بلومبرغ
أصبح التدخل في سوق العملة ساحة معركة رئيسية بالأسواق الناشئة، لاسيما آسيا، إذ أدى ارتفاع الدولار في الآونة الأخيرة إلى زيادة الضغط على المسؤولين للتحرك.
أشار البنك المركزي الماليزي اليوم الاثنين إلى أنه مستعد لدعم الرينغيت، الذي يحوم بالقرب من أدنى مستوى له منذ 26 عاماً. في كوريا الجنوبية وتايلندا وبولندا، قال المسؤولون إنهم يراقبون عن كثب تقلبات العملة، وسيتدخلون إذا لزم الأمر. اتخذت إندونيسيا خطوة أخرى من خلال بيع الدولار، ورفضت الصين مراراً خفض قيمة العملة، مما يوحي للمتعاملين بأن استقرار اليوان أمر أساسي.
اقرأ أيضاً: عملات أسواق ناشئة تفوت فرصة الارتفاع في الربع الأول
أضعفت بيانات التضخم في الولايات المتحدة التي جاءت بشكل أسرع من المتوقع الأسبوع الماضي، الرهانات على خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، مما يوضح أن المعركة ضد قوة الدولار لن تنتهي قريباً. التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، تهدد بإحداث طفرة جديدة من الطلب على الدولار كملاذ آمن.
قالت مارسيلا تشاو، محللة السوق العالمية لدى "جيه بي مورغان أسيت مانجمنت" في هونغ كونغ إنه "في الوقت الحالي، نرى الكثير من التصريحات التي يدلي بها مسؤولون من البنوك المركزية المختلفة". أوضحت تشاو في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، في ضوء أنه من غير المرجح أن يخفف بنك الاحتياطي الفيدرالي السياسة النقدية قريباً، "قد تشهد العملات الآسيوية مزيداً من التراجع، وقد يشير ذلك إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الإدلاء بالتصريحات العلنية".
زيادة نشاط البنوك المركزية بمثابة منطقة أخرى من الصراع الناجم عن تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة لفترة طويلة. تراجع التجار عن رهانهم إزاء التخفيضات المتوقعة لأسعار الفائدة الأميركية في الأشهر الأخيرة، بسبب بيانات أسعار المستهلك القوية، مما يشير إلى أن صناع السياسات النقدية في الأسواق الناشئة لا يزال أمامهم الكثير من العمل.
التصريحات العلنية بهدف التأثير على العملة
يواجه مسؤولو السياسة النقدية في تايلندا اختباراً صعباً في محاولتهم دعم البات، الذي هوى بنحو 6% منذ مطلع 2024. لجأ المسؤولون هناك إلى الإدلاء بتصريحات للرأي العام في محاولة رفع قيمة العملة. قال صناع السياسة النقدية في اجتماعهم يوم 10 أبريل: "ستواصل اللجنة عن كثب مراقبة التقلبات في سوق الصرف الأجنبي". كما أبقوا أسعار الفائدة من دون تغيير خلال الاجتماع لمساعدة العملة، بخلاف رغبة رئيس الوزراء سريتا تافيسين، الذي شدد على ضرورة تخفيف السياسة النقدية.
كرر البنك المركزي البولندي في اجتماعه خلال الرابع من أبريل أنه قد يتدخل لدعم الزلوتي. قال صناع السياسة النقدية إن العملة المحلية القوية تساعد في الحد من التضخم، بعد أن أبقوا على أسعار الفائدة عند مستواها الحالي.
اقرأ أيضاً: كوريا تتيح للمستثمرين الأجانب الوصول لأسعار أفضل لعملتها
قال مسؤولو بنك كوريا إنهم يراقبون أداء عملة الوون عن كثب، بعد أن تعرضت لضغوط في الأسبوع الماضي. وأشار المدير العام أوه كوم هوا لـ"بلومبرغ" إلى أن تصريحات المحافظ ري تشانغ يونغ بشأن العملة يوم الجمعة تضمنت مصطلحات التدخل اللفظي.
بيع الدولار
اتخذ بنك إندونيسيا (المركزي) خطوة أخرى من خلال شراء الروبية للحد من الخسائر. قال المحافظ بيري وارجيو إن التدخل وبيع الأوراق المالية ذات العائد المرتفع سيكونان الرافعتين الرئيسيتين هذا العام لدعم العملة.
