هل استطاع الاقتصاد الأميركي تجنب الركود؟

نمو الناتج المحلي بالربع الثالث يحمل أخباراً جيدة وسيئة في الوقت نفسه

time reading iconدقائق القراءة - 20
متسوق ينظر في هاتفه ويحمل حقيبة عليها شعار \"نايكي\" بينما يسير في شوارع الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
متسوق ينظر في هاتفه ويحمل حقيبة عليها شعار "نايكي" بينما يسير في شوارع الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو ركود أم أنه تجنبه فقط؟

يطرح الجميع هذا السؤال بعد أن أظهرت التقديرات الأولية لوزارة التجارة الأميركية يوم الخميس ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 2.6% في الربع الثالث. يأتي هذا الارتفاع بعد تسجيله انكماش لربعين متتاليين، الأمر الذي يعتبره البعض ركوداً.

يعود الفضل في قفزة النمو الأخيرة إلى تماسك المستهلكين والشركات بشكل كبير، حيث ارتفع الاستهلاك الشخصي، وهو أكبر مساهم في الاقتصاد، بمعدل 1.4%، ليسجل بذلك مستوى أفضل من المتوقع لكنه كان متباطئاً أيضاً عن الربع السابق.

بالرغم من أن النمو الاقتصادي عادة ما يكون مؤشراً جيداً، يشعر بعض مراقبي السوق بالقلق تجاه القوة المستمرة، التي تعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضطر للاستمرار في رفع أسعار الفائدة لفترة أطول لكبح التضخم، ما قد يؤول في النهاية إلى تباطؤ الاقتصاد.

وضع اقتصادي غريب

كل هذا يسهم في وضع اقتصادي غريب للغاية، حيث تواصل أسعار المستهلكين الارتفاع، ويتعرض إنفاق الأسر للضغط، كما بدأت معدلات الرهن العقاري المرتفعة في تهدئة سوق الإسكان، حتى مع انخفاض البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة عقود. في غضون ذلك، ترسل الشركات الكبرى رسائل متضاربة بشأن الأرباح، ما يثير اضطرابات في سوق الأسهم.

لا عجب في تفسير الناس لبيانات يوم الخميس بطرق مختلفة، حيث قال الرئيس جو بايدن إنها تظهر أن الاقتصاد "يواصل التقدم بقوة"، بينما يرى اقتصاديو "مورغان ستانلي" إن الربع الثالث سيُعتبر على الأرجح ذروة النمو. في الوقت نفسه، توقع الرئيس التنفيذي لشركة "ماكدونالدز" يوم الخميس ركوداً خفيفاً إلى معتدلاً.

عن ذلك، قالت بريتاني برينكرهوف، المستشار المالي في "هيلتوب ويلث أدفايزورز" (Hilltop Wealth Advisors) بولاية نورث كارولينا، إن "تسجيل الناتج المحلي الإجمالي لرقم إيجابي أمر جيد، لكنني أعتقد أننا لسنا في أمان من الناحية الاقتصادية حتى الآن". وتابعت: "مع استمرار ارتفاع التضخم، سيواصل الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة وربما يستمر النمو الاقتصادي في التباطؤ كعرض جانبي لذلك".

إليك ما تحتاج إلى معرفته بشأن هذه الفترة الاقتصادية الغريبة:

هل نعاني ركوداً اقتصادياً؟

معظمنا يتفق على أننا لا نعاني من ركود، على الأقل حتى الآن.

بالرغم من أن البعض يُعرف الركود بأنه ربعين سنويين متتاليين من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما حدث في بداية العام الجاري، فإن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية يعلن من الناحية التقنية حالات الركود في الولايات المتحدة. عادةً ما يستغرق الأمر عام تقريباً لتحديد مثل هذا الأمر.

يُعرف المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية الركود على أنه "انخفاض كبير منتشر عبر النشاط الاقتصادي ويستمر أكثر من بضعة أشهر".

من جانبه، قال ديفيد هوبنر، المستشار المالي في "هيبنر فاينانشيال بلانينج" (Huebner Financial Planning): "هذا التعريف موضوعي، لأنه ليس هناك قواعد ثابتة لتحديد الانخفاض (الكبير)، فتسجيل هبوطاً نسبته 1.6% في الربع الأول من العام يليه انخفاض بنسبة 0.6% في الربع الثاني ليس انخفاضاً كبيراً، بل يمكن القول إنه انخفاض مستقر".

