تبدو الظروف في حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة كئيبة، فقبل عامين وصل عدد الحفارات الأفقية للتنقيب عن النفط غير التقليدي إلى ذروته، وفي هبوط سريع وصل العدد إلى القاع قبل ستة أشهر عند 22% فقط من مستويات الذروة. فبدلاً من الانتعاش القوي، كان الانتعاش من ناحية النشاط مشبعاً ومتعباً.
ليس هذا وصفاً لصناعة النفط والتنقيب الأمريكية في بداية عام 2021. لكن الأمر يشبه ما كانت عليه الأمور في أواخر عام 2016، إذ تضمّد هذه الصناعة جراحها من انهيار أسعار النفط الخام التي بلغت عندها 30 دولاراً للبرميل، بعد أربع سنوات كانت فيها الأسعار تحوم حول 100 دولار.
وإذا كنت أعطيت كثيراً من الاهتمام للتوقعات الكئيبة في ذلك الوقت، فستكون فوّتّ على نفسك فرصة الانتباه لذاك المسار الذي كانت فيه الولايات المتحدة بعد 18 شهراً فقط من تجاوز روسيا والسعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم.
سيناريو متكرر
وتشير عمليات البيع في أسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين إلى أن هذا النمط قد يتكرر مرة أخرى. فلا تزال شركات النفط الكبرى تبتعد عن النفط الصخري بعد أن تأذت بسبب التراجع غير الطبيعي إلى ما دون الصفر الذي شهده العام الماضي.
وبالنسبة إلى الصناعة ككل، فلا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت الفوائد الإنتاجية التي سمحت للنفط الصخري بالتعافي من الركود الأخير قد تلاشت، أو ما إذا كنا على وشك رؤية جولة أخرى من التحسينات.
وعلى هذا الموقف الأخير دليل بالتأكيد، فلقد ارتفعت كمية النفط المنتج لكل حقل نفط يومياً في بقع النفط الرئيسية خلال الأشهر الأخيرة، إلى ما يقرب من ضعف مستوياتها في أوائل عام 2016 في حقل "بيرميان" و"إيغل فورد" في تكساس وأكثر من ثلاث مرات في حقل "باكن" الواقع في غريت بلينز.
وتميل هذه التقديرات إلى أن تكون متقلبة عندما تكون السوق في حالة اضطراب، إذ ستغلق شركات الحفر آبارهم الأقلّ إنتاجية أولاً، تاركين المجموعة المتبقية تميل نحو أفضل العمليات.
مع ذلك، ظلّ النمط ثابتاً لدرجة كافية خلال هذا العام بحيث يصعب إنكار أنه كان ضروريّاً إجراء تحسينات حقيقية.
ومن المتوقع أن تنتج حفارات "بيرميان 203" التي تعمل في فبراير ما يصل إلى 4.3 مليون برميل في شهر أبريل، فيما كانت الحفارات البالغ عددها 199 في شهر سبتمبر 2016 تنتج أقلّ من نصف هذه الكمية، عند 2.1 مليون برميل.
تراجع تكلفة تمويل الاستثمارات
ويساعد هذا كلَّه بيئةٌ أكثر دعماً للائتمان، بما يعني أن النفط الصخري مثل النفط، هو وقود لا يزال ضرورياً للاقتصاد. وأن الهوامش المعدلة حسب الخيار لديون الطاقة من الدرجة غير الائتمانية -وهو مقياس للعلاوة على تكاليف الاقتراض المعيارية التي على شركات التنقيب والإنتاج الأصغر أن تدفعها لتمويل أنشطتها- انخفضت من 22.4% قبل 12 شهراً إلى 4.6% فقط يوم الثلاثاء.
وعندما اجتمع ذلك مع الركود العام في أسعار الفائدة حيث يعمل الاحتياطي الفيدرالي على إعادة الاقتصاد إلى الحياة، أصبحت تكاليف الاقتراض لحفارات النفط الصخري الآن أرخص مما كانت عليه في أي وقت منذ عام 2014، عندما كان النفط الخام أعلى من 100 دولار للبرميل، كما يشير سبنسر كاتر من "بلومبرغ إنتليجنس".
وجدير بالملاحظة أن منتجي النفط لم يكتفوا بالنظر والإعجاب بهذا التراجع في تكاليف التمويل.
في الواقع، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر منذ بداية العام، أصبحت عملية إصدار السندات الجديدة والأسهم الممتازة لقطاع التنقيب في الولايات المتحدة على بعد خطوة لتجاوز تمويل العام الماضي بأكمله، وهي تسبقه أيضاً كل عامين في التاريخ باستثناء عامَي 2017 و2019.
وسيذهب بعض هذه الأموال لإصلاح الميزانيات الثابتة وإعادة تمويل الديون بمعدلات منخفضة، ولكن بمجرد اكتمال هذا العمل الأساسي ستعود شركات التنقيب والإنتاج إلى أعمالها اليومية المتمثلة في إيجاد آبار جديدة وتطويرها.
وكما جادل زميلي ليام دينينغ، فإن المستويات الحالية من 50 دولاراً للبرميل إلى 60 دولاراً للبرميل كافية تماماً لجلب إنتاج جديد من طرف من خارج صفوف "أوبك+"، في حين أنها في الغالب غير كافية لأعضاء التكتل لموازنة ميزانياتهم وحساباتهم الخارجية.
إنه وضع لعين ليكون المرء فيه، فكل دراما تقلبات العام الماضي في سوق النفط، بعيداً عن قتل إنتاج النفط الأمريكي وإعطاء المستقبل للمملكة العربية السعودية وروسيا، نجحت فقط في خفض الإنتاج إلى 11 مليون برميل مقارنةً بالمستويات اليومية كانت عليها في أواخر عام 2018.
وفقاً لإدارة معلومات الطاقة سيشهد العام المقبل إنتاجاً يبلغ 12 مليون برميل، كان من الممكن أن يكون رقماً قياسياً في أي شهر من الأشهر حتى فبراير 2019.
وبعد الصدمة الأولية، تتعلم حقول النفط البقاء والازدهار مع انخفاض الأسعار، وسرقة الدور التقليدي لـ"أوبك+" كمنتج متأرجح للصناعة. أما شركات الحفر في أماكن أخرى من العالم، فهذا يشكل احتمالاً مقلقاً.