كانت آخر مرة تدخل فيها المركزي الإندونيسي رسمياً في الثاني من أبريل عندما تراجعت العملة المحلية إلى أدنى مستوى لها منذ أربع سنوات. في حالة إندونيسيا، لا يقع اللوم على الدولار فحسب، إذ تعرضت الروبية أيضاً لضغوط بسبب المخاوف بشأن خطط الإنفاق للرئيس الجديد برابوو سوبيانتو.
يقال إن البنك المركزي في بيرو، الذي فاجأ الاقتصاديين بخفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، اعتاد بيع الدولار خلال الأشهر الأخيرة في سعيه لدعم عملة السول. قال مسؤولون في الماضي إن هدف التدخل هو الحد من تقلبات العملة.
على الرغم من أن ذلك لم يكن استجابة للدولار في المقام الأول، لجأ البنك المركزي في إسرائيل إلى بيع غير مسبوق للعملة الأميركية عقب هجوم "حماس" في أكتوبر، بهدف حماية الشيكل.
اقرأ أيضاً: هيمنة الدولار تلاحق إندونيسيا.. فمن التالي؟
تضم آسيا العديد من البنوك المركزية الأكثر تدخلاً بسوق العملات، والتي شهدت بعض أكبر خسائر العملة خلال الشهر الماضي.
قال بول ماكيل، الرئيس العالمي لأبحاث الصرف الأجنبي لدى "إتش إس بي سي هولدينغز" في لندن: "لا يمكن للبنوك المركزية الآسيوية أن تتخلى عن حذرها". أوضح أن ضعف العملات "يؤدي غالباً إلى تأجيج ضغوط الأسعار"، الأمر الذي قد يعني أيضاً أن "المرحلة الأخيرة لخفض التضخم إلى المعدل المستهدف ليست صعبة بالنسبة إلى الولايات المتحدة فحسب، بل يمكن أن تكون كذلك بالنسبة إلى عدد من الاقتصادات المختلفة".
معضلة الصين
من الأمثلة البارزة على التحدي الذي يواجه بعض المسؤولين في الأسواق الناشئة، معضلة الصين بشأن اليوان، والتي تُضطر إما إلى دعمه أو المجازفة بتفاقم الانكماش الاقتصادي، أو السماح بتراجعه، وتشجيع تدفق رأس المال إلى الخارج.
اختار البنك المركزي الصيني الخيار الأول، ولجأ إلى تثبيت اليوان باعتباره أداة رئيسية موثوقاً بها. أبقى صناع السياسة النقدية السعر المرجعي اليومي في نطاق ضيق خلال الأشهر الأخيرة، رغم ضعف اليوان، مما يعني أن العملة تقترب أكثر من الحد اليومي البالغ 2% حول نطاق التغير المسموح به.
اتضحت بالفعل مخاطر تخفيف قبضة الصين، إذ حدد بنك الشعب الصيني تثبيتاً أضعف من المتوقع في 22 مارس، وانخفض اليوان بأكبر قدر خلال شهرين.
قال خون جوه رئيس أبحاث آسيا لدى مجموعة "إيه إن زد غروب هولدينغز" (ANZ Group Holdings) في سنغافورة، إن الصين تعطي الأولوية لاستقرار سعر الصرف، لكنها قد تضطر إلى استخدام المزيد من الأدوات لإبقاء انخفاض قيمة اليوان تحت السيطرة حال استمرار ارتفاع الدولار.
هل حان وقت الشراء؟
في حين توجد دلائل قليلة على أن ارتفاع الدولار على وشك التراجع، يشير بعض المحللين على الأقل إلى أن هذا قد يكون الوقت المناسب لبدء عودة الاستثمار في بعض العملات التي أصبحت أضعف كثيراً في الآونة الأخيرة.
اقرأ أيضاً: كلفة اقتراض الدولار في الصين ترتفع في إشارة جديدة لأزمة اليوان
قال ديفيد تشاو، المحلل لدى "إنفيسكو آسيت مانجمنت" (Invesco Asset Management) في سنغافورة، إن احتمال قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتأجيل تخفيضات أسعار الفائدة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة خلال مارس "يفاقم الصعوبات المستمرة للعملات الآسيوية.. قد تكون هذه فرصة لشراء العملات المنخفضة في الدول الآسيوية التي يحتمل أن تعاود الصعود".