ما السبيل لجعل روسيا تعاني ألم العقوبات أكثر؟

time reading iconدقائق القراءة - 22
أكواب جديدة تحمل صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معروضة للبيع في متجر للهدايا التذكارية في موسكو. روسيا - المصدر: بلومبرغ
أكواب جديدة تحمل صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معروضة للبيع في متجر للهدايا التذكارية في موسكو. روسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ركزت وسائل الإعلام هذه الأيام على نقل رسالة بأن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا "غير مسبوقة". حتى "وزارة الخزانة" استخدمت صيغ المبالغة في ذلك الشأن، ولكن كما قال رجل حكيم ذات مرة (بالنسبة لي، الرجل الحكيم هو آلان إم سيغال، المحرر الأسطوري بصحيفة نيويورك تايمز): لا يوجد شيء غير مسبوق.

ويشاركه نفس الرأي كاتب الرأي في بلومبرغ نيال فيرغسون، قائلاً: "لقد سمعت أنها ذكرت أن اتساع وعمق العقوبات المفروضة على روسيا تجعلها غير مسبوقة، وأنا أعترض على ذلك، فالطريقة التي قطعت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العلاقات المالية مع روسيا قوية، لكنها لا تشبه إلى حد كبير العقوبات التي فرضتها بريطانيا وحلفاؤها على ألمانيا، عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى".

قد يكون الأثينيون الذين استسلموا لأسبرطة عام 404 قبل الميلاد، أو مارك أنتوني عقب موقعة أكتيوم، قد استخدموا أيضاً ألفاظاً لها دلالات مشابهة.

لا يعني ذلك التقليل من فعالية رد فعل الغرب على عدوان الرئيس فلاديمير بوتين، والذي تقدر "أكسفورد إيكونوميكس" تداعياته بتسببها في انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 7%. (تعرضت ألمانيا في عام 1914 لسابقة مشابهة بالضبط، وفقاً لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي).

ربما يكون الأمر غير المسبوق هو تسونامي العقوبات في عالم تسوده العولمة والترابط المالي.

للحصول على نظرة ثاقبة بشأن كيفية حدوث ذلك، أجريت مناقشة مع خوان زاراتي، الذي يعد أول من شغل منصب مساعد وزير الخزانة لتمويل الإرهاب والجرائم المالية في الولايات المتحدة، ثم عمل نائباً لمستشار الأمن القومي لمكافحة الإرهاب في عهد جورج دبليو بوش. يشغل زاراتي هذه الأيام منصب شريك إداري في شركة استشارات المخاطر "كيه 2 إنتيغريتي" (K2 Integrity)، ورئيساً لمركز القوة الاقتصادية والمالية في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، ومستشاراً أول في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية".

فيما يأتي نص حديثنا معدلاً بشكل طفيف:

توبين هارشو: هل كنت تتوقع أن تكون العقوبات شديدة العمق؟ ومشاركة الحلفاء بسرعة في الأمر؟

خوان زاراتي: أدهشني الجمع بين نطاق العقوبات ووتيرتها والغرض الواضح منها. فالعقوبات ليست أمراً سهلاً عندما يتم فرضها على روسيا، فهي اقتصاد رئيسي، ولديها النفط والغاز. لقد مررنا بسلسلة من العقوبات عقب غزو شبه جزيرة القرم، وغيرها من الأنشطة العدائية. روسيا هدف معقد.

تهدف العقوبات إلى عزل الاقتصاد الروسي بشكل سريع ومباشر للغاية، وتجميد قطاع النفط والغاز، ولكن قد تم إلى حد كبير فصل النظام المالي قدر الإمكان، حيث فرضت أوروبا والولايات المتحدة عقوبات كبيرة في غضون أسبوعين.

توبين هارشو: المفاجأة بالنسبة لي انضمام اليابان وسنغافورة وتايوان من آسيا.

