بلومبرغ
يستهل الاقتصاد العالمي العام الجديد وهو في وضع أكثر تفاؤلاً، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ هناك ضمانة بأن ينتهي العام على المنوال نفسه.
تتضافر مجموعة متنوعة من العوامل تشمل إعادة فتح الصين لاقتصادها بوتيرة أسرع من المتوقَّع، وفصل شتاء أكثر دفئاً من المعتاد في أوروبا التي تعاني من نقص الطاقة، واستمرار انخفاض التضخم بالولايات المتحدة، لتبديد بعض الكآبة التي ضربت الأسواق المالية في نهاية 2022، ومداعبة للآمال في أن يتمكن العالم من تفادي حدوث ركود اقتصادي.
لكن مع استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي والعديد من البنوك المركزية في مواصلة رفع أسعار الفائدة، لا يمكن استبعاد خطر حدوث ركود في وقت لاحق من 2023، خاصة إذا اتضح أنَّ التضخم مستقر ولا يتراجع بالمعدل الذي تستهدفه البنوك المركزية.
قال يان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين لدى مصرف الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس" في ندوة عبر الإنترنت في 11 يناير برعاية المجلس الأطلسي: "هناك مسار ضيق لحدوث هبوط سلس.. سيكون من الصعب على المسؤولين ضبط مقدار الجهد لإنجاز الهبوط السلس".
يتوقَّع "هاتزيوس" أنَّ المسؤولين سينجحون في إنجاز الهبوط السلس للاقتصاد، وهو الأمر الذي يتوقَّعه المستثمرون أيضاً.
ترتفع أسهم الأسواق الناشئة بشدة، كما أنَّ أسعار سندات الشركات آخذة في الصعود على أمل أنَّ الاقتصاد العالمي سوف يتخلص من التضخم الأكثر إثارة للرعب منذ عقود دون أن يعاني من الانكماش.
التفاؤل الحذر
هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل الحذر. إذ تتراجع ضغوط الأسعار في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى تباطؤ النمو العالمي، ولكن بسبب فك تشابك سلاسل التوريد التي كانت مرتبطة ببعضها بسبب الوباء وغزو روسيا لأوكرانيا أيضاً.
وارتفعت أسعار المستهلك بالولايات المتحدة 6.5% في ديسمبر 2022 على أساس سنوي، منخفضة من 9.1% في يونيو.
من شأن انحسار التضخم دعم القوة الشرائية للمستهلكين الذين واجهوا صعوبات شديدة في معظم أوقات 2022 بسبب ارتفاع الأسعار، وخاصة بالنسبة للسلع الضرورية مثل الطاقة والغذاء والإيجارات.
كما سيسمح تراجع التضخم للبنوك المركزية بتقليص رفع أسعار الفائدة، مما يُهدّئ المخاوف بين المستثمرين من أنَّ المسؤولين سوف يتصرفون بطريقة تربك الأفراد والأسواق.
من المتوقَّع أن يتجه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه إلى رفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية باجتماع السياسة النقدية المرتقب في يومي 31 يناير والأول من فبراير، بحسب التداولات في سوق العقود الآجلة للأموال الفيدرالية.
سيتبع ذلك رفعها بمقدار نصف نقطة في ديسمبر وأربع زيادات بمقدار 75 نقطة أساس قبل ذلك.
أدى تقليص وتيرة رفع الفائدة إلى عكس مسار الارتفاع الهائل للدولار، مما خفف الضغط على البنوك المركزية الأخرى للتوافق مع تحركات بنك الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة التي أدت إلى تباطؤ الاقتصاد في بلدانها.
قالت ميغان غرين، كبيرة الاقتصاديين العالميين بـمعهد "كرول": "لقد شهدنا ذروة قوة الدولار".
تشمل الإيجابيات الأخرى أن تظل أسواق العمل مرنة بشكل ملحوظ، في حين تستمر الموارد المالية للأسر والشركات في التمتع ببعض القوة.
[object Promise]استبعاد الانكماش في أوروبا
عندما ارتفعت أسعار الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي في العام الماضي، كان يُنظر إلى الركود في أوروبا على نطاق واسع على أنَّه نتيجة محتومة.
