سوق العقارات الرائجة في دبي تستعد للتباطؤ

مستأجرون ومطورون يترقبون تغير أوضاع السوق ومحللون يتوقعون تراجع الانتعاش العام المقبل

time reading iconدقائق القراءة - 15
مشاة يمرون عبر المارينا، وفي الخلفية ناطحات سحاب سكنية وتجارية بمنطقة دبي مارينا، دبي - المصدر: بلومبرغ
مشاة يمرون عبر المارينا، وفي الخلفية ناطحات سحاب سكنية وتجارية بمنطقة دبي مارينا، دبي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تخطط دينا حبيب وكريم يوسف لخطوتهما التالية في دبي بعد 9 شهور من شراء أول عقار لهما في المدينة.

بعد أن أمضى الزوجان المصريان 8 سنوات في مساكن مؤجرة بالإمارة، يعتزمان بيع شقتهما التي تضم غرفتي نوم، وتقع بمنطقة قرية جميرا الدائرية الواقعة على أطراف مدينة دبي، بسعر أعلى بنسبة 26% عما دفعاه مقابل العقار في مارس الماضي، والذي بلغ 1.7 مليون درهم (460 ألف دولار).

تأمل "حبيب" أن تتمكن من شراء عقار أكبر لعائلتها المكونة من 3 أفراد مقابل نفس السعر أو أقل.

وقالت الباحثة، التي يبلغ عمرها 39 عاماً: "سددنا الرهن العقاري لشخص آخر على مدى سنوات، نظراً لتخوفنا من الشراء في سوق متقلبة. نظن حالياً أن السوق قد بلغت أعلى مستوياتها، لذلك؛ نخطط لبيع الشقة وشراء منزل بحديقة في العام المقبل، حيث نأمل أن تنخفض الأسعار إلى حد ما".

"حبيب" و"يوسف" يأتيان ضمن آلاف من مالكي المنازل الذين يحاولون استكشاف سوق العقارات الرائجة في دبي، التي تفوقت في أدائها على معظم نظيراتها في أنحاء العالم هذا العام. وانضم الزوجان إلى المستأجرين، ومحللي العقارات، والمطورين الذين يحاولون توقع ما إذا كانت أوضاع السوق بدأت تتغير أخيراً أم لا، في ظل تسليم عدد كبير من العقارات وبدء تأثير حالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي على الإمارة.

حتى الآن، كان الانتعاش مدعوماً بتدفق المستثمرين الأثرياء، مثل الروس الساعين إلى حماية أصولهم، ومليونيرات العملات المشفرة والأغنياء الهنود الباحثين عن منازل أخرى. كما جذب نهج تعامل الحكومة مع الجائحة والإجراءات المُيسَّرة للحصول على التأشيرة مزيداً من المشترين الأجانب.

ارتفاع الإيجارات والأسعار

منذ يناير 2020، ارتفعت قيمة الإيجارات في الإمارة بنحو 42%، فيما قفزت أسعار المنازل بما يقارب 33%، بحسب شركة "سي بي آر إي غروب" (CBRE Group Inc.) للاستشارات العقارية. وشهدت إيجارات الفيلات بعض أكبر الزيادات، ووصل متوسط الإيجار السنوي حالياً إلى 88,400 دولار سنوياً.

دفع الارتفاع العديد من المستأجرين، مثل "حبيب" و"يوسف"، إلى حسم القرار وشراء عقار لتجنب الزيادات المتكررة في الإيجارات، أو تحاشي الاتجاه إلى مكان أبعد عن المدينة، فبعد أن زاد المالك إيجار الشقة التي تضم غرفتي نوم بنسبة 16% خلال 3 سنوات، اشترت "حبيب" العقار الذي تسعى إلى بيعه في الفترة الحالية.

طالما اشتهرت سوق العقارات في دبي بدورات انتعاش وكساد حادة، حيث وقع أحد أكبر الانخفاضات في 2009، بعد سنوات من النمو الممول بالديون. وتركت الأزمة بعض أكبر المطورين العقاريين على حافة الإفلاس. وتعافت الأسعار في 2011، قبل أن تعاود انخفاضها في 2014، بعد أن أضر تدهور أسعار النفط باقتصادات المنطقة. منذ حينها، أجرت الحكومة سلسلة من الإصلاحات للمشترين والمطورين للحد من التقلب، ومنها زيادة الدفعات المقدمة المطلوبة للرهون العقارية إلى 20%.

قال تيمور خان، كبير باحثي "سي بي آر إي"، إن بيع عقار على أمل شراء آخر مشابه في العام المقبل بسعر أقل هو رهان محفوف بالمخاطر، وتوقع تراجع معدل زيادة الأسعار ليتراوح ما بين 5% و10% في العام المقبل، غير أنه لا يرى حجة مقنعة لانخفاض الأسعار، في ظل الزيادة المستمرة في عدد السكان والنمو الاقتصادي".

هناك أدلة قليلة في أنحاء المدينة تشير إلى أن السوق بدأت تتباطأ، في الفترة الحالية على الأقل، فالازدحامات المرورية الطويلة تسد الطرق السريعة الرئيسية في الإمارة، حتى في نهاية الأسبوع، وقوائم انتظار عضوية الأندية طويلة بشكل لا يصدق، كما ارتفع قيد الطلاب بالمدارس 12% هذا العام، ما يعد أكبر زيادة منذ 2007.

