بحلول نهاية هذا الربع، أخيراً ستكون لدى المملكة المتحدة أوراق مالية ذات حواف مذهبة (سندات مذهبة) في القائمة العالمية للسندات السيادية الخضراء. لكن ما لم تُكثِّف حجم وسرعة مبيعاتها المخططة للديون؛ فستخسر البلاد تمويلاً أرخص، وفرصة جيدة لمعالجة حالة الطوارئ الخاصة بالمناخ.
إطار التمويل الأخضر
يوم الأربعاء الماضي، نشرت الحكومة إطار التمويل الأخضر الخاص بها، الذي يوضِّح بالتفصيل أنواع المشاريع التي تنوي تمويلها، بما في ذلك إدخال المزيد من وسائل النقل العام عديمة الانبعاثات، وتركيب التقنيات الحرارية المتجددة، وتعزيز التنوع البيولوجي؛ وذلك لتحقيق أهدافها المتمثِّلة في خفض انبعاثات الكربون بنسبة 68٪ على الأقل في عام 2030، و 78٪ بحلول عام 2035، مقارنةً بمستويات عام 1990.
وتخطط المملكة المتحدة لمزيج من مبيعات السندات الحكومية، وسندات الادخار الموجهة للأفراد لتمويل المزيد من المبادرات.
لكنَّ الأمر استغرق وقتاً طويلاً بالفعل بالنسبة لبريطانيا للانضمام إلى قائمة مصدري الديون الخضراء.
فمنذ أكثر من عامين، كتبت شركة "كولومبيا ثريد نيدل" لإدارة الأصول إلى المسؤولين الحكوميين في المملكة المتحدة تطلب منهم المشاركة في السوق للمساعدة في تمويل المشاريع الصديقة للبيئة، لكنَّ المسؤولين ترددوا.
في غضون ذلك، انتشرت بكثافة الإصدارات التي أطلقتها الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم.
وصول بطيء
توصَّل "روبرت ستيمان"، الذي كان مسؤولاً عن الاقتراض في المملكة المتحدة منذ عام 2003، إلى الفكرة ببطء.
وقال لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، في يناير 2020، إنَّ بيع السندات المذهبة الخضراء سيكون "أمراً رمزياً" ما لم تكن هناك ميزة تكلفة تعود على الحكومة.
وبعد ستة أشهر، قال ستيمان لـ "جون أينجر"، زميلي في بلومبرغ نيوز: "بالتأكيد لن أستبعد احتمالية حدوث أي شيء".
بحلول شهر مارس، أصبحت الحجة أكثر إقناعاً. وقال ستيمان: "من المؤكَّد أنَّ فرص قيامنا بشيء قد يكون جذَّاباً للغاية من منظور أنَّ التكلفة آخذة في الارتفاع".
لكنَّ التأخير يعني بالفعل أنَّ المملكة المتحدة دفعت غالباً أكثر مما تحتاج إليه في جزء واحد على الأقل من السندات التي تمَّ بيعها هذا العام، التي تصل قيمتها إلى حوالي 200 مليار جنيه إسترليني تقريباً (أو ما يعادل 276 مليار دولار).
المستثمرون يدفعون أكثر
السبب يعود إلى أنَّ الأرقام تشير إلى أنَّ المستثمرين مستعدين بالفعل لدفع المزيد مقابل الحصول على الديون الخضراء.
وفي ألمانيا، على سبيل المثال، هناك نوعان من السندات القابلة للسداد في عام 2030، وهما سندات توءم متطابقة، باستثناء أنَّ أحدهما تمَّ تصنيفه على أنَّه من السندات الصديقة للبيئة.
ومنذ بيعها في شهر سبتمبر؛ انخفض العائد على هذه الأوراق المالية الخضراء أكثر فأكثر، حتى وصلت إلى ما دون مثيلتها في السندات التوءم، وهو دليل يؤكِّد أنَّ ما يسمى بالـ"غرينيوم" (Greenium) يزداد نمواً.