قال إيان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس"، إنَّ حدوث الركود لم يعد قائماً، ويرى حالياً المنطقة وهي تتفادى مواجهة الانكماش.
من المستبعد حدوث انكماش في أوروبا بفضل الطقس الشتوي المعتدل، وبذل جهود منسقة لتعزيز الإمدادات، وتوسيع دائرة الموردين لتعويض الواردات التي لم تعد تتدفق من روسيا.
أسفرت تلك العوامل عن صمود اقتصاد منطقة اليورو بشكل أفضل من المتوقَّع، إذ ارتفع الإنتاج الصناعي بألمانيا في نوفمبر، على الرغم من اعتماد البلاد الشديد على إمدادات الطاقة الروسية.
قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، في وقت سابق من يناير: "تفادينا خطر حدوث الانهيار الاقتصادي الكامل والانهيار الأساسي للصناعة الأوروبية بحسب ما نرى".
قد تستفيد ألمانيا أيضاً من تخلي الصين عن سياسة "صفر كوفيد" لصالح إعادة فتح اقتصادها، كونها وجهة رئيسية لصادرات الدولة الأوروبية.
توقعات نمو الاقتصاد الصيني
ينشغل خبراء الاقتصاد في "وول ستريت" برفع مستوى توقُّعاتهم لنمو اقتصاد الصين بعد التخلي عن سياسة "صفر كوفيد".
رفع بنك "باركليز" توقُّعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالصين إلى 4.8% في 2023 من 3.8% مع إعادة فتح الاقتصاد أسرع من المتوقَّع. ويتوقَّع مصرف الاستثمار العالمي "مورغان ستانلي" حالياً أن يحقق اقتصاد الصين معدل نمو 5.7% بدلاً من التقدير السابق البالغ 4.4%.
في حين يواجه الانتعاش في الصين عقبات؛ فإنَّ الجمع بين تراجع هبوط العقارات وزيادة الدعم الحكومي يعني أنَّ التوقُّعات أفضل مما توقَّعه الكثيرون في نهاية 2022.
قال "هاتزيوس" من "غولدمان ساكس" في حديثه عن الآفاق المستقبلية للصين: "نتوقَّع حالياً نوعاً من التعافي السريع على شكل حرف "في" (V) كما رأينا في العديد من الاقتصادات الأخرى التي تم إغلاقها بسبب كوفيد".
مع ذلك؛ فإنَّ إعادة فتح الصين لاقتصادها يمكن أن يعقد مسألة التضخم عالمياً، من خلال زيادة الطلب - والأسعار- على النفط والسلع الأخرى. يمكن أن يكون لذلك تداعيات بالنسبة لمسار تحركات الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى.
موقف الوظائف بالولايات المتحدة
تعززت الآمال في أن يتمكّن بنك الاحتياطي الفيدرالي من كبح جماح التضخم المرتفع دون دفع الاقتصاد إلى الركود بفضل تقرير الوظائف خلال ديسمبر، والذي أظهر تراجع مكاسب الأجور في حين تراجعت البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ عدة عقود.
قال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة "أبولو غلوبال مانجمنت": "يبدو الأمر أشبه بهبوط سلس".
برغم التفاؤل الناشئ؛ خفّض البنك الدولي الأسبوع الجاري توقُّعاته للنمو لمعظم البلدان والمناطق، وحذّر من أنَّ الصدمات الجديدة قد تؤدي إلى الركود.
في حين تضاءل خطر حدوث ركود عالمي على المدى القريب؛ لكن ما تزال هناك فرصة بنسبة 70% للتراجع في وقت لاحق من 2023 أو في عام 2024، وفقاً لـبروس كاسمان، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار "جيه بي مورغان".
قال "كاسمان" إنَّه من المرجح أن تظل ضغوط الأسعار والتكلفة ثابتة للغاية ومرتفعة بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، مما يمهد الطريق لإنهاء التوسع عالمياً في نهاية المطاف. وأوضح أنَّ "الركود هو السيناريو الأكثر احتمالاً في المستقبل".