بلومبرغ
في ظل تفاقم أزمة متعلقة بمعايير حوكمة المؤسسات في إمبراطورية الأعمال التابعة للملياردير الهندي غوتام أداني، بدأت الخسائر تطال مجموعة أوسع من الأصول المرتبطة بالاقتصاد الكبير الأسرع نمواً على مستوى العالم.
ساعدت عدوى محو 108 مليارات دولار أميركي من قيمة أسهم مجموعة "أداني" عقب نشر تقرير يحمل اتهامات عنيفة من شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) الأسبوع الماضي على دفع مؤشر "إم إس سي آي إنديا" للأسهم الهندية إلى شفا الدخول في مرحلة تصحيح فنية.
هبط سعر صرف الروبية مقابل نظيراتها من العملات الآسيوية أثناء هذه الفترة، في حين اتسعت فوارق العائد لمؤشر سندات البلاد لمستوى هو الأكبر خلال 4 أسابيع.
تداعيات الأزمة
شكّل انهيار شركات أداني، التي مثّلت دولاراً واحداً تقريباً من كل 10 دولارات مستثمرة بسوق الأسهم الهندية، عندما بلغ سعر سهم المجموعة ذروته في سبتمبر الماضي، عاملاً مساعداً لمستثمرين يشكون من الارتفاع الباهظ لتقييمات البلاد شجعهم على تقليص حيازاتهم.
يرجح أن تؤدي التداعيات على شركات الهند الأخرى إلى زيادة صعوبة عمليات جمع التمويل، ويُخضعها أكثر لرقابة الجهات التنظيمية، بجانب وضع ثقة الناخبين في رئيس الوزراء ناريندرا مودي تحت الاختبار.
أكد بيتر غارني، رئيس وحدة استراتيجية الأسهم بمصرف "ساكسو بنك" (Saxo Bank) بمدينة هيلروب الدنماركية: "ستكون على الأرجح هذه المشكلة أكبر بالنسبة لسوق الأسهم الهندية صاحبة الأداء الجيد أثناء فترة وباء كورونا، بينما انتهجت الصين سياسة صفر كوفيد. وقد تكون العواقب طويلة الأجل سلبية تماماً".
سيسرع انهيار أسهم "أداني" على الأرجح من تحويل تدفقات الأموال صوب الصين، حيث اكتسبت عملية إعادة فتح الاقتصاد بالبر الرئيسي زخماً مع إنهاء نهج صفر كوفيد. وتشير عملية إعادة توجيه الاستثمار أيضاً إلى أن هناك مجالاً لمزيد من الخسائر، إذ إن أسهم الهند رشحت دائماً في تقارير بحوث المحللين لزيادة وزنها بالمحفظة خلال السنة المُنصرمة.
سوق الصين
مؤشر "إم إس سي آي إنديا" للأسهم الهندية يجري تداوله أعلى بنسبة 80% من مؤشر "إم إس سي آي تشاينا" للأسهم الصينية، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". يأتي ذلك رغم هبوطها حوالي 10% من أعلى مستوياتها التي شهدتها في الأول من ديسمبر الماضي، ما جعلها قريبة للغاية من استيفاء معايير التعريف التقني لحركة التصحيح.
أوضحت جيان شي كورتيسي، مديرة وحدة صناديق الأسهم الصينية والآسيوية بشركة "جيه أيه إم إنفستمنت مانجمنت" (GAM Investment Management) في زيورخ: "تثير صدارة أداني للعناوين الرئيسية للأخبار مستويات عالية من الاهتمام السلبي، ما قد يثبط إقبال المستثمرين على الأسهم الهندية، وقد يضعف هذا من أداء الهند ليبلغ مستوى أقل بالمقارنة مع الأسواق الآسيوية الأخرى على غرار الصين، وهي المنطقة التي تشهد تحولاً إيجابياً في حالات الاقتصاد الكلي وتحسن في ثقة المستثمرين".