خوان زاراتي: وآسيا أيضاً. يتعين عليك النظر إلى حجم ونوع العقوبات مقارنة بالاحتياجات المختلفة للدول، وهو ما يفسر صعوبة التنسيق فيما بينها. لكن في هذه الحالة، كانت هناك رغبة كبيرة في عزل روسيا وسط الازدراء الأخلاقي لتصرفها. وفي غياب التدخل المباشر، تحملت العقوبات ثقل كاهل الرد على الحرب، ولا تزال العقوبات تتحمل هذا العبء. ومن المهم أن نلاحظ أن القطاع الخاص كان له دور في سحب الاستثمارات من روسيا وعزلها، الأمر الذي كان له تأثير مدمر وناجح في فرض العزلة الاقتصادية والمالية على روسيا، حيث بدأت الشركات التحرك حتى قبل فرض العقوبات، أو دخولها حيز التنفيذ الكامل.

توبين هارشو: لقد ذكرت إلى أي مدى كان الأمر ثورياً على صعيد اتساعه وقوته، فالعقوبات وصلت إلى حد إخراج روسيا من شبكة المدفوعات الدولية -سويفت (SWIFT)، وفرض عقوبات على أصول بنكها المركزي. كان هناك بعض القلق بشأن الآثار السلبية المحتملة، مثل تقويض الثقة في النظام المالي العالمي. هل أنت قلق بشأن أي شيء من هذا القبيل؟

خوان زاراتي: لا يساورني أي قلق على الإطلاق. بالعكس، أعتقد أن الأمر يعزز قوة النظام، بأن يكون هناك إجماع نسبي في الاستجابة لأزمة دولية، كما يمكن الاستفادة من العقوبات ليس فقط لمعاقبة النظام المالي بل لحماية نزاهته.

أعتقد أن السؤال حول كيفية التخلص من الانكشاف على روسيا، وما يمكن فعله مع الديون الروسية، وماذا يحدث إذا تخلفت عن السداد، كلها قضايا يمكن التحكم فيها. من غير المنطقي أن يتم عزل اقتصاد كبير بتلك السرعة، لذلك لا أؤيد من يرى أن الأمر ليس خطيراً أو معقداً، لكنني لا أعتقد أيضاً أن هناك مخاطر تهدد بانهيار النظام العالمي.

توبين هارشو: حسناً، ماذا عن التهرب من العقوبات، وما هي الطرق التي يمكن للروس من خلالها الالتفاف عليها؟ أفكر في العملات المشفرة على وجه التحديد، وما هي الأبواب الخلفية؟

خوان زاراتي: عليك دائماً أن تقلق بشأن التهرب عندما يكون الاقتصاد معزولاً، لأنك تعلم أن الطبيعي تدفق الأموال، واستمرار التجارة، وستكون هناك رغبة في شراء سلع من روسيا، مثل النفط والغاز، أو المعادن، أو الأخشاب، وغيرها. عليك أن تقلق من آليات التهرب. وبالنسبة لمصدر القلق الأول فالأمر واضح، ويتمثل في البلدان والاقتصادات التي لا تزال على استعداد للقيام بأعمال تجارية مع روسيا.

والتساؤل هنا، هل تعمل الصين كمنفذ للمدفوعات والبضائع والتجارة الروسية بشكل عام؟ وهل يمكنك ردع أو ثني دول وشركاتها تقوم بدور الطرف الثالث عن الاستمرار في الانخراط ضمن المعاملات مع روسيا؟ ذلك هو السبب في إرسال الولايات المتحدة إشارات إلى الصين بأنها قد تكون في خطر إذا قررت تقديم الدعم للاقتصاد الروسي.

توبين هارشو: وماذا غير الصين؟

خوان زاراتي: هناك مجموعة واسعة من آليات التهرب المحتملة بشأن كيفية تحويل الثروة أو التداول في ظل غياب الوسائل العادية.

هناك مقايضات، كما رأينا من قبل مع إيران وتركيا، عندما تم بيع النفط مقابل الذهب. كما يمكن أن يتم تأسيس شركات وهمية جديدة. هذا هو السبب في إصدار "شبكة إنفاذ القانون على الجرائم المالية" (FinCEN) التابعة لوزارة الخزانة مطلع مارس، تحذيراً يتضمن "خطوطاً حمراء" بشأن أشكال التهرب الممكنة، وخاصة محاولات الأوليغارشية الروسية لتأسيس صناديق جديدة، أو شركات وهمية جديدة، لنقل الأصول من خلال وكلاء أو أطراف أخرى.

