بلومبرغ
ارتفع معدل تضخم أسعار تسليم المصانع الصينية إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008 بسبب الطفرة في تكاليف السلع المستوردة، مما زاد من احتمالات بدء المصدِّرين في تمرير الأسعار المرتفعة، وتعزيز الضغوط التضخمية في الاقتصاد العالمي.
وقال المكتب الوطني للإحصاء أمس الأربعاء، إنَّ مؤشر أسعار المنتجين ارتفع بنسبة 9% في شهر مايو مقارنةً بالعام السابق، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط، والمعادن، والكيماويات، في حين أشار متوسط التوقُّعات في استطلاع أجرته "بلومبرغ" للاقتصاديين إلى زيادة نسبتها 8.5%. وارتفع تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 1.3% فقط عن عام مضى، ليفقد بذلك نحو 1.6%، مما يدل على أنَّ تجار التجزئة لم يرفعوا الأسعار حتى الآن بسبب تباطؤ الطلب المحلي.
وأثَّرت المنافسة الشديدة بين الشركات المصنِّعة في الصين، أكبر مُصدِّر في العالم، على انكماش الأسعار الاستهلاكية العالمية منذ التسعينيات. وتعني التكاليف المتزايدة، والطفرة في الطلب على الصادرات حالياً أنَّ بعض المصانع قد تبدأ في رفع الأسعار قريباً بسبب انخفاض الهوامش الربحية، تماماً مثلما بدأ التضخم في الارتفاع بالولايات المتحدة وأماكن أخرى في ظلِّ إطلاق حملات التطعيم التي سمحت بإعادة فتح الاقتصادات.
وقالت ميشيل لام، الخبيرة الاقتصادية في شؤون الصين الكبرى بـ"سوسيتيه جنرال": "قد ترتفع أسعار الصادرات بالدولار بسبب ارتفاع قيمة عملة اليوان. تناسب اختناقات العرض في الأسواق الناشئة الأخرى أيضاً القوة التفاوضية للمُصدِّرين الصينيين، ومع ذلك ستكون الضغوط على الأسعار مؤقتة".
تُشكِّل السلع المستوردة من الصين مكوِّناً صغيراً نسبياً من السلَّة المستخدمة لحساب التضخم في الاقتصادات المتقدِّمة، وهو ما يعني أنَّه يجب تكون الزيادة في أسعار المُصدِّرين كبيرة ومستدامة لكي تتزعزع الأوضاع النقدية المتساهلة لدى البنوك المركزية.
امتصاص التكاليف
وحتى الآن، يمتص المُصنِّعون التكاليف المرتفعة بدلاً من نقلها إلى العملاء. وقالت أيريس بانغ، كبير الاقتصاديين في شؤون الصين الكبرى ببنك "آي إن جي"ING ، لتلفزيون بلومبرغ: "من المستحيل نقل التكلفة إلى المستهلكين حتى في الأسواق الخارجية، ويجب أن يتحمَّل المنتجون تلك التكاليف. إنَّ لدى منتجي المراحل الأولى مجالاً لامتصاص زيادات الأسعار، وحماية منتجي المراحل النهائية، نظراً لأنَّهم شهدوا نمواً قوياً في الأرباح بسبب جهود بكين في كبح السعة الفائضة خلال السنوات الأخيرة".
وخلال هذا العام، ارتفعت أسعار السلع العالمية بسبب الاستثمار العقاري القوي في الصين، والحزم التحفيزية القياسية من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم، إلى جانب القيود على العرض التي تسبَّبت فيها جائحة كورونا.
وأطلقت بكين حملة لكبح الأسعار من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد مضاربات الأسواق المالية على السلع الأساسية وعمليات الاكتناز، مما تسبَّب في انخفاض طفيف في الأسعار خلال الأسابيع الأخيرة. ولكن، تتمتَّع السلطات في نهاية الأمر بنفوذ محدود على أسعار السلع المستوردة مثل خام الحديد.
