بدأت شركات الطيران المتوقفة عن العمل حول العالم بتجهيز مقصورات طائراتها للإقلاع من جديد.
فبعد 18 شهراً من توقف طائرات الركاب في منشآت التخزين الصحراوية، وتحويلها إلى طائرات شحن مؤقتة للإمدادات الطبية، بل التحليق أيضاً في رحلات العودة ذات المسافات القصيرة من أجل الحفاظ على الشهادات المهنية للطيارين فقط؛ عادت آلات صناعة الطيران العالمية إلى الحياة تدريجياً.
من هذا المنطلق، تعتزم شركة "طيران الإمارات"، وهي أكبر ناقلة دولية في العالم، توظيف ما يصل إلى 6 آلاف شخص خلال الأشهر الستة المقبلة، فضلاً عن استعادة 70% من قدرتها المسجلة قبل تفشي الوباء بحلول نهاية العام.
وأعلن مطار هيثرو في لندن يوم الثلاثاء الماضي أنَّه شهد أول ربع سنوي يتسم بارتفاع عدد المسافرين منذ عام 2019.
كما ارتفعت أرباح شركة "جنرال إلكتريك" بنسبة 9.7% في الربع الثالث بفضل وحدة أعمالها التي تُصنِّع وتخدِّم المحركات النفاثة.
في عملية تتبع لأكثر من 100 ألف رحلة يومية يحتفظ بها مزود البيانات "فلايت رادار 24"؛ فإنَّ متوسط الرحلات الأسبوعية خلال الأسبوع الماضي يُظهر تقدُّماً بسيطاً عن الفترة ذاتها في عام 2019، أي في فترة ما قبل كوفيد.
فتح الحدود
من الصعب تصديق ذلك، لكن اللحظة التي كانت تنتظرها شركات الطيران حانت أخيراً، فقد فتح الاتحاد الأوروبي حدوده بشكل كبير أمام المسافرين المحصَّنين الشهر الماضي، كما فعلت كندا وتركيا وتبعتهما بذلك الهند في 15 أكتوبر، وستبدأ تايلاند أيضاً في إعادة فتح حدودها، لكن وسط بعض القيود اعتباراً من أول نوفمبر.
وثمة تغيير أكبر تم الإعلان عنه يوم الإثنين الماضي، وهو انضمام الولايات المتحدة، وهي أكبر مستفيد من الدولار السياحي الوافد، وثاني أكبر مُنفق على السياحة الخارجية، اعتباراً من 8 نوفمبر إلى مجموعة الدول المفتوحة إلى حد كبير أمام المسافرين الملقَّحين.
قد يبدو كل هذا سابقاً لأوانه قليلاً، خاصة أنَّ نصف سكان العالم تقريباً لم يتلقوا اللقاح بعد، لكنَّ رحلات الطيران مثل اللقاحات؛ إذ إنَّها تمثل رفاهية جيدة تستغلها الدول الأكثر ثراءً. وتشهد الصين وأمريكا الشمالية وأوروبا أكثر من ثلث حركة نقل الركاب الجوية الدولية في الأوقات العادية.
فجوة في سوق السياحة
كانت السوق المحلية الصينية مفتوحة في الغالب منذ النصف الأول من العام الماضي، في حين ألغت أوروبا القيود الرئيسية المفروضة خلال الشهر الماضي، وسوف تتبعها أمريكا الشمالية في نوفمبر. بالإضافة إلى الرحلات العابرة للمحيط الأطلسي، وتلك المسيَّرة بين أوروبا والشرق الأوسط، فقد أُلغيت أيضاً معظم القيود أمام المسافرين الملقحين، وبالتالي؛ أصبح أمامك نحو 50% من الإجمالي العالمي.
مع ذلك؛ هذا الأمر ما يزال يترك فجوة عملاقة بحجم الصين في سوق السياحة العالمية.
ومن الجدير بالملاحظة أنَّ بكين هي الحكومة الوطنية الرئيسية الوحيدة المستمرة في الالتزام باستراتيجية القضاء على كوفيد تماماً، فهي لا تكاد تظهر أي دليل على الاستسلام.
