بعد حملة أميركا التنظيمية.. شركات التشفير تبحث عن ملاذات "صديقة"

20 مستثمراً ومحللاً: إقبال على سنغافورة وهونغ كونغ وأوروبا ودبي لتطبيقها قواعد جاذبة ومزايا ضريبية

time reading iconدقائق القراءة - 10
سنغافورة تقترح عملية تنظيمية أشد صرامة تجاه العملات المشفرة السنة الماضية في محاولة لتوفير الحماية للمستثمرين - المصدر: بلومبرغ
سنغافورة تقترح عملية تنظيمية أشد صرامة تجاه العملات المشفرة السنة الماضية في محاولة لتوفير الحماية للمستثمرين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد فيض من التحقيقات بقطاع العملات المشفرة في الولايات المتحدة الأميركية، تتطلع شركات الأصول الرقمية المتضررة إلى مراكز مالية خارجية، ما يُضفي الغموض على آفاق البلاد بوصفها ركيزة أساسية للقطاع.

تحظى سنغافورة وهونغ كونغ وأوروبا ودبي بجاذبية أكبر بين شركات العملات المشفرة بفضل جهودها على صعيد العمليات التنظيمية ومزاياها الضريبية وحكوماتها التي تطبق قواعد صديقة للقطاع، حسب مقابلات مع ما يفوق 20 مديراً تنفيذياً ومنظمين سابقين ومستثمرين ومحللين.

انتقد المديرون ما أطلقوا عليه "التنظيم بقوة إنفاذ القانون" في أميركا، التي أطلقت سلطاتها حملة تنظيمية لإنفاذ اللوائح القائمة عوضاً عن وضع تشريعات جديدة مصاغة خصيصاً للأصول الرقمية.

ازدياد التدقيق التنظيمي والإنفاذ

أوضح شولينغ تشن، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "روك إكس" (RockX)، التي تقدم خدمات إيداع ورهن الأصول المشفرة ومقرها سنغافورة، الذي كان يستقبل أسئلة مستثمرين من بينهم صناديق التحوط وصناديق الاستثمار وبورصات مركزية صغيرة: "بالنظر إلى ازدياد مستوى التدقيق التنظيمي والإنفاذ، أصبح عديد من المستثمرين الأميركيين في قطاع التشفير أكثر قلقاً، وسيختار كل من لديهم اهتمام ويرغبون في البقاء بالسوق دولة أكثر صداقة للنشاط حيث تكون اللوائح واضحة".

شهدت فترة تفوق الأسبوع بقليل فورة في عمليات الإنفاذ من قِبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، إذ أعلنت الهيئة الرقابية عن التوصل إلى تسوية قيمتها 30 مليون دولار مع شركة تداول العملات المشفرة "كراكن" (Kraken) في 9 فبراير الجاري، وأصدرت أوامرها للشركة بوقف ما يطلق عليه خدمات الرهن والإيداع.

نيويورك تحقق مع "باكسوس" شريكة "بينانس" للعملات المستقرة

عقب بضعة أيام، أعلنت شركة "باكسوس ترست" (Paxos Trust) التي تصدر العملات المستقرة أنها بصدد تعليق إصدار إحدى عملاتها المستقرة وفق أوامر الجهة المنظمة بالولاية، وبعد تسلُّمها لإخطار من لجنة الأوراق المالية والبورصات يبين أنها تعتزم رفع دعوى قضائية ضد الشركة.

تعديل اللوائح يزعزع استقرار العملات الرقمية

اختتمت الجهة التنظيمية الفيدرالية ذلك الأسبوع برفع دعوى ضد رجل العملات المشفرة الهارب دو كوون وشركته "تيرافورم لابس" (Terraform Labs)، بزعم ممارسته للاحتيال عبر عملة "تيرا دولار" المستقرة التي انهارت شاطبة ما يزيد على 40 مليار دولار من القيمة السوقية للقطاع السنة الماضية. اقترحت أيضاً لجنة الأوراق المالية والبورصات إدخال تعديلات على اللوائح المرتبطة بحمل العملات المشفرة، ما يُصعب على صناديق التحوط إيجاد شركات لحفظ أصولها الرقمية لديها.

زعزعت عمليات التدقيق المتنامية استقرار الأصول المشفرة. بدأت "بتكوين" تراجعاً مطرداً مع انتشار أخبار صفقة "كراكن" مع لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، ثم صعدت بحدة الخميس الماضي. هبط الرمز المشفر 3% أمس الجمعة بنيويورك، كذلك انزلقت غالبية العملات المشفرة الأخرى للمنطقة الحمراء.

