فائض الصين التجاري قد يكبح التباطؤ لكن لن يوقفه

time reading iconدقائق القراءة - 15
حاويات الشحن على رصيف الميناء في ميناء تيانجين في تيانجين، الصين . ارتفع نمو الصادرات الصينية بشكل غير متوقع في أغسطس ، رغم تعطل الموانئ بسبب تفشي متحول دلتا  الذي كان له تأثير محدود على التجارة - المصدر: بلومبرغ
حاويات الشحن على رصيف الميناء في ميناء تيانجين في تيانجين، الصين . ارتفع نمو الصادرات الصينية بشكل غير متوقع في أغسطس ، رغم تعطل الموانئ بسبب تفشي متحول دلتا الذي كان له تأثير محدود على التجارة - المصدر: بلومبرغ

يعطي تحقيق الصين لفائض تجاري قياسي قدراً من الحماية لاقتصادها في مواجهة تراجع الطلب المحلي، كما يوفر لصناع القرار مساحة لتأجيل برامج التحفيز المالي، لكنَّه لن يكفي لحماية النمو من تباطؤ أشد.

تخطى مستوى نمو الصادرات تقديرات المحللين لثلاثة أشهر متتابعة، ووصل الفائض التجاري إلى 84.5 مليار دولار في أكتوبر، وفقاً لبيانات صدرت الأحد. تتمثل المعضلة في أنَّ الناتج المحلي الإجمالي أصبح ضخماً، مما يفقد الطلب الخارجي القدرة على تعويض أي تراجع في الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي.

شهد اقتصاد الصين تباطؤاً حاداً خلال الأشهر الأخيرة، في حين ألقت الجهود المبذولة للجم سوق العقارات بظلالها على القطاعات بداية من البناء ووصولاً للسلع. اضطرت المصانع إلى تقليص عمليات الإنتاج جراء أزمة نقص الكهرباء، في حين أسفرت تفشيات متقطعة لوباء فيروس كورونا، وتدابير كبحها الحازمة عن هبوط الاستهلاك.

قال تشانغ تشويوي، كبير الاقتصاديين في "بينبوينت أسيت مانجمنت" (Pinpoint Asset Management)، في مذكرة: "لدى الحكومة القدرة على الانتظار حتى نهاية العام لتيسير السياسات النقدية والمالية، في حين تشكل الصادرات حالياً مصداً للتخفيف من حدة التباطؤ الاقتصادي".

أعلن رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ الأسبوع الماضي أنَّ الاقتصاد يواجه "ضغوطاً هبوطية جديدة"، وتتوجب معايرة السياسات لتقديم الدعم الموجه للشركات.

[object Promise]

مفاجأة للخبراء

أفاد دور الصين كأكبر مصدّر في العالم من صعود الطلب على السلع الأساسية بعد تفشي وباء فيروس كورونا. رفعت منظمة التجارة العالمية توقُّعاتها حول نمو التجارة العالمية في 2021 إلى 10.8% من 8%، وهو الارتفاع السنوي الأعلى منذ 2010. كما تتوقَّع نمواً بنسبة 4.7% في 2022.

جاء حفاظ الصين على قوة صادراتها بمثابة مفاجأة لخبراء الاقتصاد الذين توقَّعوا أنَّ حجم الإنفاق العالمي على شراء البضائع الصينية سيهبط مع بدء إعادة فتح مزيد من الدول خلال العام الجاري. برهن ذلك على أنَّ هذا التوقُّع كان متعجلاً، في حين تفشت سلالة "دلتا" المتحولة الأشد عدوى عبر العالم.

ساهمت قدرة الصين على السيطرة على تفشي الفيروسات بجذب مصانعها لطلبات الإنتاج خلال العام الجاري، في حين أدى تفشي الوباء بطريقة هائلة في دول على غرار فيتنام والهند وماليزيا إلى إغلاقات للأنشطة التجارية.

ساعدت عودة عمليات الإنتاج كثيف العمالة في الأنشطة والمنسوجات والألعاب البلاستيكية إلى الصين بشكل جزئي على رفع البلاد لحصتها من التجارة العالمية لتصل إلى مستويات قياسية بلغت نسبة تتراوح من 14% إلى 15% خلال العام الجاري، بحسب "سي بي بي وورلد تريد مونيتور" (CBP World Trade Monitor) وفق ما نشرته نيابة عن المفوضية الأوروبية.

هبة للصين

قال كريغ بوثام، كبير خبراء اقتصاد الصين لدى "بانثيون ماكروإيكونوميكس" (Pantheon Macroeconomics): "يبدو أنَّ مشاكل سلاسل التوريد جاءت بمثابة هبة للصين".

