بلومبرغ
لقد ساور الاتحاد الأوروبي القلق مراراً إزاء ما يسميه بتضاؤل سيادة القانون في المجر خلال عهد رئيس الوزراء فيكتور أوربان، ويرى الاتحاد الأوروبي أنَّ دفعه إلى تغيير طريقته في الحكم يعدُّ أمراً ضرورياً لتعزيز الديمقراطية ووحدة الاتحاد الأوروبي، لا سيما في الوقت الذي يواجه فيه العدوان الروسي على أوكرانيا. قد يؤدي الفشل إلى زيادة الاستقطاب في الكتلة المكونة من 27 دولة، أو حتى إعادة الحديث عن خروج المجر المحتمل من الدول الأعضاء. في أبريل الماضي، وبعد فترة وجيزة من فوز أوربان بأغلبية ساحقة للمرة الرابعة في الانتخابات المحلية؛ أطلق الاتحاد تحقيقاً قد يحرم حكومته في نهاية المطاف من تمويل بمليارات اليورو. وفي سبتمبر الجاري، اقترب من حجب التمويلات عنها، لكنَّه اعترف أيضاً بإحراز بعض التقدم.
1) ما خلفيات هذه القضية؟
جعل أوربان من الصعب على الجهات الخارجية محاسبة الحكومة منذ 2010، إذ عيّن موالين له في المحاكم ومكتب المدعي العام وهيئة الإعلام. وسمحت له الأغلبية البرلمانية الكبيرة بكتابة دستور جديد أدانه المنتقدون من المعارضة ووصفوه بأنَّه هجوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما سعى إلى تقييد حقوق بعض الأقليات، بما في ذلك جماعات الغجر (الروما) فضلاً عن المثليين (مجتمع الميم). وكان أقرب زعيم في الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، حتى بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، مستغلاً الإعفاءات من عقوبات الاتحاد الأوروبي التي طالب بها لضمان زيادة واردات الغاز الروسي. أقر البرلمان الأوروبي قراراً لم تعد المجر بموجبه دولة ديمقراطية كاملة. أما منظمة الشفافية الدولية، وهي مؤسسة غير هادفة للربح تركز على مراقبة حالات الكسب غير المشروع؛ فقد صنّفت المجر على أنَّها واحدة من أكثر الدول فساداً في الكتلة المكونة من 27 دولة.
2) كيف حدث ذلك؟
برغم أنَّه يتعين على الحكومات اعتماد معايير ديمقراطية صارمة للانضمام إلى أكبر كتلة تجارية في العالم، لكنْ بعد الانضمام للاتحاد بالفعل، فإنَّ هناك عدداً قليلاً من الأدوات المتاحة للتعامل مع المخالفين. حاول الاتحاد اتخاذ إجراء قانوني بالفعل، لكنَّ أوربان كان دائماً ما يستطيع الإفلات، ويتباطأ في تنفيذ مطالب التغيير، ويعقد الصفقات التي لا تصل إلى حد التقليل من سلطته بشكل مؤثر، مع استغلال أوجه القصور في المواثيق القانونية للكتلة.
اقرأ أيضاً: المجر تلجأ لاستخدام الموازنة لتعويض حجب أموال الاتحاد الأوروبي
بالإضافة إلى ذلك، قامت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بحماية أوربان، بحجة أنَّ الضغط عليه بشدة قد يدفع المجر إلى السير على خطى المملكة المتحدة في قرارها بمغادرة الاتحاد الأوروبي. كما استطاع أوربان الحصول على حلفاء في بولندا، حيث تولى حزب القانون والعدالة القومي السلطة هناك في 2015، وشرع في محاكاة سياسات رئيس الوزراء المجري. كما أقام أوربان علاقات مع سياسيين شعبويين في دول أخرى، مثل: مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وجورجيا ميلوني، رئيسة حزب فراتيلي ديتاليا في إيطاليا.
3) ما الخطوات التي يمكن أن يتخذها الاتحاد؟
صوّت البرلمان الأوروبي في 2018 على إطلاق تحقيق حول سيادة القانون ضد المجر، فيما وصفه بأنَّه "خطر واضح لحدوث انتهاك خطير" لمبادئ الاتحاد الأوروبي الديمقراطية. كما تسمح عملية قانونية جديدة جرى تبنيها في 2020 للاتحاد بوقف التمويل المحتمل عندما تتقوض مصالحه المالية. وأطلقت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد، ما يسمى بالآلية الشرطية في أواخر أبريل الماضي.
