بلومبرغ
يناقش كبار المسؤولين في الصين إمكانية وضع مستهدف النمو الاقتصادي للبلاد عند نحو 5% للعام المقبل، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، وذلك بالتزامن مع تحويل بكين لتركيزها نحو دعم مسيرة التعافي.
قال بعض المسؤولين إن تحديد هدف كبير نسبياً من شأنه مساعدة الحكومات المحلية على تحويل تركيزها بعيداً عن قيود كوفيد-19، والاهتمام أكثر بتعزيز الاقتصاد، حسبما أوضح الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المناقشات خاصة. ولفت الأشخاص إلى أن مسؤولين آخرين قلقون من أن تحديد هدف نمو عند 5% تقريباً قد يكون طموحاً أكثر من اللازم.
تتبنى بكين موقفاً أكثر دعماً للنمو حالياً بعد أشهُر من الاضطرابات الاقتصادية، التي حفزها تفشي الإصابات بفيروس كوفيد بأعداد قياسية، وأزمة العقارات، التي اتضحت في بيانات التجارة الشهرية التي تُعَدّ الأسوأ منذ أكثر من عامين الصادرة اليوم.
قال المكتب السياسي للحزب الشيوعي، الذي يُعَدّ أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب، في بيان اليوم، إنه سيسعى إلى إحداث تحوُّل في الاقتصاد العام المقبل، وتعزيز ثقة السوق بشكل هائل. جاءت هذه التعليقات قبل ساعات من إعلان الحكومة عن إجراء كبير لتخفيف قيود كوفيد.
الصين تركز على النمو
قال تشانغ تشيوي، الرئيس وكبير الاقتصاديين بشركة "بين بوينت أسيت مانجمنت" (Pinpoint Asset Management): "من الواضح أن النمو أكثر أهمية للقادة الآن". مضيفاً أن تحديد هدف النمو عند 5% تقريباً "سيشكل إشارة لتوضيح رسالة التركيز على النمو للجمهور والمسؤولين المحليين".
من المرجح مناقشة هدف الناتج المحلي الإجمالي في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، الذي يُعقد عادة في غضون أسبوع من اجتماع المكتب السياسي لشهر ديسمبر. لكن لن يُكشف النقاب عن هدف الناتج المحلي الإجمالي نفسه إلا في الاجتماع التشريعي السنوي المقرر عقده مارس المقبل.
لم تردّ اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، المنوط بها دور وكالة التخطيط الاقتصادي في البلاد، فوراً على رسالة بالفاكس أُرسلت اليوم للحصول على مزيد من المعلومات.
أغلق مؤشر "سي إس آي 300" المرجعي منخفضاً 0.3% اليوم، بعدما حقق مكاسب في اليومين السابقين. وصعد اليوان في الداخل بنسبة 0.2% في الساعة 3:11 مساءً، ليصل إلى 6.983 يوان مقابل الدولار الواحد.
تحفيزات مالية في بكين
لفت المكتب السياسي اليوم إلى أن ضخ مزيد من حِزَم التحفيز قد يكون خياراً مطروحاً العام المقبل، قائلاً إنّ السياسة المالية ستظلّ نشطة مع التركيز على تحسين كفاءتها، في حين أن خطوات السياسة النقدية ستكون "هادفة وقوية". وأشارت وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا)، في قراءة توضيحية لاحقة لاجتماع المكتب السياسي، إلى أن الصين "ستعطي تحقيق التحسين الشامل للاقتصاد دفعة".
لاري هو، رئيس اقتصادات الصين في مجموعة "ماكواري" (Macquarie)، قال إن الرسالة التي يقدمها اجتماع المكتب السياسي كانت "قوية وواضحة"، ومفادها: "إنّ سياسة (صفر–كوفيد) باتت شيئاً من الماضي، وإنّ النمو سيكون على رأس أولويات الدولة للعام المقبل". وأضاف أن الإشارات تلمح إلى رغبة واضعي السياسات في رفع معدل النمو للعام المقبل مجدداً عند مستوياته المعتادة فوق 5%.
لا تزال توقعات النمو في الصين للعام المقبل غير واضحة إلى حد كبير، بالنظر إلى الارتفاع المحتمل في إصابات فيروس كورونا، وتزايد الاضطراب المتوقع بالاقتصاد. كما أن الاقتصاد العالمي معرض لخطر السقوط بين براثن الركود، ومن المتوقع أن يبقى التعافي في سوق العقارات الصينية صعب المنال.
يتماشى هدف النمو الصيني البالغ 5% تقريباً مع أوسط توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل الذي ظهر في استطلاع "بلومبرغ" للاقتصاديين وبلغ 4.9%. لكن رغم هذا فإنّ توقعات بعض البنوك مثل "باركليز" و"نومورا هولدينغز" (Nomura Holdings) أكثر قتامة للاقتصاد الصيني، إذ تتوقع أن يبلغ النمو 4% أو أقل.
مضاعفة الناتج المحلي
اختلف الاقتصاديون المرتبطون بالحكومة أيضاً في وجهات النظر، إذ دعا وانغ ييمينغ، مستشار بنك الشعب الصيني، إدارة بكين إلى تحديد هدف نموّ أعلى من 5% للعام المقبل لإرسال إشارة قوية بأن دعم الاقتصاد يمثل أولوية.
فيما فضل ليو يوان تشون، رئيس جامعة شنغهاي للدراسات المالية والاقتصادات، هدف نمو "أكثر تحفظاً" من 4.5% إلى 5% حتى يتيح فرصة سياسية للتعامل مع المخاطر العالمية المحتملة في المستقبل.
يحتاج الاقتصاد الصيني إلى التوسع بنحو 4.7% سنوياً في المتوسط على مدى الـ15 عاماً الممتدة حتى 2035 لتحقيق الهدف الذي حدده الرئيس شي جين بينغ في 2020، والخاص بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة.
سيشهد العام الجاري السابقة الأولى لفشل بكين بفارق كبير في تحقيق هدف الناتج المحلي الإجمالي البالغ 5.5% تقريباً لسنة 2022. ويقدر الاقتصاديون الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيصل إلى 3.2% فقط هذا العام، وستكون هذه الوتيرة الأقل منذ سبعينيات القرن الماضي، باستثناء الركود الناتج عن الوباء في 2020.
قال لويس كويجس، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال رايتنغز": "المستوى المستهدف بنحو 5% ليس بعيداً للغاية عن نسبة النمو التي يمكن أن تحققها الصين الآن دون الوقوع في مشكلات اقتصادية أو مالية، خصوصاً بعد النمو الضعيف جداً في 2022". وقدر وتيرة النمو المحتملة للصين حالياً بين 4.5 و5%.