بلومبرغ
تتوقف إدارة شركة "كيه كيه آر آند كو" KKR & Co لالتقاط الأنفاس ولتقييم خططها المستقبلية، بعد صفقة عالمية ضخمة بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 60 مليار دولار.
بعد فترة وجيزة من تولّي كل من فيليب فريزي وماتيا كابريولي أدواراً جديدة في أوروبا إبان اجتياح الوباء. بدأت شركة الاستحواذ في توظيف أكبر حجم ممكن من رأس المال، بينما تراجع معظم المنافسين. وأنفقت "كيه كيه آر" أكثر من ثلث الإجمالي في أوروبا، وبدأت العمل على صندوق جديد مُخصّص للمنطقة بعد عام واحد فقط من إغلاق الصندوق الأخير.
وعلى ما يبدو أنه كان لتسارع الصفقات أثر ما، إذ تُردّد "كيه كيه آر" حالياً السياسة الناعمة التي تتبناها البنوك الاستثمارية من أمثال "غولدمان ساكس غروب إنك"، بعد رفض الموظفين لثقافة العمل الشاق حتى الإعياء.
يرى فريزي، البالغ من العمر 47 سنة، في مقابلة، إن التحدي الأكبر لتحقيق أداء عالٍ في صناعة الاستحواذ يتعلق بـ "الإرهاق المستمر".
الاحتفاظ بالموظفين الشباب
وقال صانع الصفقات الألماني، وهو الرئيس المشارك لأعمال الأسهم الخاصة الأوروبية مع كابريولي في شركة "كيه كيه آر": "بصفتنا قادة من الجيل الجديد، فإن مهمتنا هي التخفيف عن الناس حقاً. يتشابه الأمر تقريباً مع قيادة أوركسترا قتالية، علينا أن نُبطّئ خطواتنا قليلاً لكي نحمي مواردنا البشرية من الانهيار".
تأتي هذه النبرة المنفتحة غير الاعتيادية من قبل قادة صناعة الاستحواذ الشرسة في الوقت الذي تتعرض فيه ثقافات مكان العمل لمزيد من التدقيق، وفي الفترة التي يبحث فيها أصحاب العمل عن طرق للاحتفاظ بجيل الشباب من الموظفين.
في واقع الأمر، قدّم الوباء نموذجاً لمزيج شرس يتعلّق بإجراء المزيد من الصفقات عبر مكالمات الفيديو الماراثونية من قبل الموظفين المعزولين في المنازل. يمنح فريزي وكابريولي الأولوية حالياً إلى إتاحة الوقت للتعافي، وإفساح المجال لاتباع نهج استثماري مدروس بشكل أكبر.
من هذا المنطلق، منح الثنائي فريزي وكابريولي الموظفين المبتدئين إجازة كل يوم جمعة في شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، وذلك لتشجيعهم على قضاء الوقت في التفكير والقراءة. كما سلّم الثنائي المسؤولية أيضاً إلى نجومهم من الموظفين البارزين في القطاعين الناشئين المتصاعدين؛ التكنولوجيا الطبية ومستقبل العمل.
يقول فريزي: "لا أعتقد أن الناس أدركت أن التركيز على الإدارة هو الجوهر الحقيقي لوظائفهم بقطاع الأسهم الخاصة قبل عشر سنوات. لقد اعتقدوا أن وظائفهم تعني الخروج للعثور على صفقات، ولكن الوضع المستقبلي للصناعة يعني تأسيس فرق عالية الأداء، والاحتفاظ بها، وإدارتها".
أعباء العمل الصعب
أما "وول ستريت"، فلقد أثارت ضجة هذا العام بسبب عرض تقديمي مسرّب لمجموعة من محللي "غولدمان" الصغار الذين وضّحوا فيه بالتفصيل عبء العمل الصعب عليهم. واستجابة لذلك، زادت البنوك الأجور، وقدّمت مكافآت للاحتفاظ بهم، أو منحتهم مزايا إضافية بدأت من دراجات "بيليتون" إلى أدوات "أبل".
إلا أن المعضلة في شركات الاستحواذ من أمثال البنوك الاستثمارية تتعلق بعمل الموظفين على مدار الساعة، بعد أن أدى الوباء إلى ظهور عدد كبير من فرص الصفقات. فبعد انتشار وباء كورونا في جميع أنحاء العالم، قررت "كيه كيه آر" عدم تكرار خطأها بالبقاء على الهامش إلى حد كبير مثلما فعلت أثناء الأزمة المالية العالمية.
