لا تجزعوا حيال تنبؤات الركود المتزايدة

يواجه الاحتياطي الفيدرالي مهمة شبه مستحيلة لضبط التضخم دون الإضرار بالاقتصاد بشكل خطير

time reading iconدقائق القراءة - 12
متسوقون في نيويورك - المصدر: بلومبرغ
متسوقون في نيويورك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يبدو أن تركيز "وول ستريت" تبدّل أخيراً من سرعة ومدى رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة ليصبح موعد الركود التالي. لا يتناقض الأمران في الواقع، إذ تُجمع الآراء على أن الاحتياطي الفيدرالي تأخر كثيراً عن الركب فيما يخص رفع أسعار الفائدة فلم يعد أمامه سوى تشديد السياسة النقدية لضبط التضخم ما يُجبر الاقتصاد على الانكماش. تكمن مشكلة هذه التوقعات في أنها تشبه قراءة صفحة من كتب خطط عمل مرحلة ما قبل الجائحة.

كَثُر الكلام عن الركود منذ عدة أسابيع لكنه بلغ ذروة في عيد الفصح حين نشر كبير الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس" جان هاتزيوس تقريراً قدّر احتمالات الركود خلال عامين بحوالي 35%. أشار الباحث إلى أن 11 من أصل 14 دورة تضييقية في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية أعقبها ركود في غضون عامين.

يصعب الجدال حول الوقائع التاريخية، لكن إن كنا تعلمنا شيئاً من العامين الماضيين، فهو أن الاقتصاد والأسواق المالية يسيران في أرض لم يخبروها قبلاً، لا سيما بعد ضخ الحكومة الأمريكية تريليونات الدولارات من الدعم المالي وضخ الاحتياطي الفيدرالي تريليونات الدولارات في النظام المالي. واجه المحللون، كما يتضح، صعوبة في مواءمة النماذج القديمة مع النظام الجديد، فبدت التوقعات وكأنها أكبر من مجرد تخمينات. تُبيّن بيانات بلومبرغ أن الاقتصاديين توقعوا حتى منتصف العام الماضي وصول التضخم إلى حوالي 2.5% في 2022 رغم تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين 5% فعلياً في ذلك الوقت. قفز مؤشر أسعار المستهلكين منذ ذلك الحين إلى أكثر من 8%.

عوامل مغفلة

يبدو أن الاقتصاديين لم ينتبهوا إلى الدلالة الأكبر وهي المستهلكين الذين يشكل إنفاقهم نحو ثلثي الاقتصاد، وتختلف الأمور هذه المرة عن أي وقت آخر بسبب الوضع المالي القوي نسبياً للأسر العادية. أي نقاش حول التضخم، والآثار السلبية على الاقتصاد، والمستهلكين يجب أن يبدأ بالمدخرات الفائضة. مكّنت البرامج الحكومية الاجتماعية السخية لدعم الاقتصاد أثناء جائحة كوفيد-19 المستهلكين من بناء سيولة نقدية عالية مذهلة، حيث ارتفعت الودائع الجارية للأسر والمنظمات غير الربحية إلى 4.06 تريليون دولار في ديسمبر من 1.16 تريليون دولار في نهاية 2019، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي. ارتفع هذا المقياس قبل الوباء إلى 1.41 تريليون دولار.

لا يعني انتهاء البرامج الحكومية الخاصة عدم استمرار السخاء، فقد ارتفع متوسط المبالغ المردودة لدافعي الضرائب الأمريكيين إلى 3175 دولاراً ​​هذا العام، بزيادة 9.9% عن نفس الفترة من2021، وفقاً لبيانات بلومبرغ. قد تُحسّن هذه المدفوعات الحالة المزاجية لدى المستهلكين، حيث أعلنت جامعة ميشيغان الخميس أن مؤشر المعنويات الأولي لأبريل قفز بشكل غير متوقع لأعلى مستوياته منذ مطلع 2021. قالت وزارة التجارة في نفس اليوم إن مبيعات التجزئة لدى مجموعة مختارة للبحث لم تتغير كثيراً في مارس، حيث انخفضت 0.1% فقط، فيما عدلت رقم فبراير صعوداً إلى 0.9% سلبي من 1.2% سلبي كانت قد نشرته بداية.

إنفاق استهلاكي

أشار كل من جيمي ديمون، رئيس "جيه بي مورغان آند كو" التنفيذي، وبريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لـ"بنك أوف أمريكا، في مكالمات مناقشة نتائج الربع الأول خلال الأيام الأخيرة، إلى المكانة الآنية الجيدة للعملاء. أشار ديمون لبقاء الإنفاق الاستهلاكي في مستوى صحي، فيما ألمح موينيهان لتزايد الإنفاق في المستقبل بفضل الأموال الكثيرة التي يملكها المستهلكون حالياً.

لكن لا يبدو الأمر كما لو أن المستهلكين يعانون ضائقة موارد مالية، فقد اقتربت نسبة خدمة ديون الأسر من أدنى مستوياتها القياسية منذ بداية الوباء، واستقرت بشكل مريح عند أقل من 10%، بل ولم تدانِ أعلى مستوياتها القياسية البالغة 13.2% في 2007 التي أدت إلى الركود الأخير. منحت هذه الرافعة المالية المنخفضة ثقة للمستهلكين ليتحملوا مزيداً من الديون قصيرة الأجل. قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في أبريل أن الاقتراض الاستهلاكي قفز بأكبر رقم مسجل عند 41.8 مليار دولار في فبراير عن الشهر السابق. تُبيّن الوقائع التاريخية أن الائتمان يزدهر في الأوقات الجيدة حين يشعر المستهلكون بالثقة، مقارنة بالأوقات الصعبة.

ما فات هاتزيوس في توقعه حدوث ركود خلال العامين المقبلين هو تفاؤله على المدى القصير، نظراً لتوقعه الركود خلال 12 شهراً بنسبة 15% فقط، وتقل هذه النسبة عن المتوسط المتوقع عند ​​25% في استبيان شهري من بلومبرغ للاقتصاديين، وهو يتماشى مع المتوسط ​​طويل الأجل البالغ 23% في 2008.

يواجه الاحتياطي الفيدرالي مهمة شبه مستحيلة للتحكم في التضخم دون الإضرار بالاقتصاد بشكل خطير. يكاد يكون التنبؤ حول الاقتصاد لمدة عامين مستحيلاً في الأوقات العادية، ناهيك فترة الخروج من جائحة مصحوبة بحوافز غير مسبوقة. سيؤثر عديد من العقبات على النمو بالتأكيد، لكن هناك كثير من العوامل المواتية أيضاً. ربما كان لاعب البيسبول يوغي بيرا محقاً في قوله: "التنبؤ صعب، خاصة حيال المستقبل!".

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

4 دقائق

2°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
22.2 كم/س
68%
الآراء الأكثر قراءة