تفوقت أسواق المال الأمريكية على باقي الأسواق العالمية خلال 2021 بتسجيلها أعلى عائد خلال القرن الحادي والعشرين. ويكمن السبب وراء ذلك في تحسن الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الاثني عشر الأولى من حكم جو بايدن، بمعدل يفوق أي رئيس سابق خلال السنوات الـ50 الماضية، رغم ما روّج له الإعلام المضاد الذي ساهم في إشاعة رأي عام متشدد.
اقرأ أيضاً: خطة بايدن الخفية لاستعادة الثقة في الديمقراطية
يرجع السبب الرئيسي في تسجيل الأصول المقومة بالدولار عوائد استثنائية، لا سيما مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، سواء من حيث القيمة المطلقة أو بمقارنة أدائه مع مؤشرات الأسواق العالمية، إلى انخفاض معدلات الدين إلى مستوى قياسي، الأمر الذي مكّن الشركات من تحقيق أكبر هوامش ربح منذ عام 1950.
اقرأ المزيد: خلاف الديمقراطيين يؤجل خطة بايدن الاقتصادية إلى 2022
خفّضت برامج إدارة بايدن للتطعيم ضد كوفيد-19، وخطة الإنقاذ الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار، معدل البطالة إلى 4.2% في نوفمبر من 6.2% في فبراير، استمراراً للانخفاض غير المسبوق في البطالة خلال جائحة كوفيد-19.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. ديون أمريكا تسجل 30.3 تريليون دولار
كذلك نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أو المعدل حسب التضخم بمعدل سنوي بلغ 5.03% في المتوسط خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2021، فيما تشير التوقعات إلى تسجيله نمواً بنسبة 5.6% وفقاً لمتوسط تقديرات أكثر من 80 اقتصادياً تم استطلاع آرائهم في المسح الذي أجرته "بلومبرغ". وإذا تحققت تلك التوقعات، سيصل معدل النمو إلى أكثر من 2.8 ضعف المتوسط خلال الفترة بين عامي 2000 و2019، وضعف المتوسط منذ عام 1976.
كل ذلك يضع بايدن خلال سنته الأولى في البيت الأبيض، في الصدارة بين الرؤساء السبعة السابقين، بحسب 10 مؤشرات سوقية واقتصادية تتساوى في الوزن النسبي. وبحسب البيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، يتفوق بايدن على أسلافه، حيث تحتل فترة ولايته المركزين الأول والثاني بالنسبة إلى المؤشرات التالية:
· الناتج المحلي الإجمالي (1)
· نمو الربحية (1)
· أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (2)
· القروض الاستهلاكية (1)
· كشوف رواتب الموظفين في القطاعات غير الزراعية (2)
· وظائف قطاع التصنيع (2)
· إنتاجية قطاعات الأعمال (2)
· قوة الدولار (2)
· الأداء النسبي لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (2)
ارتفع دخل الفرد 1.08% خلال 2021 ليمثل نقطة الضعف الوحيدة لبايدن من حيث المقارنة، حيث احتل مرتبة متأخرة بعد دونالد ترامب بنسبة 2.17%، وجورج بوش الابن 2.01%، وجيمي كارتر 1.80% ورونالد ريغان 1.42%.
لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي في كل الإدارات السابقة خلال العقود الأربعة الماضية 2.74% حتى عام 2021، في الوقت الذي يقترب النمو في عهد بايدن من تجاوز المعدل المسجل في عهد كارتر (5.01%) الذي يُعتبر بطل نمو الناتج المحلي الإجمالي بين الرؤساء منذ عام 1976. ويرجع الكثير من الفضل إلى خطة الإنقاذ الأمريكية التي ضخت 66 مليار دولار لصالح 36 مليون أسرة، وخفض معدل فقر الأطفال بنسبة 50%، ما ساعد الولايات المتحدة على التعافي من الوباء بشكل أسرع من معظم الدول الأخرى.
ربحية الشركات
لم تكن الشركات الأمريكية في وضع أفضل مما كانت عليه في عهد بايدن خلال عام 2021، حيث تدفقت جهود دعم المستهلكين إلى الشركات الأمريكية، التي تتمتع بهوامش ربح تبلغ نحو 15% وهي الأعلى منذ عام 1950 وفقاً لـ"مكتب التحليل الاقتصادي". زادت أرباح شركات القطاع غير المالي 39.3%، ما دفع بايدن إلى تبوء المرتبة الأولى بين 8 رؤساء، ليأتي بعده أوباما في المرتبة الثانية بفارق كبير بنسبة 21.6%.
الديون
عززت فترات الازدهار من قدرة الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على تخفيض نسبة صافي الدين إلى الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء، لتسجل أدنى مستوى منذ بدء تجميع البيانات في عام 1990. ويفسّر ذلك احتلال سوق الأوراق المالية في عهد بايدن المرتبة الثانية بعد جورج بوش الابن وأي رئيس آخر منذ عهد كارتر.
