بلومبرغ
بعد 14 شهراً فقط من تولِّيها منصبها الجديد، واجهت هيلينا هيلميرسون، الرئيسة التنفيذية لشركة "اتش آند ام" (Hennes & Mauritz AB)، تحديات أكبر من تلك التي واجهها بعض الرؤساء التنفيذيين، الذين ظلوا في مناصبهم لفترة طويلة، خلال حياتهم المهنية.
وتواجه هيلميرسون حالة غضب من قبل الحكومة الصينية ضد تجار التجزئة الذين ينتقدون انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينغيانغ المنتجة للقطن. ولا يمكن أن يكون وقت تولي هذا المنصب أسوأ بالنسبة لهيلميرسون، التي كانت مشغولة بمحاولة اجتياز عمليات الإغلاق الشاملة للمتاجر وسط عمليات الإغلاق بسبب الجائحة، في حين كانت تحاول أيضاً إدارة مخزون الملابس.
وقالت هيلميرسون في مقابلة هاتفية: "لقد كان عاماً مليئاً بالتحديات بالطبع، لقد تعلَّمت الكثير عن كيفية القيادة في عالم لا يمكن التنبؤ به".
ردٌّ صيني عنيف
في الأسبوع الماضي، انتقدت رابطة الشبيبة الشيوعية وجيش التحرير الشعبي بياناً صادراً عن "اتش آند ام" يعود تاريخه إلى سبتمبر، الذي عبَّرت خلاله الشركة عن قلقها بشأن تقارير عن وجود الإيغور في معسكرات العمل القسري.
حوَّل هذا الأمر شركة بيع الملابس إلى رمز للشركات الأجنبية التي تتدخَّل في السياسة الصينية الداخلية. واختفت بعد ذلك مواقع متاجر "اتش آند ام" من شبكات الإنترنت، واستُبعدت من منصات التجارة الإلكترونية الصينية، وأغلق حوالي 20 متجراً تابعاً للشركة في البلاد، وبعض هذه الإغلاقات تمَّت من خلال المُلاك.
وكانت ردود الفعل العنيفة سريعة وأقوى من ذي قبل عندما تجاوزت العلامات التجارية الأجنبية الحدود السياسية. ويأتي هذا الأمر في ظل عودة الاقتصاد الصيني، المحرِّك الأكبر لنمو الشركة السويدية، إلى الحياة مرة أخرى.
شكَّلت الصين 6% من إيرادات "اتش آند ام" في الربع الأخير من العام الماضي، مما يجعلها ثالث أكبر سوق بعد الولايات المتحدة وألمانيا للشركة.
ولا تعدُّ "اتش آند ام" العلامة التجارية الوحيدة التي تضطر إلى تحقيق التوازن بين العملاء الراغبين في معرفة كيفية صنع ملابسهم، وحَزم الصين المتزايد، وثقل مستوى سوقها. كما أثارت العلامات التجارية الغربية، مثل "نايكي"، و "أديداس"،
و "أندر آرمر"، الانتقادات بعد تعهدها بعدم استخدام قطن شينغيانغ، خاصة أنَّ المنطقة توفِّر حوالي 80% من القطن الصيني.
لاقت محاولة "اتش آند ام" لتهدئة الأمور عبر تأكيد التزامها تجاه الصين يوم الأربعاء الماضي فشلاً ذريعاً. وفي مقال نُشر مؤخراً، وصفت هيئة الإذاعة الحكومية الصينية بيان الشركة بأنَّه "مقال علاقات عامة من الدرجة الثانية يفتقر إلى الصدق، وهو مليء بكلمات جوفاء"، متسائلةً عن سبب عدم اعتذار الشركة للمستهلكين.
بداية قاسية
برغم التحديات التي تواجهها "اتش آند ام"، إلا أنَّ إغلاق متاجرها في الصين لا يمثِّل إلا جزءاً بسيطاً من سلسلة الشركة التي يصل عددها إلى 502 متجراً في البلاد، كما أنَّ هذه الاضطرابات ستنتهي وتستقر الأوضاع.
وترى إميلي ويستهولم، رئيسة الاستثمار المسؤول، وإدارة الشركات في شركة "فولكسام" (Folksam)، التي تمتلك 0.6% من أسهم الشركة، أنَّ "اتش آند ام" تعدُّ أنموذجاً يحتذى به في الصناعة عندما يتعلَّق الأمر بظروف العمل العادلة، مثل معارضة العمل القسري. وتقول: "تابعت الرئيسة التنفيذية الجديدة مسار "اتش آند ام" المتعلِّق بطموحات وأهداف عالية في مجال الاستدامة".