تراجع الانتعاش

غير أن بعض المحللين بدأوا يحذرون من أن عام 2024 قد يمثل نقطة تحول. ففي وقت سابق من الشهر الجاري، قال بنك "مورغان ستانلي" إنه يرى استمرار الرياح المواتية للسوق، ويتوقع أن يتراجع الانتعاش في العام المقبل عما كان عليه في 2023.

بينما واصلت الإيجارات الارتفاع إلى مستويات مذهلة، يتراجع معدل الزيادة في بعض أكثر الأحياء رواجاً بالمدينة. فارتفع متوسط الإيجار 19.2% في نوفمبر، في تراجع طفيف عن الصعود الذي سجله في أكتوبر بنسبة 19.7%، بحسب "سي بي آر إي".

في الوقت نفسه، انخفض عدد الصفقات العقارية في نوفمبر 13% عن الفترة نفسها في العام الماضي، وكان السبب الأساسي هو تراجع مبيعات الوحدات غير المكتملة 26.4%، بعد بيع المشروعات الجديدة كاملة، ونفاد المخزون لدى المطورين. مع ذلك، ارتفعت مبيعات المنازل القائمة 5.1% خلال الشهر نفسه.

بارثيوشا غورابو، مديرة البحوث والاستشارات بشركة "كوشمان آند ويك فيلد كور" (Cushman & Wakefield Core) للعقارات، تتوقع أيضاً تراجعاً طفيفاً، وليس انخفاضاً، في الأسعار خلال العام المقبل، وقالت "إن النمو السكاني سيدعم السوق، وإن خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة.. إذا حدث ذلك، سيشجع المشترين بالرهون العقارية". تمثل القروض العقارية في الفترة الحالية نحو ربع الصفقات العقارية الإجمالية فقط في دبي، بحسب "مورغان ستانلي".

قالت "إس آند بي" (S&P) الشهر الماضي إنها تتوقع ارتفاع أسعار المنازل ما بين 5% و7% في العام المقبل، قبل انخفاضها بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 10% على مدى الاثني عشر شهراً إلى الثمانية عشر شهراً التالية، في ظل تأثر السوق بحالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي والزيادة الضئيلة في المعروض من المنازل الجديدة.

وعن ذلك قالت تاتيانا لسكوفا، المديرة المساعدة للتصنيف الائتماني للشركات في "إس آند بي": "لا توجد إشارات واضحة على تغير المرحلة في دورة الانتعاش والكساد، لكننا نعرف أن عدد المشترين يقل بدرجة ما، لذلك ينخفض متوسط حجم العقارات. ستبلغ معظم السوق حداً معيناً من حيث القوة الشرائية".

تحول اهتمام المطورين

بعد تسجيل مستوى قياسي من المبيعات والافتتاحات الجديدة، بدأ المطورون أيضاً في التأقلم.

تتوقع "إس آند بي" تسليم 40 ألف عقار في دبي خلال العام المقبل، والعدد نفسه في 2025، ما تعد زيادة كبيرة مقارنة بتسليم ما بين 15 ألف منزل و30 ألف منزل في الأعوام السابقة. نتيجة لذلك؛ يتوقع "مورغان ستانلي" أن يحول المطورون اهتمامهم إلى زيادة الأرباح مع تنفيذ العدد الكبير من الطلبيات المتراكمة، رغم أن الشركات عادةً ما تسلم عدد عقارات أقل من التقديرات.

يثير سجل دبي في دورات الانتعاش والكساد قلق محمد العبّار، مؤسس شركة "إعمار" العقارية، التي شيدت أطول ناطحة سحاب في العالم وتمثل نحو 30% من سوق العقارات في دبي. كما شهدت "إعمار للتطوير"، ذراع الإنشاءات، ارتفاع الإيرادات غير المُحققة من مبيعات العقارات في السوق المحلية بنسبة 60% عن الفترة نفسها من العام السابق، لتبلغ 59.6 مليار درهم في 30 سبتمبر.

بينما تستعد "إعمار" لتحقيق أكبر أرباح سنوية منذ 2012، تستخدم الشركة اقتصاد المدينة المنتعش على أنه فرصة لإدارة مواردها المالية، لكن "العبّار" لا يزال حذراً، فتنفيذ المشروعات وميزانية المقاولين الكبيرة ضمن أكبر مخاوفه.

وقال في مقابلة حديثة إن "دبي تحقق نجاحاً باهراً ونمواً كبيراً، وكذلك الإمارات، لكن حان وقت التفكير في التحديات التي قد تظهر".

تعد مجموعة "داماك" العقارية إحدى أكبر شركات التطوير العقاري ذات الملكية الخاصة في دبي، وقال مؤسسها حسين سجواني إنه لا يظن أن سوق العقارات في الإمارة قد أفرطت في النمو حتى الآن، وإنه يتوقع استقرار الزيادة في الأسعار. مع ذلك، فإنه يعتبر أيضاً أن التكهن بما سيحدث في العام المقبل أمر صعب.

وقال في مقابلة مع "تليفزيون بلومبرغ" في وقت سابق من هذا الشهر إن الأسعار قد تتقلب بنحو 10%، ارتفاعاً أو انخفاضاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك