طرد روسيا من نظام "سويفت" للمدفوعات قد يأتي بنتائج عكسية

time reading iconدقائق القراءة - 18
استبعاد روسيا من نظام \"سويفت\" العالمي للمدفوعات قد يهدد اقتصادها لكنه أيضاً سيسبب أضراراً لشركائها التجاريين - المصدر: بلومبرغ
استبعاد روسيا من نظام "سويفت" العالمي للمدفوعات قد يهدد اقتصادها لكنه أيضاً سيسبب أضراراً لشركائها التجاريين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إنَّ واحدة من أكبر المعجزات في عالم اليوم المستَهلك بالبرمجيات؛ تتمثَّل في أنَّ الاضطراب التكنولوجي قد أتاح نظام تحويل الأموال عبر الحدود، وتأتي جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، أو "سويفت"، ومقرها بروكسل، في قلب هذا النظام.

"سويفت"؛ هو نظام تضم فيه المعاملات عبر الحدود العديد من الوسطاء في أغلب الأحيان، وهذا يعني أنَّ التكاليف قد تصل إلى 25-35 دولاراً لكل معاملة، وفق تقرير صدر عام 2018 عن "سويفت"، وشركة الاستشارات الإدارية "ماكنزي آند كو".

وهو أيضاً نظام لا يعمل تقريباً في البلدان الأصغر والأفقر، ومع ذلك؛ فهو ما يزال مهيمناً لدرجة أنَّ التهديد المتمثل في عزل روسيا عن "سويفت"، على غرار إيران، هو احتمال مخيف لكثير من الروس والكرملين على حد سواء.

ليس دعم الولايات المتحدة فقط، مُصدرة العملة المهيمنة في العالم، هو الذي يساهم في هذه المعجزة، بل إنَّ "سويفت" سعى وراء ما يكفي من الابتكارات التكنولوجية لجعل البحث عن بدائل غير جذاب نسبياً. ومع ذلك؛ فإنَّ أي صدمة كبيرة للنظام يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الداعية للتغيير.

تأسس "سويفت" في عام 1973، وتطوّر ليشمل حوالي 11 ألف بنك، وحتى بالرغم من بساطته المفرطة؛ فإنَّ سير العمل به ليس سلساً بأي حال من الأحوال، فعندما أرغب في إجراء تحويل مصرفي إلى حساب والدتي في موسكو، فإني أبلّغ المصرف الألماني الذي أتعامل معه، وأقدّم رمز "سويفت" الخاص بالبنك الروسي، ولا يمتلك المصرف الذي أتعامل معه علاقة عمل مباشرة مع بنك أمي، لذلك يستخدم "سويفت" لإرسال رسالة إلى البنك المقابل في روسيا، والذي يقوم بدوره بإخطار بنك والدتي، وعند مرحلة معينة في العملية الآمنة للغاية والقابلة للانعكاس، يحدث تحويل العملة، لكن لا يتم تسوية الدفعة فعلياً إلا بعد أن يأخذ تبادل الرسائل مساره.

نظام "سويفت" لا غنى عنه

في الواقع، لا أستخدم بنكاً للتحويلات إلى أمي هذه الأيام، وإنما، أُرسل الأموال عبر شركة تكنولوجيا مالية، والتي تضم مدفوعات متعددة في رسالة "سويفت" واحدة أو حتى تتم تسوية معاملات متعددة، وتستخدم "سويفت" فقط لتحويل الرصيد المتبقي، ويربح مقدّم خدمة التكنولوجيا المالية هذا المال عن طريق أخذ فارق الرسوم البسيط بين ما كنت سأدفعه للبنك، وتكلفة الجملة الأقل بعد تجميع المعاملات، مع ذلك، ما يزال "سويفت" لا غنى عنه لنموذج الأعمال ذلك، والتكنولوجيا المالية، في الأساس، هي مجرد وسيط آخر، لكنَّها توفر لي المال بدلاً من زيادة التكاليف عليَّ.

وفي السنوات الماضية، تراجعت العلاقات بين البنوك المراسلة، والتي تحافظ على عمل "سويفت"، حتى برغم معالجة "سويفت" المزيد من المعاملات، وفي بحث أجراه بنك التسويات الدولية في 2020، أوضحت تارا رايس، وجويتز فون بيتر، وكودروتا بور أسباباً عديدة لذلك، مثل خفض التكاليف، ومعايير الامتثال الأكثر صرامة - انسحبت البنوك من المراسلات مع الولايات القضائية التي يُنظر إليها على أنَّها فاسدة - وكلما صغُر حجم البلد؛ قلّت ربحية الاحتفاظ بحسابات مراسلة فيه، وتعتبر مجمّعات المعاملات محركاً آخر للتركيز المتزايد لعلاقات المراسلة.

بنك التسويات الدولية

تقدّم قائمة بنك التسويات الدولية التي تضم 50 دولة صاحبة أكبر انخفاض في عدد علاقات المراسلين بين عامي 2011 و2020 نظرة مثيرة للاهتمام، فبالنسبة لبعض الدول الفقيرة أو الصغيرة أو التي مزقتها الحروب، والتي لا تحظى باهتمام كبير من البنوك وشركات الدفع على حد سواء؛ تتزامن الانخفاضات مع تراجعات مماثلة في حجم المعاملات، وانزلقت هذه الأماكن لتصبح شبيهة بالأفراد الذين لا يتعاملون مع البنوك في الدولة القومية، وتمددت سلاسل التحويل، وأصبحت مكلفة بشكل يستحيل معه التحويل (بعض جزر المحيط الهادئ غير قادرة حتى على تلقي الأموال بالطريقة التقليدية)، وفقاً للبنك الدولي؛ وصلت تكلفة التحويلات إلى سوريا في عام 2020 إلى 23%، وهي تأتي مباشرة أعلى من أنغولا التي بلغت 22%.

وقلّصت دول أخرى - مثل دول البلطيق - أعمالها المصرفية عبر الحدود عن قصد من أجل تجنّب التكاليف التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مسهلي الفساد الروسي.

ويبدو أنَّ بعضهم قد تحول نحو القنوات التي لا تغطيها إحصاءات بنك التسويات الدولية، وتقدّم أوكرانيا، صاحبة المعدلات المرتفعة بسبب انتشار شركات التكنولوجيا المالية والعملات المشفَّرة، أحد تلك النماذج.

وكتبت رايس وفون بيتر وبور: "أينما تنحسر البنوك، قد يلجأ المستخدمون إلى القنوات الأقل تنظيماً أو غير المنظمة".

سرعة المعاملات المالية

ومع ذلك؛ فإنَّ الدول التي تتراجع فيها البنوك لا تحدد اتجاه النظام المالي العالمي، أما في الدول الأكبر والأكثر ثراءً، تشعر البنوك بسعادة كافية من الطرق التي يبتكرها "سويفت" لتسريع المدفوعات، وزيادة شفافية المعاملات، ورسوم التحويل.

ولا يوجد سبب يدعوهم للبحث عن بدائل للتجربة، على سبيل المثال؛ فالحلول القائمة على تكنولوجيا "بلوكتشين" مثل تلك التي تقدمها "ريبل لابس إنك" (Ripple Labs Inc) بتكلفة لا تذكر.

كما حاولت اللاعبة التقليدية الكبيرة، "موني غرام انترناشونال" بحذر الدخول في شراكة مع "ريبل" حتى اتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية "ريبل" ببيع الأوراق المالية غير المسجلة في عام 2020، وتدافع شركة العملة المشفَّرة عن نفسها، لكنَّ حجم المعاملات التي عالجتها العام الماضي لم تتجاوز 10 مليارات دولار، مما يجعلها منافسة تافهة لصناعة التحويلات القائمة "سويفت".

كما أنَّ أنظمة المراسلة المالية البديلة التي أنشأتها الصين (CIPS) وروسيا (SPFS) ليست مبنية على "بلوكتشين"؛ وهي، إلى حد كبير، مستنسخات من "سويفت"، وتتنافس معها فقط بقدر ما ينافس الرنمينبي والروبل الدولار الأمريكي واليورو كعملات دفع دولية.

العملات الرقمية

أما فيما يتعلق بالعملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، والتي غالباً ما توصف بأنَّها منافس محتمل لـ"سويفت"؛ فهي ما تزال في مهدها، وتعد عملة "بترو" الفنزويلية، وهي أول عملة رقمية مدعومة من الدولة في العالم، عنصراً فكاهياً أكثر منها وسيلة مناسبة للتنافس مع النظام الحالي.