القروض الاستهلاكية
بالطبع يشعر الأمريكيون بحالة جيدة. فقد قفزت القروض الاستهلاكية لتبلغ 196 مليار دولار حتى أكتوبر، مسجلة بذلك مستوى قياسياً في عهد بايدن بزيادة 27% مقارنة بالنمو الذي تم تسجيله في عهد دونالد ترمب (154 مليار دولار) الذي احتل المرتبة الثانية، رغم بعض المكاسب التي تعكس انتعاشاً مقارنة بالعام 2020، عندما تسبب الوباء في تراجع اقتراض المستهلكين. ولكن في نهاية المطاف، لن يراكم المستهلكون الديون ما لم يشعروا بالثقة.
سوق العمل
ليس من الصعب معرفة سبب تمتع المستهلكين بمزاج جيد في ظل الطريقة التي يتحسن بها سوق العمل. فخلال نصف القرن الماضي، يعتبر بايدن الرئيس الوحيد الذي حقق زيادات قوية في الوظائف غير الزراعية (4.3%) ووظائف التصنيع (2.6%) ، لتقترب هذه النسب من تلك التي تحققت في عهد كارتر، والتي بلغت 4.6% في التوظيف العام، و3.9% في وظائف التصنيع. قال ترمب الذي ورث أطول توسع في العصر الحديث في عام 2015، إنه سيكون "أعظم منتج للوظائف خلقه الله على الإطلاق". مع ذلك، زادت الوظائف غير الزراعية والتصنيعية في عهده بنسبة 1.4% و1.3% على التوالي وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
ناتج الأعمال التجارية
تحتاج الشركات إلى توظيف كل العمال الذين يمكن تعيينهم، حيث ارتفع مؤشر ناتج الأعمال التجارية الأمريكية الذي يقيس الإنتاجية بنسبة 4.4%، ما يجعل بايدن متفوقاً على كل الرؤساء الذين سبقوه باستثناء كارتر الذي ارتفع المؤشر في عهده بنسبة 6.25%.
كان من الطبيعي أن يرتفع مؤشر الثقة بين الرؤساء التنفيذيين لأكبر الشركات الأمريكية إلى مستوى قياسي هذا العام، مع تحسن توقعات التوظيف والإنفاق الرأسمالي والمبيعات. كما ارتفع مؤشر التوقعات الاقتصادية للرؤساء التنفيذيين في "بيزنس راوند تابل" (Business Roundtable) الذي تم إطلاقه عام 2004 بمقدار 10 نقاط ليصل إلى 124 نقطة في الربع الرابع مسجلاً أعلى مستوى في 20 عاماً.
الدولار القوي
بالنظر إلى سوق العملات الأجنبية، نجد أن الاقتصاد الأمريكي موضع حسد من العالم. فقد عزز الدولار مكاسبه بنسبة 7.37% هذا العام، ليسجل أكبر مكاسب له في العام الأول من الولاية الرئاسية منذ أن كسبت العملة الأمريكية 17.8% في عهد ريغان، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
سوق الأسهم
في مؤشر جديد على أن الاقتصاد الأمريكي رائد عالمياً في ظل حكم بايدن، تفوقت سوق الأسهم الأمريكية على أسواق الأسهم العالمية بمقدار 6.3% لتسجل أكبر تفوق منذ عام 1988، حين كان جورج بوش الأب في البيت الأبيض، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
خطة البنية التحتية
قد يستمر تسجيل المكاسب للعام 2022، حيث تدعم حزمة بايدن للاستثمار في البنية التحتية ودعم فرص العمل التي وضعها الحزبان والبالغة 1.2 تريليون دولار أداء الاقتصاد، وكذلك معدلات التوظيف الأمريكي، حيث سيتم توجيه الحزمة لإعادة بناء الطرق والجسور المتهالكة في البلاد، بالإضافة إلى تمويل مبادرات المناخ وإنترنت النطاق العريض التي تخلق فرص عمل أيضاً.. حتى إن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي قال إن أولويته منع جدول أعمال بايدن، صوّت لصالح القانون مع 18 من زملائه الجمهوريين.
كما كان الحال مع الرئيس كارتر، يواجه بايدن الآن تداعيات سياسية لتسارع التضخم بسبب أزمة سلسلة التوريد العالمية المرتبطة بالوباء، رغم أن المحافظة على استقرار التضخم وأسعار الفائدة مسؤولية مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي قال إنه مستعد لتشديد السياسة النقدية في عام 2022.
لكن بايدن قد يختلف عن كارتر في استفادته من سوق الدين الأمريكي البالغ 29 تريليون دولار. فعلى عكس السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لا تزال هناك ثقة في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على إعادة التضخم ليكون تحت السيطرة، الأمر الذي انعكس على عائد سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات، والتي تتأرجح حول أقل من 1.7%، بينما يتراوح التضخم عند 4.1%، في حين أنه عندما كان كارتر في البيت الأبيض، فقد المستثمرون الثقة في الاحتياطي الفيدرالي، وارتفع عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 12.6% مع بلوغ التضخم 9.65%.
الرسالة الواضحة من السوق والتي تظهر لكافة الأسواق الأخرى ما يجب فعله، هي أن الأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر يراهنون على اقتصاد بايدن.