4) هل يتعلق التحقيق بالديمقراطية أو الفساد؟
الأمران مترابطان ببعضهما، لكن على المفوضية أن تقتصر بتحقيقاتها على المجالات التي يمكن أن تؤثر على ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتقوض المصالح المالية للكتلة. لذا؛ وبرغم أنَّ تعليقات أوربان حول النقاء العرقي، وقمعه لمسائل الإعلام المستقلة، وقيوده على حقوق مجتمع الميم، واجهت إدانة من الآخرين داخل الاتحاد؛ إلا أنَّها ليست محور التحقيق. مع ذلك؛ فإنَّ استقلال القضاء سيكون مرتكزاً رئيسياً للتحقيق، إذ يُنظر له بوصفه أمراً أساسياً لقدرة الدولة على معالجة الفساد وإصدار أحكام غير متحيزة.
5) ما الموقف الآن؟
في خطوة غير مسبوقة، أوصت المفوضية في 18 سبتمبر بتعليق 7.5 مليار يورو (ما يعادل 7.5 مليار دولار) من تمويل المجر من الاتحاد الأوروبي بسبب مخاوف الفساد، أي؛ 20% تقريباً من الأموال المخصصة في ميزانية الاتحاد بالفترة بين 2021 و2027.
اقرأ أيضاً: هنغاريا تهدد باستخدام حق النقض ضد عقوبات أوروبا على الطاقة الروسية
بشكل منفصل، ما تزال المجر تنتظر موافقة المفوضية على خطتها للتعافي من الوباء، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لحصول المجر على 5.8 مليار يورو من أموال الاتحاد الأوروبي. لكن إذا لم يتم تنفيذ خطة التعافي في الدولة بحلول نهاية العام الجاري؛ فمن المتوقَّع أن تخسر 70% من هذا التمويل.
6) هل ستُخفَّض تمويلات الاتحاد للمجر نتيجة لذلك؟
من السابق لأوانه قول هذا، لأنَّه يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد التصويت على اقتراح المفوضية. ولديهم شهر واحد لاتخاذ قرار، لكن يمكنهم تمديد هذا الموعد النهائي لمدة تصل إلى شهرين. بشكل حاسم، الإجماع ليس مطلوباً، لكنَّ قرار تعليق الأموال يجب أن تدعمه على الأقل 15 من أصل 27 من الدول الأعضاء، ممن يمثلون 65% من سكان الاتحاد الأوروبي. قالت المفوضية أيضاً إنَّ المجر أحرزت تقدماً في إجراءاتها الإصلاحية المقترحة، ومن المقرر أن تقدم تقريراً عنها بحلول 19 نوفمبر المقبل.
7) كيف كان رد الفعل على هذا؟
قالت الحكومة المجرية إنَّها ستنفذ جميع الإجراءات التي عرضتها في محادثاتها مع المفوضية، بالتالي؛ لا تتوقَّع أي احتمالات لخفض التمويل.
اقرأ أيضاً: بولندا والمجر تفقدان تمويلاً بالمليارات بعد معركة قضائية مع الاتحاد الأوروبي
تشمل هذه الخطوات إنشاء وكالة جديدة لمكافحة الفساد، وتعديل التشريعات لجعل المشتريات العامة أكثر شفافية. يتشكك كثير من المعارضين في المجر بإجراء الاتحاد الأوروبي تغييراً حقيقياً، قائلين إنَّ مطالبه لا تفي بما هو مطلوب. كما استخف المستثمرون أيضاً بتهديد الاتحاد الأوروبي، فقد ارتفع الفورنت مقابل اليورو في اليوم التالي. وكانت العملة المجرية من بين أسوأ العملات أداءً في العالم هذا العام، إذ أثرت التوقُّعات غير المؤكدة لصناديق الاتحاد على العملة المجرية.
8) هل يمكن للمجر أن تغادر الاتحاد يوماً ما؟
صرّح أوربان أنَّه يعتزم إبقاء المجر في الاتحاد، إذ يعتمد اقتصادها الموجه للتصدير بشكل كبير على حرية حركة السلع والخدمات. كما أوضح خروج المملكة المتحدة المضطرب من الاتحاد أيضاً مدى صعوبة عملية المغادرة لكلا الجانبين. إلى جانب ذلك؛ فإنَّ الصراع المحتدم في أوكرانيا المجاورة أعطى المجريين إحساساً بالأمان في وجودهم داخل الاتحاد (بالإضافة إلى حلف الناتو العسكري). لكن من الصعب توقُّع تراجع أوربان برضاه عن التغييرات القانونية التي أقرها في العقد الماضي، مع إطلاق حملة نشطة ضد الفساد. استفادت النخبة الحاكمة وحلفاؤها بشكل كبير خلال فترة ولايته. وقال وزير المالية المجري، ميهالي فارغا، العام الماضي إنَّه إذا استمر الاتحاد في انتقاداته، فقد تعيد المجر تقييم عضويتها بالكتلة بحلول نهاية هذا العقد، عندما يُتوقَّع أن تصبح مساهماً صافياً في ميزانية الاتحاد.