يعني انتعاش الاقتصاد أنَّ مبيعات السندات المذهبة في السنة المالية التي تنتهي في مارس 2022 من المرجح أن تكون أقل من مستوى الـ 295.9 مليار جنيه إسترليني، الذي صوَّر مكتب إدارة الديون إمكانية الوصول له، وكان ذلك التصوُّر في وقت سابق من هذا العام.
لكنَّ الهدف الأولي المتمثِّل في جمع ما لا يقل عن 15 مليار جنيه إسترليني من عمليتي بيع فقط للسندات المذهبة الخضراء، يبدو غير طموح بشكل سيىء، لا سيَّما بالنظر إلى الطلب المحتمل على الأوراق المالية من المستثمرين المحليين وحدهم.
دور صناديق المعاشات
تُلزم القوانين الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر مديري صناديق التقاعد الكبار في المملكة المتحدة بالإبلاغ عن كيفية تأثير تغيُّر المناخ على مدَّخرات التقاعد التي يشرفون عليها.
هذه المتطلبات، إلى جانب التحوُّل الهيكلي الذي يحفِّز ما يسمى بالخطط ذات المنافع المحددة، التي تستهدف زيادة ممتلكاتها من الدخل الثابت، سيقودا "طلباً قوياً على السندات المذهبة الخضراء"، وفقاً لـ"غوردون أيتكن" محلل التأمين في شركة "أر بي سي يوروب".
قال ريشي سوناك، وزير الخزانة البريطاني، لتلفزيون بلومبرغ يوم الخميس الماضي، إنَّ برنامج المملكة المتحدة "من المحتمل أن يكون أكثر إصدارات السندات المذهبة السيادية الخضراء طموحاً لدى أي دولة كبرى في العالم، وسيكون بالتأكيد الأكبر".
لكن هذا يعتبر مبالغة، بالنظر إلى نية الاتحاد الأوروبي استخدام ديون خضراء تبلغ قيمتها حوالي ثلث مبلغ الـ800 مليار يورو (ما يعادل 944 مليار دولار) من التمويل المخصص لبرنامج تعافي منطقة اليورو من جائحة كورونا، الذي يحمل اسم "نكست جينيراشن" (NextGeneration)، وسيكون ذلك في السنوات الخمس المقبلة.
ويأتي أكبر سند أخضر سيادي متوافر حالياً في السوق – على سبيل الشكليات - من الحكومة الفرنسية، ويبلغ حجمه حوالي 29 مليار يورو.
لندن تحتاج لمبادرات رأس المال
لكن يبدو أنَّ "سوناك" على الأقل يدرك حجم الفرصة المتاحة في التمويل الصديق للمناخ، وذلك لعدة أسباب؛ منها يتمثَّل في أنَّ مدينة لندن تحتاج للحصول على أكبر شريحة ممكنة من أيِّ مبادرات جديدة في أسواق رأس المال، إذا كانت ترغب في التخلُّص من الوعكة، التي مرت بها في مرحلة ما بعد البريكست.
ختاماً، سيلتقي مكتب إدارة الديون في المملكة المتحدة مع المستثمرين، وصنَّاع القرار في السوق الشهر المقبل، وذلك لتحديد مدَّة أوَّل سند مذهب أخضر مخطط له في سبتمبر.
ويعدُّ إصدار سند مدَّته 10 سنوات الأكثر استحقاقاً. وأنا شخصياً على استعداد للمراهنة على أنَّ المستثمرين سيصطفون حول الكتلة الأوربية لشراء سنداتها، وبخصم على العائد السائد على السندات المذهبة القياسية، الذي يبلغ حالياً حوالي 0.75٪. لكن برغم ذلك؛ "إنْ أتيتَ متأخراً أفضل من ألا تأتي على الإطلاق".