ويفضل الفنزويليون العملات المشفَّرة الخاصة للتغلب على افتقار بلادهم إلى النقود الورقية القابلة للاستخدام، ولم تقترب البنوك المركزية الأكبر من إصدار عملات رقمية برغم مناقشتهم إياها.

كما أنَّ ضعف التنسيق بين هذه المشاريع، يجعل مطالبة "سويفت" بدور ميسر الدفع بالأموال الرقمية للبنوك المركزية واقعية، وسيحتاج شخص ما إلى جعل جميع العملات المختلفة قابلة للتبادل البيني، وعلى الأقل؛ فقد فكّر "سويفت" بجدية فيما هو مطلوب.

نظم بديلة

إنَّ إنشاء نظام شفاف، ومنخفض الرسوم، وسريع للتحويلات الدولية، فضلاً عن أنَّه قائم على "بلوكتشين"، أو على غرار "فيزا دايركت"، أو "ماستركارد سيند"- وهما يعتمدان على "سويفت"- سيكون مشروعاً رائعاً يمكن تنفيذه من قبل مجموعة من الدول النامية، أو ربما مؤسسة مثل بنك التنمية الجديد، الذي أسسته البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في عام 2015، وقد يساعد البلدان الفقيرة على خفض تكاليف التحويلات المالية.

ويمكن أن تمنح تجارة الموارد والسلع الصناعية للعالم النامي مجتمع روسيا والصين النفوذ اللازم لتبني النظام الجديد على نطاق أوسع، وجعله أكثر مقاومة للعقوبات الأمريكية المحتملة.

وبدلاً من ذلك، يبحث أكبر خصمين جيوسياسيين لأمريكا إمكانية ربط أنظمتهما الشبيهة بالـ "سويفت"، وهي لعبة لن تساعدهما كثيراً إذا طُردت روسيا من "سويفت"، حسبما يواصل السياسيون الأمريكيون التهديد، ومن الصعب تخيّل اصطفاف مشتري الهيدروكربونات الروسية للانضمام إلى "CIPS" أو "SPFS" للدفع بالروبل أو الرنمينبي.

ويعد فشل "انستكس" (Instex)، المحاولة الضعيفة من قبل الاتحاد الأوروبي لخرق العقوبات الإيرانية، مؤشراً جيداً على مآل ذلك على الأرجح. وتماشياً مع الجودة الرديئة بشكل عام للمشاريع الحكومية في عهد فلاديمير بوتين؛ لم تعكس جهود روسيا حتى الآن إمكانات عقولها الهندسية.

خسائر فادحة لشركاء روسيا التجاريين

ربما تكون هناك حاجة إلى تحد أكثر إلحاحاً حتى يظهر البديل الحقيقي الذي يدمر "سويفت"، وفي حال استُبعدت روسيا حقاً من "سويفت"، وأجبرت على التوصل إلى حل عملي بسرعة؛ فقد تحصل على مساعدة حتى من بعض الدول الغربية، وليس من الصين فقط.

وفي ظل صادرات السلع التي بلغت 341 مليار دولار العام الماضي (حوالي 55% منها مقومة بالدولار الأمريكي، و29% باليورو، وفقاً لثلاثة أرباع العام الماضي)، والواردات بقيمة 219 مليار دولار؛ فإنَّ طرد روسيا سيمثل خسارة فادحة للعديد من الشركاء التجاريين.

قد يساعد ذلك في تفسير التقارير الحديثة التي تفيد أنَّ طرد روسيا من "سويفت" ليس مطروحاً بجدية على الطاولة، وبرغم أنَّ عزلها قد يسبب بالفعل ألماً شديداً للروس والاقتصاد الروسي على المدى القصير؛ فإنَّه قد يكون أيضاً بمثابة صدمة كبيرة لنظام الدفع الذي يقوده الغرب، والذي لم يعد- برغم كل مبادرات "سويفت" للابتكار- الأنسب للإمكانات التكنولوجية للعالم الحديث واحتياجاته.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

موسكو

6 دقائق

0°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -1°/
13.3 كم/س
59%