بعد فترة طويلة، يتغير ميزان القوى في عالم المال، ويُظهر قرار "أمازون" بالتوقف عن قبول عمليات الشراء التي تتم باستخدام بطاقات الائتمان الصادرة عن شركة "فيزا" من بريطانيا اعتباراً من العام المقبل، أنَّ شركات التكنولوجيا الكبيرة تستعرض عضلاتها ضد الشبكات المالية القائمة.
وربما بدأ بعض صانعي السياسات التفكير بالفعل في أنَّ "هذا هو السبب في أنَّنا بحاجة إلى نقدية رقمية سيادية لمنع مجموعة من اللاعبين غير المنظمين من اتخاذ القرارات المتعلقة بالمدفوعات"، لكن هل الأمر حقاً بهذه البساطة؟
وربما تكون التداعيات الفورية للخلاف حول رسوم "فيزا" المرتفعة، هي إعطاء دفعة لمنافستها "ماستركارد"، وليس بأعمال "أمازون" في بريطانيا فقط، وإنما قد تكون الآثار طويلة المدى أعمق بكثير، وتكتسب منصات التجارة الإلكترونية اليد العليا في المفاوضات مع شبكات البطاقات.
السيطرة على المدفوعات
في المستقبل غير البعيد، يمكنهم استخدام هذه القوة السوقية لإجبار العملاء على استخدام رموز الدفع الداخلية الخاصة بهم فقط، وهي احتمالية أثارها عالم الاقتصاد بجامعة برينستون، ماركوس برونيرماير، فضلاً عن آخرين، ولن نتمكن من قول لا؛ لأنَّنا ببساطة لا نستطيع تحمل فكرة عدم القدرة على شراء أحذية رياضية عبر الإنترنت، أو على الأقل أي رمز مشفَّر غير قابل للاسترداد منها من أجل صورة الأفاتار الخاصة بنا.
يمكن لعمالقة التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي استخدام هذه الأموال المتدفقة إلى رموزهم المشفَّرة لتقديم ائتمان للتجار، مع خصم أقساط السداد من كل عملية بيع بدون تكلفة تحصيل.
وقد تضطر بعض الدول إدراكاً منها بأنَّ نماذج الأعمال التجارية التقليدية للبنوك لن تحظى بفرصة نجاة في هذا العالم المترابط للدفع والإقراض والتجارة، إلى تسريع خطط توفير النقدية الرقمية للاستخدام العام، وهو ما سيجعل رفضها من قبل أي منصة غير قانوني، ولكن عند القيام بذلك؛ قد ينتهي الأمر بصانعي السياسات إلى إيذاء البائعين لحماية المشترين.
العملة الرقمية الرسمية
يرغب التجار الصغار في الحصول على ائتمان بأسعار أرخص مما توفرها البنوك، ويبدو أنَّه أصبح بإمكانهم الحصول عليه من المنصات من خلال إلزام أنفسهم بقبول المدفوعات في شكل رموز صادرة عن شركات التكنولوجيا الكبيرة.
ومع ذلك؛ إذا سرَّعت البنوك المركزية إطلاق عملاتها الرقمية كعملة قانونية إلزامية؛ فستصبح المعاملات مظلمة، ولن تتمكَّن مواقع التجارة الإلكترونية من تحصيل مدفوعات القروض تلقائياً عن طريق رمز برمجي ذاتي التنفيذ، أو عبر عقود ذكية، وفي الوقت نفسه، ستحرم الشركات الصغيرة من فرصة الحصول على ائتمان غير مكلف حقاً.
وهذه واحدة فقط من المفاضلات من بين العديد منها، وقد فكروا في أنَّه كيف يمكن أن تتأثر أعمال البطاقات المصرفية من وصول العملات الرقمية للبنوك المركزية.