وبالتأكيد، يمكن للعملات المشفرة أن تكون منفذاً، وأتوقع امتلاك بعض الأثرياء الروس بالفعل أصولاً مشفرة. لكن لا يمكن للاقتصاد الروسي بشكل عام التحول بسهولة إلى الاعتماد على العملة المشفرة، لإجراء المدفوعات أو الاحتفاظ بالأصول أو الاحتياطيات.

اقتصاد التشفير ليس مكتملاً بالدرجة الكافية في حالة روسيا. فربما لا تثق الحكومة الروسية في اقتصاد العملة المشفرة الذي لا تسيطر عليه. كما أن هناك أيضاً حذر وترقب لما قد يتم تحويله من روسيا، على الأقل بين المؤسسات أو الكيانات الشرعية التي تعمل في العملات المشفرة. لا يمكن لي أن أكشف بشكل كامل عن تفاصيل ذلك، لأني أعمل مستشاراً لشركة "كوين بيس". لكن أود أن أشير إلى أنه تم إغلاق 25000 حساب للاشتباه في ارتباطها بروسيا. اقتصاد التشفير لا يمثل بالضرورة الغرب المتوحش.

توبين هارشو: شاهدنا ما تم الإعلان عنه مراراً على أنه حقيقة، بأن الغرب جمد نحو نصف أصول "البنك المركزي الروسي"، وأعتقد أن وزير المالية الروسي نفسه قال ذلك. هل يمكننا أن نعرف ما إذا كان ذلك صحيحاً؟ لأن ما فهمته أن ذلك يشير إلى قيمة الأصول، وليس بالضرورة مكانها.

خوان زاراتي: إنه سؤال رائع. أعتقد أن الروس أنفسهم قد اعترفوا بذلك، ما يعكس عدم قدرتهم على الوصول إلى احتياطياتهم بشكل كامل. من الصعب التعرف على ما يتم القيام به مع كافة الاحتياطيات الروسية على مستوى العالم، وذلك أمر مهم ويجب أخذه في الاعتبار عند التفكير في العقوبات وإنفاذها، والوقوف على مدى ما يمكن فعله لفرض القيود على أصول "البنك المركزي الروسي" وكذلك مدى فعالية منعها أو السيطرة عليها على اختلاف السلطات القضائية.

تتوقف طريقة تحديد الاحتياطيات والتعامل معها بحسب الأشكال أو الأنواع المختلفة من الاحتياطيات. في بعض الحالات، يكون الحل بتجميد احتياطيات محددة يمكن السيطرة عليها، وفي حالات أخرى، يمكن أن يكمن الحل بفصل السندات المملوكة لبنك روسيا المركزي على هيئة أصول أخرى. حتى الآن لا أعرف تماماً كيف تسير الأمور بالنسبة لكافة أصول "البنك المركزي الروسي"، وكيف يتم تقييدها أو تجميدها في كل حالة.

توبين هارشو: نحن الأمريكيين نعتقد بأننا أشخاص صالحون وسط كل ما يحدث. لكننا قرأنا عن الصناديق الائتمانية في ولاية داكوتا الجنوبية، وبعض الطرق الأخرى، التي يمكن للناس من خلالها إخفاء الأموال في الولايات المتحدة. ماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟

خوان زاراتي: إنها واحدة من أهم قضايا الشفافية والإصلاح المالي التي تحدثت عنها الجهات التنظيمية، وصانعو السياسات، والخبراء مثل شريكي في العمل ومسؤول الخزانة السابق، تشيب بونسي، منذ فترة طويلة جداً. لقد حدث أمران مهمان مؤخراً: إصدار قانون مكافحة غسيل الأموال، وقانون شفافية الشركات، وكلاهما يهدف إلى تحقيق مزيد من شفافية الشركات، ومعرفة معلومات عن الملاك والمستفيدين، لتجنب شراء جهات غير قانونية للأصول في الولايات المتحدة، أو إخفاء مكاسب غير مشروعة، أو استخدام نظام تأسيس الشركات في الولايات المتحدة لغسيل الأموال.

نحتاج في الوقت الحالي إلى فرض ليس فقط أكبر قدر ممكن من الشفافية المالية، ولكن فهم العلاقة بين تلك الشفافية ومخاطر الأمن القومي بشكل أفضل. فإذا لم نكن نعرف أين تمتلك الأوليغارشية الروسية، أو القيادة الروسية أصولًا هنا، فهذه ثغرة أمنية بالنسبة للولايات المتحدة.