هل سيحدث قريباً؟

يتوقع مراقبو السوق وخبراء الاقتصاد بشكل متزايد حدوث مثل هذا الأمر.

قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لمجموعة "غولدمان ساكس" مؤخراً، إن الظروف الاقتصادية "ستتشدد بشكل كبير بدءاً من هذه النقطة". بينما قال فرانك بيتيتجاس، رئيس العمليات الدولية في "مورغان ستانلي"، إن عام 2023 يطغى عليه "انعدام اليقين بعض الشيء".

أظهرت نماذج ترجيحات "بلومبرغ إيكونوميكس" الأخيرة أن الركود الأميركي أمر بات مؤكد فعلياً في الأشهر الـ12 المقبلة، وأن الأسواق تتوقع أيضاً الركود.

قال كريس ديوداتو، مؤسس شركة "ويلث فاينانشال بلاننغ" في بالم بيتش غاردنز بولاية فلوريدا: "أعتقد أن الركود لم يبدأ بعد، لكن من المحتمل جداً أن يشهد عام 2023 ركوداً".

ما خطوة الاحتياطي الفيدرالي المقبلة؟

يقول كريس زاكاريلي، كبير مسؤولي الاستثمار في تحالف المستشارين المستقلين، إن الناتج المحلي الإجمالي القوي للربع الثالث يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى مواصلة التشديد النقدي بقوة.

وأضاف زاكاريلي: "الاحتياطي الفيدرالي يتولى مهمة صعبة، فالاقتصاد لا يتباطأ والمستهلكون يواصلون الإنفاق كثيراً والتضخم لن ينخفض إلى 2% في أي وقت قريب".

في اجتماعه المقرر الأسبوع المقبل، يُتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بمقدار 75 نقطة أساس للاجتماع الرابع على التوالي. ويرجح المستثمرون أيضاً رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 أو 75 نقطة أساس في ديسمبر ثم إنهاء التشديد النقدي في أوائل عام 2023 عند أسعار فائدة بنحو4.9%.

مع ذلك، يمكن أن يغير بنك الاحتياطي الفيدرالي مساره إذا ظلت البيانات الاقتصادية قوية، حسبما قالت ألينا فيش، مؤسسة "كونتيسا كابيتال أدفايزورز" (Contessa Capital Advisors) بنيويورك. وأضافت أن "الاحتياطي الفيدرالي يبدو وكأنه مصمماً على استدعاء الركود حتى يصبح التضخم تحت السيطرة بشكل واضح".

كيف نستعد لما هو قادم؟

يقول الخبراء إنه لا داعي لتغيير استراتيجيتك الاستثمارية بشكل جذري فقط بسبب رقم الناتج المحلي الإجمالي.

مع ذلك، بدأت بعض المجالات تبدو أكثر جاذبية. يعمل ديوداتو، من شركة "ويلث للتخطيط المالي"، على نقل مخصصات أسهم عملائه بشكل أكبر نحو قطاعات الرعاية الصحية والمرافق والسلع الاستهلاكية الأساسية، التي تميل إلى مقاومة الركود. كذلك، بدأت السندات عالية الجودة تزداد جاذبية. وقال "أعتقد أننا نقترب من تلك النقطة حيث سيُكافأ مستثمرو السندات على هذا الصبر".

بدأت سندات المحليات، غير الخاضعة لضرائب الدخل الفيدرالية أو الولاية، في تقديم عوائد أفضل. فعلى سبيل المثال، توفر السندات البلدية لأجل عام واحد ذات التصنيف الائتماني "إيه إيه إيه" (AAA) عائداً يقارب 3%، مقارنة بعائد صفري تقريباً خلال العام الماضي. كذلك، تتجه عوائد سندات الخزانة، أحد أكثر الاستثمارات أماناً، للصعود أيضاً.

تعد سندات الادخار الأميركية من الفئة الأولى واحدة من أفضل الاستثمارات عائداً حالياً، فهي تقدم فائدة تبلغ 9.62%، لكن يُتوقع انخفاضه إلى 6.47% بدءاً من الأول من نوفمبر. كان الطلب على هذه السندات مرتفعاً للغاية هذا الأسبوع لدرجة أن الموقع الإلكتروني "تريجري دايركت" (TreasuryDirect) كاد أن يتوقف عن العمل.

تصنيفات

قصص قد تهمك