
قد يتطلع المسؤولون أكثر إلى العودة إلى زيادة أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية. لكن في حال دعم مزيد من صناع السياسية النقدية التحركات الأكبر، فقد يدل ذلك على أن الاحتياطي الفيدرالي قد يكون منفتحاً لفكرة رفع معدل الفائدة لأعلى مما كان متوقع سابقاً بهدف كبح معدلات التضخم القوية، حسبما قال عمير شريف، مؤسس شركة "إنفليشن إنسايتس" (Inflation Insights).
ذروة فائدة أعلى
أوضح شريف: "يعطينا ذلك على الأقل فكرة حول مدى السرعة التي يمكن أن يتحول بها الاحتياطي الفيدرالي إذا تطلب الأمر، وإذا كنت تعتقد أن الزيادة بمقدار 50 نقطة أساس مطروحة بصورة جلية للنقاش، فعلى الأرجح سيشير ذلك إلى أن سعر الفائدة النهائي سيصبح أعلى أيضاً".
بيّنت التوقعات الصادرة عن اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر الماضي أن المسؤولين كانوا يرون حاجة إلى رفع أسعار الفائدة لتتجاوز قليلاً 5% العام الجاري، والبقاء عند ذلك المستوى لفترة زمنية تسمح بتخفيض معدلات التضخم لتبلغ هدف البنك المركزي عند 2%، وهو ما شكك فيه المستثمرون سابقاً، وتوقعوا التحوّل لإقرار تخفيضات لسعر الفائدة خلال النصف الثاني من العام الحالي.
لكن عقب صدور البيانات الاقتصادية القوية، بجانب لهجة التشديد من قِبل بعض صناع السياسة النقدية، تتوقع الأسواق حالياً أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي حملته لزيادة أسعار الفائدة لمدة أطول مما كان متوقعاً سابقاً. تتوقع الأسواق رفع الفائدة بربع نقطة مئوية لكل من اجتماعَي مارس ومايو المقبلين، كما أن هناك احتمالات مرتفعة لإقرار زيادة أخرى بهذا القدر في يونيو. ويرجح المستثمرون وصول أسعار الفائدة إلى ذروتها عند 5.37% خلال العام الجاري، حسب اتفاقيات العقود المالية الآجلة.
كشفت التقارير الاقتصادية الصادرة مؤخراً عن انتعاش قوي لمبيعات التجزئة، وارتداد أقوى من المتوقع لأسعار المنتجين الأميركيين، وفي الوقت نفسه، عدم تراجع أسعار المستهلكين بالقدر الذي كان متوقعاً.
التضخم في الولايات المتحدة
أشار شريف إلى أن المحضر قد يوضح أيضاً كيف فسر المسؤولون البيانات المتاحة بين أيديهم في وقت انعقاد الاجتماع، كما قد يقدم أدلة حول كيفية تفسيرهم للبيانات القوية التي صدرت منذ الاجتماع. وألمح إلى أن رسالتهم التي تفيد بأن صانعي السياسة النقدية يرون أن مخاطر التحرك أبطأ من اللازم لوقف التضخم تحمل مخاطر أعلى مقارنة بزيادة التشديد النقدي، يمكن أن تشير إلى أن المسؤولين مستعدون لزيادة الفائدة لمعدلات أعلى.
صرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول للصحفيين بعد اجتماع اللجنة الشهر الجاري أن التقديرات المقبلة، التي سيضعها المسؤولون خلال اجتماعهم المزمع خلال الفترة من 21 إلى 22 مارس، ستتوقف على ما سيطرأ على التضخم.
أضاف باول: "قطعاً التوقعات قد تفوق ما نسجله حالياً، وفي نفس الوقت إذا صدرت بيانات في اتجاه مغاير فسنتخذ قرارات بناءً على البيانات خلال الاجتماعات المقبلة".