صدَّرت الشركات في الصين أيضاً منتجات أعلى قيمة، إذ لم تكن تبيع أي لقاحات تقريباً في الخارج قبل الجائحة، بيد أنَّها صدَّرت جرعات لقاح بلغت قيمتها 11.7 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري. ارتفعت الصادرات من السيارات بما يزيد على الضعف حتى الوقت الحالي من 2021، في حين بزغت كمركز إنتاج لشركات تصنيع السيارات الكهربائية، ومن بينها شركة "تسلا".

أعطى وجود طلب قوي لشركات التصدير في الصين الثقة للقيام بزيادة أسعارهم بما يتراوح بين 10% و 20% بالمقارنة بالعام الماضي، ويهدف ذلك جزئياً إلى تعويض صعود تكلفة السلع الأساسية، بحسب تصريحات الكثير من مالكي المصانع الصينية لوكالة "بلومبرغ نيوز" في الآونة الأخيرة. كتب خبراء الاقتصاد لدى "غوسن سيكيوريتيز" (Guosen Securities) في تقرير يوم الأحد أنَّ غالبية الارتفاعات في قيمة الصادرات خلال أكتوبر ربما جاءت نتيجة صعود الأسعار، وليس عبر زيادة حجم الصادرات.

يتوقَّع اقتصاديون حسب استبيان أجرته بلومبرغ أنَّ نمو صادرات الصين على مدى العام الجاري بأكمله سيتجاوز 24%. برغم ذلك؛ فإنَّ تأثير التجارة على محرك النمو الصيني خلال الوقت الحالي سيكون أكثر ضعفاً.

تباين إسهامات

في حين ساهمت الصادرات بنمو التجارة بنسبة 23% على مدى أول ثلاثة فصول من العام؛ فإنَّ صافي الصادرات ساعد على نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بما يفوق بقليل عن 20% خلال تلك المدة الزمنية، وهو جزء محدود بالمقارنة مع مساهمة الإنفاق الحكومي والعائلي على السلع والخدمات، والذي يسهم بنسبة 65% من زيادة الناتج المحلي الإجمالي في الصين.

رأى إريك تشو، الاقتصادي لدى بلومبرغ أنَّ الصين ستحافظ على قوة نمو الصادرات في الأشهر المقبلة، بيد أنَّ ذلك لن يكفي "للتصدى للظروف غير المواتية على الصعيد المحلي في ظل العجز في الكهرباء، وتراجع القطاع العقاري".

صعد فائض الحساب الجاري في الصين - وهو مقياس واسع للتجارة - إلى أعلى مستوياته منذ 2016 هذا العام، لكنَّ حصته من الناتج المحلي الإجمالي بقيت عند 2% فقط في الربع الأخير، وهو أقل بكثير عن 10% تقريباً قبل الأزمة المالية في 2008.

في حين شرعت البنوك المركزية العالمية الكبرى بالحد من برامج التحفيز النقدي، باشر بنك الشعب الصيني تشديد سياسته النقدية العام الماضي، وواجه في الفترة الأخيرة ضغوطاً لتيسيرها لدعم النمو. لكن بكين تتعرض لموقف عصيب جراء مواجهة تحديات عديدة حديثة على صعيد الاقتصاد الصيني بالنسبة لجانب العرض، على غرار العجز في الكهرباء، علاوة على تقييد السفر نتيجة تفشي مرض كوفيد، فيما تلتزم البلاد بسياسة عدم التساهل مع انتشار كوفيد. كما وعدت بكين بعدم استعمال السوق العقارية كتحفيز قصير الأجل.

ذكر هوانغ ييبينغ، المستشار السابق في البنك المركزي أنَّ السياسة المالية ستقدم الدعم الأساسي للنمو الاقتصادي خلال العام المقبل، في حين يبقى تقديم تيسير نقدي كبير مسألة غير مرجحة. رفض بنك الشعب الصيني تقليص نسبة متطلبات الحد الأدنى من الاحتياطي النقدي لدى البنوك منذ خفضها في يوليو، كما حافظ على أسعار الفائدة الأساسية ثابتة منذ مطلع العام الماضي.

قال تشانغ من شركة "بين بوينت": "الصادرات القوية تسهم بتخفيف أثر الاقتصاد المحلي المتراجع، لكنَّنا نعتقد بأنَّه ليس من الراجح أن تعكس نزعة "النمو الأبطأ" ".

تصنيفات