أصبحت هيلميرسون، ذات الـ47 ربيعاً، أوَّل سيدة تشغل منصب رئيس تنفيذي للعلامة التجارية المتخصصة بالأزياء؛ فهي جاءت خلفاً لسليل العائلة المؤسِّسة كارل يوهان بيرسون، وعمره 46 عاماً، و يشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة الشركة.
وكانت هيلميرسون قد بدأت للتو في مهام عملها الجديد عندما تفشى الوباء، كما شهدت أسهم الشركة تراجعاً بنسبة 50% في الأسابيع الستة الأولى لها كرئيسة تنفيذية، لكنَّها استردت معظم ما خسرته الآن.
وبالإضافة إلى التعامل مع عمليات الإغلاق واسعة النطاق، كان على هيلميرسون تجاوز فضيحة تسبَّب بها بعض مصممي الملابس في "اتش آند ام" عندما أطلقوا اسماً عنصرياً على قبعة تابعة للشركة في ظلِّ اشتعال احتجاجات حركة "حياة السود مهمة".
واعتُبرت هيلميرسون مؤهَّلة تماماً لشغل هذا المنصب، بعد أن تقدَّمت في الرتب الوظيفية منذ انضمامها إلى قسم المشتريات في الشركة في عام 1997. وشغلت منصب رئيس الاستدامة لخمسة أعوام، ثم ترأست قسم الإنتاج العالمي من هونغ كونغ، كما أنَّها كانت مديرة عمليات الشركة لفترة تزيد قليلاً عن عام قبل أن تشغل منصب الرئيس التنفيذي.
أزمة المخزون
بصرف النظر عن الوباء، كان إرث هيلميرسون من منصبها الجديد، هو المخزون المتراكم الأكبر من أيِّ صانع ملابس كبير، وهي مشكلة كانت تواجهها "اتش آند ام" لخمسة أعوام. كما أنَّها شرعت في أكبر عملية خفض تشهدها الشركة فيما يتعلَّق بشبكة متاجرها؛ فقد أعلنت عن خطط لإغلاق حوالي 300 متجر بشكل دائم، وتسريح ما يصل إلى 16 ألف موظف بدوام كامل.
وقال نيكلاس سكوغمان، المحلل في شركة "هاندلسبانكين كابيتال ماركتس" (Handelsbanken Capital Markets)، الذي يوصي بالاحتفاظ بسهم الشركة: "ستكون هناك حاجة إلى إغلاق المتاجر على المدى الطويل، لكنَّها خطوة دفاعية".
تسبَّبت عمليات الإغلاق بسبب الجائحة في إغلاق مؤقت لما يصل إلى 80% من متاجر "اتش آند ام" البالغ عددها 5 آلاف متجر في ذروة الوباء في منتصف أبريل من العام الماضي، فقد كان الوضع خطيراً آنذاك. وعلى سبيل المثال، تمَّ إغلاق 1800 متجر في يناير، وأدَّت عمليات إعادة الفتح المؤقتة إلى انخفاض هذا الرقم إلى 1050 متجر بحلول منتصف مارس، لكنَّه عاد الآن إلى 1500 متجر مغلق.
وقال الرئيس بيرسون، في بيان عبر البريد الإلكتروني: "لقد قدَّمت هيلينا وفريق عملها عملاً رائعاً خلال فترة صعبة للغاية".
ولم تكن إدارة المخازن سهلة في ظلِّ حالة المدِّ والجزر التي واجهتها شركة الملابس السويدية العملاقة، لكن هيلميرسون أعربت عن سعادتها بكيفية تكيُّف "اتش آند ام" مع الوضع خلال عمليات الإغلاق.
كانت قيمة مخزون الشركة تُقدَّر بـ37 مليار كرونة سويدية (4.2 مليار دولار أمريكي)، أو 21.5% من إيرادات الشركة على مدى 12 شهراً في نهاية الربع الأول، ارتفاعاً من 20.4% قبل ثلاثة أشهر. وهذا المخزون يعدُّ ضعف مستوى شركة "إنديتكس" (Inditex SA) التي تدير متاجر "زارا" (Zara).
ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد وجود "اتش آند ام" في الصين، التي تعدُّ أكبر سوق لإنتاج ملابس الشركة إلى جانب بنغلاديش، وبالتالي ستواجه هيلميرسون تحدياً يتمثَّل في التغلب على العاصفة، والعودة إلى إدارة الموقف خلال فترة تفشي الوباء.
وتقول هيلميرسون: "المرونة والتركيز على العملاء، هما عاملان أساسيان في كيفية إدارة العام الماضي، وسيكونان أيضاً عاملين أساسيين للمضي قدماً. وأنا مؤمنة بإمكانية تسجيل انتعاش قوي، خاصة أنَّنا نأمل في رفع القيود تدريجياً للمضي قدماً".