بورصة "كراكن" للرموز توقف خدمة إيداع العملات المشفرة في أميركا

تدابير صديقة لقطاع التشفير

شجعت فورة النشاط البعض على دراسة بدائل خارجية أكثر صداقة للقطاع، واستفسر مستثمرون كثر من "روك إكس" عن توسيع نطاق أعمالهم لخارج الحدود الأميركية لـ"تنويع مخاطرهم التنظيمية"، حسب تصريح شولينغ لـ"بلومبرغ نيوز". عبر عملية الإيداع والرهن، يحتفظ المستثمرون بأصولهم المشفرة على منصة "بلوكتشين" للمساعدة في تنظيم المعاملات والحصول على مكافآت بالمقابل.

إندونيسيا تخطط لإطلاق بورصة عملات مشفرة العام الجاري

في هونغ كونغ، أعلنت الجهات التنظيمية السنة الماضية عن خطط تدشين نظام إلزامي لترخيص البورصات المشفرة بداية من يونيو المقبل، في حين أصدرت دبي إطارَ عمل نهائياً للوائح سينظم شركات العملات المشفرة الشهر الجاري، ما يسمح لها بالحصول على ترخيص تنظيمي لكامل الأنشطة بالمدينة.

تعمل سنغافورة أيضاً على تقوية مكانتها التنظيمية، وتقترح لوائح أشد صرامة لتداول العملات المشفرة بالنسبة إلى المستثمرين الأفراد عقب إفلاس صندوق التحوط المحلي "ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital).

تقدم بعض السلطات في مناطق على غرار دبي وسنغافورة أيضاً مزايا ضريبية، ما يعزز جاذبيتها لرواد الأعمال والمستثمرين بالعملات المشفرة.

لوائح غير واضحة المعالم في أميركا

كثيراً ما اشتكت شركات العملات المشفرة من لوائح غير محددة المعالم بالدول التي تمتلك فعلاً قطاعات مالية ضخمة ومستقرة. تعتبر اللوائح الواضحة –بما فيها الصارمة- أفضل من محاولة التزام التوجيهات العامة، على حد قولها، التي تتضمن مخاطر خلق بيئة تزداد فيها التعقيدات التنظيمية، ما يصعب معها تنمية الأعمال التجارية.

لا يرجح أن تتحسن هذه المسألة في أي وقت قريب بالولايات المتحدة، إذ لم يتمكن المشرعون من التوصل إلى اتفاق حول مشروعات قوانين مقترحة عديدة للتعامل مع القطاع، حتى عقب تراجع الثقة بقطاع التشفير إثر إفلاس بورصة "إف تي إكس" بنوفمبر الماضي.

رغم انهيار "تيرا".. المؤمنون بالتمويل اللامركزي لم يتخلوا عن العملات المستقرة

أكد جيف دورمان، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "أركا" (Arca)، أن الشركات الجديدة التي تتحدث شركته للاستثمار في الأصول الرقمية معها أو استثمرت فيها لا تبدي اهتماماً بالولايات المتحدة.

أضاف: "من منطلق الواقع، توجد شركات هنا بالولايات المتحدة حاولت الامتثال للقوانين، ولكنها أصبحت هي المستهدفة حالياً، لذا يصعب تماماً العمل داخل بيئة مجهولة".

الشركات تواجه "لعبة تخمين" في أميركا

قالت شيلا وارين، الرئيسة التنفيذية لمجموعة "كريبتو كاونسيل فور إنوفيشين" (Crypto Council for Innovation) المناصرة للقطاع، إنّ تفضيل الاعتماد على إنفاذ القانون عوضاً عن إصدار لوائح مثلما فعلت أماكن أخرى، ترك الجهات التنظيمية والشركات في الولايات المتحدة يواجهون ما يُعَدّ "بالأساس لعبة تخمين لما قد يأتي لاحقاً".

أوصت مجموعة دول العشرين الكبرى ومجلس الاستقرار المالي ومجموعة العمل المالي بشكل منفصل، خلال السنة المنصرمة، بتبني مزيدٍ من التنسيق العالمي حول قطاع العملات المشفرة، بما فيها المجالات الوليدة على غرار التمويل اللامركزي. سيصعب هذا على الشركات انتقاء واختيار البلدان وفق يُسر الإجراءات التنظيمية.

في هذه الأثناء، تحقق المناطق خارج الولايات المتحدة تقدماً على صعيد وضع القواعد المنظمة الجديدة.