بلغ صافي تخارج صناديق الاستثمار العالمية من الأسهم الهندية ملياري دولار خلال 3 أيام حتى الثلاثاء. جاءت التدفقات الخارجة مع تحقيق مؤشر شركة "إم إس سي آي" الخاص بالأسهم الهندية مستوى أداء أقل مقارنة بالمؤشر الآسيوي الأشمل بنحو 15 نقطة مئوية العام الجاري، والذي يُعدّ أكبر فارق خلال فترة ربع سنوية منذ 2004.
ربما يشكل تراجع الأسهم الهندية خلال السنة الجارية فرصة للشراء بالنسبة لبعض المستثمرين.
فرص شراء
أشار هيو يونغ، رئيس وحد ة آسيا بشركة "أبردن" بإدنبرة إلى أن أزمة "أداني" هي "عثرة معتادة" تتعرض لها الأسواق الناشئة من آن لآخر.
أضاف: "عايشنا عثرات لا تُعد على مدى سنوات، ويبدو جلياً أن هذه المرة كبيرة، لكننا مررنا بعثرات كثيرة أكبر منها. إذا وجد شيء يمكن فعله، فهو استغلال ضعف قيم الأسهم في الشراء".
على نحو مشابه، أكد مارك موبيوس وهو خبير محنك بالأسواق الناشئة قضى ما يفوق 3 عقود بشركة "فرانكلين تمبلتون إنفستمنتس" (Franklin Templeton Investments)، أن مشكلات "أداني"، "لم تضر بالجدوى الاقتصادية الكلية للاستثمار بالسوق والاقتصاد الهنديين".
صرح وزير رفيع المستوى الخميس بأن اقتصاد الهند سيصمد أمام تراجع الأسهم الذى وقع جرّاء اتهامات لمجموعة "أداني"، بينما سيكون أي تأثير على عموم أسواق الأسهم قصير الأمد.
الأداء الأسوأ
تحتل أسهم مجموعة "أداني" في الوقت الحالي المرتبة رقم 8 من بين أسوأ 10 شركات من حيث الأداء بمؤشر "إم إس سي آي" لأسهم آسيا والمحيط الهادئ خلال العام الجاري.
هبطت السندات المُصدرة من قبل بعض شركات المجموعة لمستويات معسرة في تعاملات الأسواق الأميركية، في حين سحبت الشركة الرئيسية الأربعاء طرحها العام الأوّلي للأسهم بقيمة 200 مليار روبية (ما يعادل 2.4 مليار دولار).
وَضْعُ حدٍّ للأضرار التي تلحق بثقة المستثمرين هو التحدي الذي يواجه السلطات الهندية حالياً، وهي تواجه هذا التحدي عبر مواصلة خطط تعزيز النمو الاقتصادي عن طريق الإنفاق على مشروعات البنية التحتية وإجراءات تحسين معدلات الاستهلاك، وجرى التأكيد على كلا الأمرين في الميزانية المعلنة الأسبوع الجاري.
منذ تولي مودي مقاليد الحكم، كانت "أداني" رمزاً يجسد الجهود المبذولة من قبل إدارته لتحسين البنية التحتية للبلاد وقطاع التصنيع المحلي.
ربما تؤثر العلاقة الوثيقة الملموسة التي تربط رئيس الوزراء الهندي بأداني سلباً على شعبيته خلال فترة الاستعداد للانتخابات العامة المقبلة المزمع إجراؤها قبل مايو 2024.
أوضح غاري دوغان، الرئيس التنفيذي لشركة "غلوبال سي آي أو أوفيس" (Global CIO Office) في سنغافورة: "تسير الأمور بسرعة هائلة في السوق، مع إمكانية حدوث عملية إعادة تقييم ضخمة من المستثمرين الدوليين لمخاطر الاستثمار بالأسهم الهندية، وستتضمن هذه العملية معايير الحوكمة ومستوى شفافية الشركات وممارسات المحسوبية وحجم المديونية".