ومن بين القيود التي تفرضها الصين، ضرورة خضوع المسافرين للحجر الصحي لمدة 21 يوماً، ويمكن أن تصل إلى أكثر من شهر للمسافرين القادمين من بعض أنحاء العالم مثل الإمارات.
كما أنفق السياح الصينيون المتجهون إلى الخارج 255 مليار دولار تقريباً في عام 2019- ما يعادل حوالي خمس إجمالي الإنفاق الدولي- وهو ما يشكل صدمة كبيرة.
فوضى السفر في آسيا
تشهد هونغ كونغ تطبيق إجراءات مماثلة، فقد شدَّدت الحكومة خلال الأسبوع الماضي قيود الحجر الصحي الصارمة بالفعل على أمل أن تشجع هذه السياسة البر الرئيسي الصيني على فتح الحدود.
تراجعت الرحلات الجوية على خط هونغ كونغ وتايبيه- التي كانت تتنافس تقليدياً مع خط سنغافورة وكوالالمبور للحصول على لقب أكثر الخطوط الجوية الدولية ازدحاماً- إلى العدم تقريباً، وبالتالي؛ لم تشهد هونغ كونغ سوى 50 زائراً فقط، وصلوا من تايوان في يونيو، وهو الشهر الذي عادةً ما يشهد أكثر من 160 ألف زائر.
كذلك، تعاني أجزاء أخرى من منطقة آسيا من فوضى ناتجة عن التدابير المتضاربة. فبرغم افتتاح محور الطيران في سنغافورة بشكل كبير أمام السفر لمسافات طويلة، والذي يقال أيضاً، إنَّه ينظر في فكرة رفع معظم القيود الحدودية مع ماليزيا؛ فإنَّ المنطقة التي تمثل 15% تقريباً من حركة الطيران ما تزال مغلقة من جزيرة شمال نيوزيلندا إلى اليابان.
في الوقت نفسه، هذه المسألة أقل شأناً مما قد تبدو عليه، إذ تعتبر الغالبية العظمى من إيرادات شركات الطيران محلية بفضل النطاق المحدود للطائرات، وصعوبة العمل خارج إقليم موطنهم.
تحديات هائلة
وفي الواقع، سجلت شركات الطيران منخفضة التكلفة التي تهيمن على السفر لمسافات قصيرة مؤخراً أداء متقدِّماً عن ذلك الذي كانت تسجله قبل الوباء؛ فقد ارتفعت إيرادات شركة "رايان إير هولدينغز" بنسبة 15% منذ بداية عام 2020، و44% لشركة الطيران الهندية "إنترغلوب أفييشن"، في حين قفزت إيرادات شركة الطيران المكسيكية "كونترولادورا فويلا" المعروفة أيضاً باسم "فولاريس" بنسبة 77%.
ما تزال شركات الطيران تواجه تحديات هائلة، إذ ارتفع صافي الدين 124 ناقلاً جوياً تتبعه "بلومبرغ" بأكثر من الثلث منذ نهاية عام 2019 ليصل إلى 402 مليار دولار.
و كي تتمكن الشركات من سداد هذا المبلغ؛ فإنَّها بحاجة لتسجيل أرباح تشغيلية استثنائية في وقت تضطر فيه للحفاظ على الأسعار لإغراء المسافرين بفكرة السفر مرة أخرى، ووقت يقترب فيه وقود الطائرات، الذي يمثل حوالي ربع التكاليف، من أعلى مستوى له في سبعة أعوام.
مع ذلك؛ لعل الأسوأ ما يزال ينتظر قطاع الطيران، خاصة أنَّ المقرضين من القطاعين العام والخاص يسعون حالياً لاسترداد الأموال التي قدموها بعد أن أسهموا في إبقاء الصناعة واقفة على قدميها خلال العامين الماضيين.
ختاماً، بعد وباء طويل وموحش، أصبحت أضواء مدرج الهبوط الترحيبية أخيراً على مرمى البصر.