نماذج عالمية لتنظيم الأصول المشفرة

يرجح التوصل في أبريل إلى الصيغة النهائية للدليل التوجيهي للاتحاد الأوروبي حول أسواق الأصول المشفرة، وهو تشريع مهم يعمل عليه التكتل الموحد منذ 2020. اعتبر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك استراتيجية قطاع الأصول الرقيمة جزءاً مهماً من برنامج عمله، وأزاحت المملكة المتحدة الستار الشهر الجاري عن خطط لإخضاع شركات العملات المشفرة للقوانين المالية القائمة.

الاتحاد الأوروبي يتأهب لتنظيم استهلاك طاقة العملات المشفرة

حسب دانيال سيفرت نائب رئيس شركة "كوين بيس غلوبال" لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، سيكون من الأفضل للولايات التطلع إلى نموذج عمل الحكومات بالاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودبي. عززت بورصة العملات المشفرة حضورها الأوروبي في الشهور الأخيرة، بما فيها تعيينات على مستوى القيادة العليا وتسجيل أعمالها رسمياً بالمملكة المتحدة وأيرلندا وإيطاليا وهولندا.

أوضح سيفرت في مقابلة: "من البديهي أن إطار العمل قد يجعل من الولايات المتحدة مكاناً أقل جذباً للاستثمار، ودوماً تسمع أن الشركات تفضل الشعور باليقين وأن تعلم أين تقف، لكن الولايات المتحدة حالياً لا توفر ذلك فعلياً لشركات العملات المشفرة".

بعد أن وقفت منتجها المالي الخاص برهن وإيداع العملات المشفرة بالولايات المتحدة ضمن اتفاق تسويتها مع لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الشهر الجاري، تركز "كراكن" على تحقيق نمو دولي رغم إغلاق أعمالها مؤخراً في اليابان وأبوظبي. أشار بلير هاليداي، الرئيس السابق لشركة "جيميناي" بالمملكة المتحدة، الذي اقتنصته منها "كراكن" ليعمل مديراً جديداً لها بالبلاد في أكتوبر الماضي، إلى أن الدولة تعتبر واحدة من أفضل أسواقها عالمياً ويعمل بها ما يزيد على 200 موظف.

في مقابلة خلال يناير الماضي، أشاد بدعم حكومة المملكة المتحدة للعملات المشفرة وبمجموعة المواهب الشاملة بمجال التكنولوجيا المالية والخدمات المالية هناك.

أوروبا تلحق بأميركا من حيث التمويل

بكل تأكيد، ما زالت تمثل الولايات المتحدة، موطن "كوين بيس" و"كراكن"، الوجهة الأفضل من حيث تمويل شركات العملات المشفرة، رغم أن الآخرين يحرزون تقدماً بطريقة سريعة.

جمعت شركات القطاع بالولايات المتحدة 449.3 مليون دولار من مستثمري رأس المال المغامر منذ مطلع العام الجاري حتى الآن، أي 40% تقريباً من إجمالي التمويل على مستوى العالم، حسب بيانات "بيتش بوك" (PitchBook). يمثل ذلك الرقم انخفاضاً قدره 57% عن الأموال المجمّعة في نفس الفترة من العام الماضي، في حين زادت أوروبا حصتها ثلاثة أضعاف من 5.7% لتبلغ 25% تقريباً منذ بداية العام.

بورصة العملات الرقمية "بايبت" تخطط لنقل مقرها الرئيسي إلى دبي

لم تكن صحيحة دوماً فكرة أن شركات الأصول المشفرة ترحب بالقواعد، سواء كانت صارمة أم لا، ما دام أنها واضحة، فعندما طبقت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك نظاماً جديداً للترخيص في 2015، هددت شركات العملات المشفرة بالانسحاب منها. لكن ولاية نيويورك بقيت مركزاً للأصول المشفرة، إذ ما زالت شركات عديدة تختار المدينة قاعدة أساسية لأنشطتها بالولايات المتحدة.

مستوى إفصاح غير مرغوب

تعتبر القواعد والإرشادات التوجيهية المتوفرة حالياً من قِبل السلطات الأميركية واضحة بما يكفي، حسب جون ريد ستارك، الرئيس السابق لمكتب إنفاذ القانون المختص بالإنترنت التابع للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً للأمن السيبراني.

قال: "يوجد قدر كبير من وضوح الإجراءات التنظيمية، وكل ما يتوجب عليهم فعله هو البحث على الموقع الإلكتروني للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، لكن لا تحب شركات العملات المشفرة الردود التي تحصل عليها عندما تناقش اللجنة، نظراً إلى أنها إذا رغبت في تسجيل منتجاتها، فذلك يستلزم مستوى إفصاح لا تريده هذه الشركات".

تصنيفات

قصص قد تهمك