بوبي غوش: لماذا بلع أردوغان كبرياءه وصافح السيسي؟

الزعيم التركي بحاجة إلى نظيره المصري للتوسط في حل نزاعات شرق البحر المتوسط

time reading iconدقائق القراءة - 6
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتصافحان على هامش افتتاح كأس العالم في الدوحة، ويبدو بينهما أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني - المصدر: بلومبرغ
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتصافحان على هامش افتتاح كأس العالم في الدوحة، ويبدو بينهما أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

اعتاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخاذ مواقف لا تتماشى مع كبريائه خلال العام الماضي، حيث تودد لدول عربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين طالما نظر إليها باستهانة. لكنه يحتاج الآن إلى إنقاذ اقتصاد بلاده المنكوب. وقراره تبادل القبلات والتصالح مع نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، يعكس الحقائق الجيوسياسية أكثر من الضرورة الاقتصادية.

على النقيض من الدول النفطية، لا يمكن لمصر أن تقدم لتركيا استثمارات كبيرة أو خطوط ائتمان. تحتاج القاهرة إلى مساعدة اقتصادية من دول الخليج العربية، لا تنحصر فقط في تغطية فجوة في التمويل الخارجي تبلغ 16 مليار دولار. لكن السيسي، المقرب من السعودية والإمارات، يمكن أن يكون مفيداً لأردوغان في الحفاظ على تلك العلاقات التي تم إصلاحها حديثاً. بإمكانه أيضاً أن يعمل كوسيط مع الولايات المتحدة، التي كثيراً ما يصطدم معها أردوغان.

السعي لوساطة مصرية

ربما تكون الخدمة الأكثر إلحاحاً التي يمكن أن يقدمها السيسي لنظيره التركي هي التوسط بين تركيا واليونان. تدهورت العلاقات بين أنقرة وأثينا لدرجة أن أردوغان يهدد الآن بشكل روتيني بعمل عسكري. لكن هذه العدوانية هي في الغالب ذات طابع تمثيلي، ومصممة لإيقاظ قاعدته قبل الانتخابات العامة التي ستُعقد الصيف المقبل. وسيحتاج إلى مساعدة أطراف ثالثة لمنع خروج الأمور عن السيطرة.

بعد أن استعدى حلفاء تركيا في "الناتو" -خصوصاً عندما حال دون انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف- قد يستعين أردوغان بعلاقات السيسي الجيدة مع اليونانيين لمنع الخطاب العدائي من الخروج عن السيطرة. وعلى حد تعبير الزعيم التركي، "ننتظر من [مصر] إحلال السلام مع أولئك الذين يعادوننا في البحر الأبيض المتوسط".

بالنسبة للسيسي، فإن إمكانية التوسط في الخصام التركي اليوناني ستمثل تأكيداً على أهمية مصر في شرق البحر المتوسط ومكانته كقائد إقليمي. وأي نقاط إضافية يكسبها مع أردوغان نتيجة ذلك العمل ستكون مفيدة للمساومة في خلافات أخرى بين بلدانهم، لا سيما في ليبيا.

كيف تحاول تركيا الموازنة بين الشرق والغرب مع احتدام الحرب؟

تصافح الرجلان في لقاء مرتب بالدوحة أواخر الشهر الماضي، فيما كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يظهر مبتهجاً. منذ ذلك الحين، أشار أردوغان إلى أن عقد اجتماع رسمي مع السيسي أمر وارد، "بعد محادثات على مستوى الوزراء". لم يتم تحديد أي مواعيد، لكن نظراً لأن الزعيم التركي يحتاج إلى بعض النجاحات في السياسة الخارجية لتعزيز احتمالات إعادة انتخابه في الصيف المقبل، يمكن للمرء أن ينتظر انعقاد قمة جيدة التنظيم في الربيع.

جذور الخلاف

كانت مصافحتهم وابتساماتهم تتويجاً لذوبان الجليد في العلاقات الذي بدأ في أوائل العام الماضي، عندما أخبر متحدث باسم أردوغان "بلومبرغ نيوز" أن أنقرة تسعى لإصلاح العلاقات مع العالم العربي، بعد سنوات من الشكوك المتبادلة، خاصة بشأن دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها مصر ودول الخليج العربية تهديداً وجودياً.

السعودية بصدد إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي

سمح أردوغان -الذي يتشارك حزبه "العدالة والتنمية" مع "الإخوان المسلمين" بعض النسيج الأيديولوجي- لعدد من قادة الجماعة بالعمل من تركيا.

توترت العلاقات بين أنقرة والقاهرة في عام 2013، عندما أطاح السيسي بحكومة الإخوان المسلمين. وبحلول نهاية العام، طرد السيسي السفير التركي، وأعلن أردوغان أن السفير المصري شخص غير مرغوب فيه. وبلغ الحد بالزعيم التركي أنه وصف السيسي بـ"طاغية غير شرعي"، وأقسم ألا يتحدث معه أبداً.

ازدادت الأمور سوءاً عندما تدخلت تركيا في الحرب الأهلية في ليبيا، وهي دولة تعتبرها مصر بمثابة منطقة نفوذ لها. بدوره، ساعد السيسي في تشكيل "منتدى غاز شرق المتوسط"، وهو تحالف يتخذ من القاهرة مقراً له، ويهدف إلى تعزيز التعاون في استخراج الغاز الطبيعي من منطقة بحرية تطالب تركيا ببعض من مواردها. لم تتم دعوة أنقرة للانضمام إلى المجموعة.

علاقات تجارية مستمرة

لكن طوال الوقت، كان الزعيمان حريصين على عدم السماح لخصومتهما بإفساد التجارة. كانت تركيا سادس أكبر شريك تجاري لمصر في عام 2021، حيث نمت التجارة الثنائية إلى 5.3 مليار دولار من 4.7 مليار دولار في العام السابق. يُعدّ هذا أمراً مشابهاً لما حدث مع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، حيث ظلت العلاقات الاقتصادية قوية طوال فترة تجميد العلاقات الدبلوماسية التي انتهت هذا الصيف.

إنفوغراف.. تعافي إيرادات السياحة في مصر وتركيا

لا يُرجّح أن يجلب ذوبان الجليد بين تركيا ومصر مكاسب اقتصادية كبيرة لكلا الجانبين، وستظل مصالحهما متضاربة في المجالات الرئيسية. فرغم الهدنة الهشة بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، هناك الكثير من احتمالات نشوب العداء بينهما.

ما يزال أردوغان عازماً على استغلال الثروات الهيدروكربونية في المياه الليبية، ما قد يكون بمثابة إزعاج للسيسي. ولا يزال الزعيمان على طرفي نقيض في الصراع حول حقوق التنقيب قبالة قبرص.

مصر واليونان ترفضان الاتفاق الليبي التركي بشأن النفط والغاز

ثم هناك مشكلة الإخوان المسلمين العالقة. رغم ورود أن السلطات التركية ضغطت على وسائل الإعلام التي يديرها المنفيون المصريون للحد من انتقاد نظام السيسي، لم يطردها أردوغان، لأسباب ليس أقلها أن هكذا إجراء لن يحظى بشعبية لدى الإسلاميين الأتراك.

وحالياً، يحتاج الزعيم التركي إلى نظيره المصري. لذا سنرى مستقبلاً المزيد من المصافحات.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

القاهرة

9 دقائق

24°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 24°/24°
16.7 كم/س
38%
الآراء الأكثر قراءة