فعندما تقرر شراء كتاب من "كيندل" باستخدام بطاقتك الائتمانية الجديدة تماماً؛ ستجد حتى قبل أن تسحب خطك الائتماني أنَّ ميزانية البنك - على حدِّ قول الاقتصادية في جامعة ستانفورد مونيكا بياتسيزي - "فارغة" ومجانية.
"إذا كنت قد استخدمت بطاقة خصم، فسيطلب البنك وديعة منك، وأصل القرض على الجانب الآخر من ميزانيته العمومية قبل أن تشتري الكتاب، وستترتب تكاليف على ذلك".
وعندما تدفع ببطاقة الائتمان؛ سيقوم البنك بإنشاء التزام الإيداع لصالح "أمازون"، وهو مدعوم تلقائياً بأصل، أي ما تدين به للبنك.
وتقول بياتسيزي، إنَّ هذا "التكامل بين الودائع وخطوط الائتمان، هو ما يجعل التعامل مع هذه المدفوعات رخيصاً بالنسبة للبنوك".
تغيير قواعد اللعبة
ستتغير اللعبة إذا أصبحت البنوك المركزية لاعباً، نعم، الودائع التي يحتفظ بها المواطنون في الهيئة النقدية، والتي يمكن الوصول إليها عبر المحافظ الرقمية، قد تكون ملائمة للاستخدام في عمليات الشراء عبر الإنترنت، مثل بطاقة الخصم البنكية المرتبطة بمحفظة "باي بال".
لكنَّ العملات الرقمية للبنك المركزي لن تقدِّم بديلاً لمشتريات بطاقات الائتمان، لأنَّه لا توجد جهة في القطاع العام تريد أن تقرض الجمهور، وبصفتنا مستهلكين؛ سنستفيد جميعاً من تكاليف الدفع المنخفضة بفضل بطاقات الائتمان، وقد يؤدي الإخلال بالتوازن إلى جعلنا أسوأ حالاً.
مخاوف البنوك المركزية
ولم تقتنع البنوك المركزية بعد بالحاجة إلى إصدار عملات رقمية، ولكن لأسباب مختلفة، وهم قلقون من أنَّه أثناء عملية توفير وسيلة دفع يمكنها التنافس مع العملات المشفَّرة مثل "بتكوين" وأبناء عمومتها الأقل تقلباً - مثل "ديم" (Diem)، العملة المستقرة القادمة المدعومة من "ميتا بلاتفورمز إنك" - سينتهي بهم الأمر إلى توفير أصل يعمل كملاذ آمن، ويتفوق على الودائع المصرفية.
ولكن برغم أنَّ الحد الأقصى للنقدية صفرية الفائدة لكل محفظة (والرسوم السلبية على الحيازات الأعلى) يمكن أن يدرأ التهديد الذي تتعرض له الودائع؛ فإنَّ صانعي السياسات لم يقيِّموا بعد الجوانب الأكثر عملية للنقود الإلكترونية السيادية، مثل تأثيرها على امتيازات البنوك المربحة لبطاقات الائتمان.
وبالمثل، هناك حجة يمكن تقديمها ضد إصدار عملات رقمية من البنوك المركزية كعملة قانونية إلزامية، إذا كانت تمنع منصات التكنولوجيا من تقديم قروض مبتكرة، مما سيقيد اختيار المستهلكين لأدوات الدفع، لكن هل ينبغي السماح لشركات الإنترنت الاستهلاكية بالذهاب إلى هذا الحد؟
وبرغم أنَّ الإجابة على هذا السؤال ما تزال غير واضحة؛ فإنَّ الشيء الصحيح الذي
لا لبس فيه، هو أنَّ النظام القديم في التمويل يستسلم للجديد، ويعطي نزاع "فيزا" مع "أمازون" لمحة عن هذا التغيير، وتحتاج السلطات إلى دراسة الإيجابيات والسلبيات قبل الخوض في رمال القوة المتحركة بين قطاعي البنوك والتكنولوجيا.