أصبحت أوروبا أيضاً لحظة محورية لـ"كيه كيه آر" نظراً لأن الشركة لم توّظف فيها أموالاً كثيرة سابقاً مثلما فعلت في أجزاء أخرى من العالم. وأعلنت "كيه كيه آر" عن صفقات بقيمة 19.6 مليار دولار في المنطقة منذ بداية الوباء، بدءًا من عمليات شراء الشركات المدرجة إلى استثمارات الأقلية، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ. إلى جانب ذلك، استحوذت الشركة على أصول من شركات الأسهم الخاصة الأخرى، ونجحت في الانقضاض أحياناً على صفقات قبل أن يتمكّن منافسوها من تقديم العطاءات.
وقال كابريولي، الإيطالي البالغ من العمر 47 سنة والذي عمل سابقاً في عمليات الاندماج والاستحواذ في بنك "غولدمان ساكس": "إذا كنا قد فقدنا شيئاً، فهو يتعلق بإهدار بعض الفرص. فلو كان لدينا المزيد من رأس المال المتاح حينها لتمكّنا من توفيرها".
صفقات بالمليارات
مع بدء دخول عمليات الإغلاق الناتجة عن الوباء حيّز التنفيذ في شهر مارس من العام الماضي، اشترت "كيه كيه آر" ذراع إدارة النفايات التابع لشركة "بينون غروب بي إل سي" Pennon Group Plc، مقابل 4.2 مليار جنيه إسترليني (5.8 مليار دولار). كما استحوذت على العلامتين التجاريتين، "ويلا" و"كليرو"، للعناية بالشعر من شركة "كوتي إنك" Coty Inc في صفقة قيمتها 4.3 مليار دولار.
وفي وقت لاحق من العام، تعاونت "كيه كيه آر" مع شركتي "سينفين" Cinven و"بروفيدينس إكويتي بارتنرز" Providence Equity Partners، في الاستحواذ على "ماسموفيل إيبيركوم إس إيه" Masmovil Ibercom SA، في صفقة بقيمة 3 مليارات يورو (3.6 مليار دولار).
ووافقت أيضاً على الاستثمار في سلسلتي المستشفيات الفرنسية "إيلسان" Elsan و"أدريان" Ardian. هنا، قال فريزي إن اضطرابات السوق ساعدت "كيه كيه آر" على شراء بعض الأصول بمبلغ يقل بنسبة 20-30% عمّا كانت ستدفعه في عملية المزاد الساخنة. وتوّصلت الشركة أيضاً إلى اتفاق في شهر مايو الماضي لشراء شركة الاستشارات البيئية، "إي آر إم غروب إنك" ERM Group Inc، مقابل 2.7 مليار دولار شاملة الديون.
يستشف كابريولي المزيد من الصفقات في الأفق، خصوصاً في قطاعات الرعاية الصحية، والاستدامة، والتكنولوجيا، وفي الأهداف الآخذة في الارتفاع التي تتنافس عليها الشركات البريطانية، وذلك بفضل المبالغ القياسية لرأس المال المتدفق إلى صناديق الأسهم الخاصة وأسواق الديون المزدهرة.
إلا أن النجاح قد يتطلب نهجاً جديداً، ولهذا يصف كابريولي هذه اللحظة بالفرصة لكي تراجع "كيه كيه آر" سياستها التوظيفية للمواهب، وتحفيزها، والاحتفاظ بها. قامت الشركة في وقت سابق من هذا العام بتعيين عازف بيانو سابق كمدير تنفيذي في لندن للعمل في محفظتها الخاصة بشركات التكنولوجيا.
وقال كابريولي: "نحن بحاجة إلى أشخاص ذوي تفكير عميق، إلا أن هذا الأمر يُعد تحدياً مثيراً للاهتمام، فهل نجدهم في الجامعات أم بين الموظفين العاملين في الشوارع (أي خارجها)؟"
من جانبه، لم يتمكن فريزي، الذي ساعد سابقاً في تأسيس حاضنة الشركات الناشئة الفاشلة، "فينتشير بارك" Venturepark، في برلين، من بناء نماذج مالية بعد انضمامه إلى "كيه كيه آر" كأحد موظفيها الأوائل في لندن، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
ويرى فريزي: "يختلف الفريق العالي الأداء كلية في هذه الأيام عن نظيره قبل 10 سنوات. علينا أن نكون غير تقليديين لكي نضمن الحصول على التنوّع الفكري".