من وجهة نظرنا، يرى بنك الصين الشعبي أنَّ الضغوط التضخمية مؤقتة، وهو يراعي أيضاً الحاجة إلى الحفاظ على دعم الانتعاش الاقتصادي غير المكتمل. ليس من المرجح أن يتمَّ رفع سعر الفائدة في أي وقت قريب. تشانغ شو، كبير الاقتصاديين في آسيا (بلومبرغ إيكونوميكس)
وتُكثِّف الحكومة جهودها مع المسؤولين الذين يفكِّرون في فرض قيود على أسعار الفحم، وفقاً لمصادر مطَّلعة، وتتوقَّع المصادر أيضاً انخفاضاً في أسعار السلع المستوردة خلال النصف الثاني من هذا العام بعد تعافي الإمدادات العالمية، برغم استمرار مؤشر أسعار المنتجين في الارتفاع خلال الشهور المقبلة.
و لم تتأثر الأسهم بالبيانات والأخبار المتعلِّقة بالتحكُّم في أسعار الفحم، فقد تغيَّر مؤشر "سي إس آي 300" الصيني بشكل طفيف، كما تعزَّز سعر عملة اليوان داخلياً بشكل طفيف إلى 6.3941 مقابل الدولار.
قال دونغ ليجوان، الخبير الاقتصادي بمكتب الإحصاء، إنَّ الجزء الأكبر من زيادات أسعار المنتجين في شهر مايو يعود إلى قطاعات المراحل الأولى من الإنتاج مثل التعدين، ومعالجة المعادن والكيماويات، التي تميل إلى الاعتماد على المدخلات المستوردة، في حين كانت الزيادات ضئيلة في الصناعات، مثل الأثاث والمنسوجات. وشكَّلت التأثيرات الأساسية من العام الماضي ثلث إجمالي نمو مؤشر أسعار المنتجين، فقد كانت الصين بتلك الفترة في طور إعادة فتح اقتصادها بعد الإغلاق الناتج عن وباء كورونا.
إلا أنَّ "بانغ" من بنك "آي إن جي" يرى حذراً بين المستهلكين داخل الصين، إذ
ما تزال معدلات نمو مبيعات التجزئة تقف عند نصف مستويات ما قبل الوباء، مما يحدُّ من فرص تجار التجزئة لرفع الأسعار.
وبسبب ضعف الطلب الذي يتعرَّض لمزيد من الكبت بسبب التفشي الصغير المتقطع لوباء كورونا في مقاطعة غوانغدونغ على سبيل المثال، فقد لا يشهد التضخم الاستهلاكي ارتفاعات مستمرة حتى الربع الرابع من هذا العام، بحسب قول "بانغ".
موقف الفائدة
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستبعد تكاليف المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، بنسبة 0.9%، فقد جاءت معظم الزيادة في أسعار المستهلك من المواد غير الغذائية، في حين أدى انخفاض نسبته 24% تقريباً في أسعار لحوم الخنازير إلى تقليل ارتفاع أسعار معظم الأطعمة الأخرى.
وبرغم أنَّ التضخم ما يزال أقل مما يستهدفه مؤشر أسعار المستهلكين بحوالي 3%، فقد تعهدت الحكومة بزيادة المعروض من المنتجات الغذائية الرئيسية لتحقيق الاستقرار في الأسعار، وإضافة الاحتياطي الوطني من لحم الخنزير، وفقاً لتقرير اجتماع عقد الثلاثاء الماضي.
وتراجع الارتباط بين مؤشر أسعار المنتجين وأسعار المستهلكين في الصين أيضاً خلال السنوات الخمس الماضية، فقد استوعبت المصانع تكاليف المدخلات المتزايدة بدلاً من نقلها إلى المستهلكين في المنازل، بعد المنافسة الشديدة بين الشركات الصغيرة التي حفَّزها صعود التجارة الإلكترونية، والطلب المحلي الضعيف الناجم عن حملة بكين لتثبيت إجمالي الدين في الاقتصاد.
ويمنح ذلك بنك الشعب الصيني مساحة أكبر، ويعني أنَّه من غير المرجَّح أن تقوم الصين برفع أسعار الفائدة في السياسات العامة، في الوقت الذي ما يزال يتعافى فيه الإنفاق الاستهلاكي.
وقال بيكيان ليون، الخبير الاقتصادي بمجموعة "ناتويست غروب" Natwest Group Plc : "نتوقَّع أن يحافظ بنك الشعب الصيني على المعدلات المعيارية دون تغيير، وأن يواصل التركيز على توجيه نمو الائتمان نحو الانخفاض التدريجي خلال الشهور المقبلة دون تضييق مفاجئ أو حاد".