توبين هارشو: هل أنت قلق من أن كل هذا التركيز على روسيا قد يصرف الانتباه عن الإرهابيين وكوريا الشمالية وكل الأشياء الأخرى التي يجب أن يهتم بها المسؤولون؟

خوان زاراتي: الأمر يرتبط بالأولويات، وروسيا الآن في صدارة الاهتمام بشأن تطبيق العقوبات، واسترداد الأصول، واستهداف الأفراد والأصول، ومساعدة القطاع الخاص على تحديد أفضل السبل للتخلص من الانكشاف على روسيا. لذلك الأمر يتسبب في إجهاد باقي البرامج التي تعتمد على العقوبات وتستهدف الشبكات المالية المرتبطة بجهات غير مشروعة.

رغم ذلك، هناك آخرون مستمرون في التركيز على تلك الجهات الفاعلة والبرامج الأخرى، وهناك قضايا وتحقيقات وتحليلات مستمرة. وفي الحقيقة، قد يزيد التركيز على روسيا من الاهتمام ببرامج أخرى، في ظل وجود علاقة لروسيا بالعديد من النزاعات والقضايا، مثل سوريا، وفنزويلا، وانتهاكات حقوق الإنسان، وربما إيران أيضاً في الوقت الحالي، في ظل السماح بفتح قناة اقتصادية، والتداعيات ذات الصلة التي تؤثر على مناقشات الاتفاق النووي. أصبحت روسيا فجأة نافذة يمكن من خلالها النظر بمزيد من الاهتمام للموضوعات والجهات الفاعلة الأخرى، كما قد تثير الصين أيضاً الاهتمام في ظل تطبيق العقوبات الروسية، في حال أصبحت منفذاً مالياً أو تجارياً للاقتصاد الروسي.

توبين هارشو: دعنا ننهي حوارنا بسؤال واضح: ما الذي يمكن فعله أكثر لزيادة الخناق على موسكو؟

خوان زاراتي: أعتقد أن هناك 3 فئات رئيسية من العقوبات. أحدها فرض المزيد من القيود على تجارة النفط والغاز، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الحلفاء الأوروبيين. حيث سيتبع ذلك الانتقال لأهداف أخرى، على سبيل المثال، حظر مصرف "سيبربنك"، وشركة "غازبروم بنك" من نظام التحويلات المالية "سويفت"، حيث تستمر في استخدام نظام التحويلات بسبب إعفاء تجارة النفط والغاز من العقوبات. يبقى قطاع النفط والغاز فجوة كبيرة في نظام العقوبات، رغم ما فعلته الولايات المتحدة وكندا لتقييد تلك التجارة.

يمكننا بعد ذلك فرض عقوبات ثانوية على أطراف ثالثة تتعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات. قد لا يتعين عليك تطبيقها الآن، ولكن يمكن جعلها جزءاً من النظام، وتهديد الأطراف الثالثة التي تتعامل مع روسيا بتفعيلها. لن يقتصر ذلك على استهداف الأطراف الثالثة التي تسهل التهرب من العقوبات، ولكنها تستهدف أيضاً من يتعاملون مع كيانات أو قطاعات في الاقتصاد الروسي يمكن تحديدها بطريقة ما.

الفئة الثالثة تتمثل في التطبيق الفعال للعقوبات السارية. وهنا تكمن أهمية استهداف أصول الأوليغارشية، واختلافها نوعياً عن العقوبات السابقة. لا يقتصر الأمر على السماح بتطبيق العقوبات وأن يتم عزل تأثيرها عن السوق، وإنما يمتد لاصطياد الأصول التي تمثل مكاسب غير مشروعة. كما يتعلق الأمر بفرض مزيد من العقوبات على كيانات وأفراد إضافيين، لهم علاقة بمن يخضعون بالفعل للعقوبات. وكذلك إلقاء الضوء على التهرب من العقوبات ومعاقبة الممثلين عن المعاقبين أينما كانوا. كل هذا يعزز استدامة وفعالية نظام العقوبات.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

موسكو

9 دقائق

0°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -1°/
20.4 كم/س
73%