تراجع باول عن وصف التضخم بـ"المؤقت" هو مجرد بداية

time reading iconدقائق القراءة - 14
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

من خلال تخليه عن كلمة "مؤقت"، يقوم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بأكثر من مجرد تصحيح خطأه الجسيم في توصيف التضخم والذي ظل متمسكاً به منذ فترة طويلة للغاية.

يُسلط باول الضوء كذلك على التضخم باعتباره خطراً رئيسياً على الاقتصاد والأسواق المالية، ليس لأن احتمالات حدوث المزيد من زيادات الأسعار تعتبر إشكالية بطبيعتها، وهي ليست كذلك، ولكن لأن عملية التواصل والاستجابات السياسية لبنك الاحتياطي الفيدرالي تخلّفت عن الحقائق.

ويُمكن لعملية اللحاق بالركب، والتي نحتاج إليها سريعاً بالنظر إلى التأخيرات الآنية، أن تُزعزع استقرار الأسواق والاقتصاد. ما كان يجب أن يحدث الأمر على هذا النحو.

تصحيح متأخر لموقف "المركزي"

أكد باول طوال أشهر على أن التضخم كان مؤقتاً، وبدلاً من قيامه بإعادة النظر في اختيار الوقت المناسب لإصدار تأكيداته في مواجهة الأدلة الكثيرة المناقضة لذلك، تبنى مفهوماً أكثر مرونة للكلمة التي فضَّل استخدامها لفترات زمنية أطول وبشكل تعسفي على حساب الدقة التحليلية الاقتصادية.

ضمن ذلك لبنك الاحتياطي الفيدرالي استمراره في عمليات الشراء الشهرية الهائلة للأوراق المالية بالسوق في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد على ما يرام، وكان فيه سوق العقارات السكنية ساخناً للغاية، وتزايدت فيه العلامات الدالة على الإفراط في المخاطرة بعد "ارتفاع كل شئ" نتيجة لسيولة الأصول المالية.

أحب المستثمرون نموذج السيولة الذي حركه بنك الاحتياطي الفيدرالي، لأنه لا يوجد شيء أكثر طمأنة من مشتريات الأصول التي يقوم بها مشترٍ كبير للغاية بميزانية عمومية ضخمة ومنتظمة النشاط، بالإضافة إلى المشتريات بشروطٍ غير تجارية.

في الواقع، إن فكرة عدم اكتراث بنك الاحتياطي الفيدرالي بالأسعار كلية عند قيامه بالشراء بمبلغ يزيد على 100 مليار دولار شهرياً جعلت الآخرين أقل حساسية للقيمة، مما أدى إلى فصل أسعار الأصول بشكلٍ أكبر عن الأساسيات الاقتصادية وتلك المتعلقة بالشركات.

رفع أسعار الأصول

دفعت طمأنة باول المتكررة بشأن حالة التضخم المؤقتة العديد من المستثمرين إلى الاعتقاد أو على الأقل التصرف وكأن هذا البناء الاستثنائي للسوق قد يستمر إلى الأبد.

لم تؤدِ نتيجة هذه الطمأنة إلى مجرد وصول مخاطر الأصول، بما في ذلك الأسهم والعملات المُشفَّرة،إلى درجات قياسية فحسب، بل أدت أيضاً إلى ارتفاع أسعار السندات الحكومية الخالية من المخاطر والمنخفضة العوائد،رغم ما يُفترض أن يكون ارتباطاً سلبياً.

جاء تخلّي الرئيس المفاجئ عن التضخم المؤقت بعد أيامٍ قليلة فقط من إعادة ترشيحه من قبل الرئيس، جو بايدن، بمثابة صدمة للأسواق أمس الثلاثاء.

تراجعت الأسهم، وارتفعت عائدات السندات الحكومية الأمريكية قصيرة الأجل، وهبطت السلع.

لم يكن اختيار باول المتعلّق بتحويل توصيف التضخم كلية مفيداً في الوقت الذي كانت تحاول فيه الأسواق تقييم ما يعنيه ظهور متحوِّر "أوميكرون" الفيروسي، والذي يُعتقد أنه أكثر عدوى، وربما أكبر قدرة على مراوغة اللقاحات، بالنسبة للنشاط الاقتصادي.

تقلبات حادة تصدم مستثمري السندات بعد "أوميكرون" وتصريحات "باول" حول التضخم

مخاطر تواجه الاقتصاد

تكمن المشكلة حالياً في أن مثل هذا الاستيقاظ المتأخر لواقع التضخم يزيد من مخاطر سوء إدارة عملية اللحاق بالسياسات، مما يُعرِّض الاقتصاد إلى خطر التباطؤ الأكبر غير الضروري، الذي يتسبب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي.

وكما ذكرت في المقالات السابقة، إن من شأن مثل هذا الخطأ في السياسات، في حال تحققه، أن يضيف إلى مشاكل الاقتصاد، حيث سيتعين على الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان التعامل فعلياً مع التضخم الذي يستحوذ على جزءٍ كبير من دخلهم، ولا سيما بعد أن تم تسعير الكثير من الأمريكيين خارج سوق العقارات السكنية.

كل هذا مؤسف للغاية وكان يُمكن تجنبه كلية.

أشارت الشركات وغيرها من المؤشرات التصاعدية منذ شهور إلى تضخم أعلى وأكثر ثباتاً مما توقع بنك الاحتياطي الفيدرالي.

في الوقت نفسه، أومضت العديد من مقاييس التوقعات التضخمية باللون الأصفر، بدءاً من التحركات الصعودية في بيانات المسح، بما في ذلك تلك الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، إلى العلامات المتنوعة حول المساومة الأقوى على الأجور.

وفي حين استمر احتواء التدابير المستندة إلى السوق لحد ما، إلا أنها كانت ضمن العديد من المؤشرات التي شوَّهتها الفترة المطوَّلة لتدخل الاحتياطي الفيدرالي المباشر في عمل الأسواق.

يواجه باول حالياً تحديات أكثر تعقيداً في مجال الاتصالات والسياسات، والتي تسبب هو في صنعها جزئياً.

لتلك التحديات آثار كبيرة على سبل العيش، ليس فقط للناس في الولايات المتحدة ولكن في جميع أنحاء العالم.

في الوقت نفسه، ستحتاج الأسواق إلى البدء في التكيُّف مع الظهور التدريجي لنموذج سيولة مختلف، لا يستفيد تلقائياً من عمليات شراء الأصول الضخمة التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيويورك

8 دقائق

3°C
مطر متوسط الغزارة
العظمى / الصغرى /
29.6 كم/س
91%