بلومبرغ
تتجه الطروحات العامة الأولية نحو أطول فترة جفاف لها منذ الأزمة المالية العالمية، ولا يتوقع المصرفيون لها انتعاشاً في أي وقت قريب.
أدى مزيج من ارتفاع التضخم ورفع أسعار الفائدة بهدف ترويضه إلى الإضرار بتقييمات سوق الأسهم وإضعاف شهية المستثمرين للشركات عالية النمو المرشحة للطرح العام الأولي التي قادت عقد الصفقات في السنوات الأخيرة.
عمليات إدراج الأسهم للتداول العام جمعت 207 مليارات دولار فقط هذا العام، بانخفاض 68% مقارنة بالعام الماضي، حيث لم تتمكن الزيادة في الطروحات بكل من الصين والشرق الأوسط من تعويض الجمود الذي أصاب السوق في أميركا.
قال إدوارد بيون، الرئيس المشارك لأسواق رأس المال الآسيوية باستثناء اليابان في "غولدمان ساكس غروب" : "هناك شيئان مطلوبان لاستئناف نشاط سوق رأس المال، وهما: الاستقرار حول التضخم , والوضوح بشأن مسار الزيادة في أسعار الفائدة". وأضاف: "بمجرد الاطمئنان إلى أن التضخم بلغ ذروته ووضوح توقعات أسعار الفائدة -الذي من المرجح أن يحدث في الربع الثاني من العام المقبل- سنرى السوق تمضي قدماً".
التراجع في طروحات هذا العام هو الأسوأ منذ أن تراجعت قيم الطروحات الأولية للاكتتاب العام بنسبة 73% في عام 2008، وفقاً لبيانات "بلومبرغ". يأتي ذلك في أعقاب طفرة عام 2021، عندما أدى بلوغ أسواق الأسهم ذروتها والنشاط المحموم في إدراج شركات الشيك على بياض في الولايات المتحدة إلى استقطاب اكتتابات غير مسبوقة بقيمة 655 مليار دولار. لكن منذ ذلك الحين، فقدت شركات التكنولوجيا ذات النمو المرتفع التي ليس لها سبيل إلى الربحية جاذبيتها بينما تواجه شركات السلع الاستهلاكية عزوفاً من المستثمرين عن دعمها مع ارتفاع التضخم.
ليس من المفيد أن كثيراً من الشركات التي لمع نجمها في طروحات العام الماضي أصبحت غارقة في الوقت الراهن. فقد انخفض متوسط قيم الشركات التي بدأ تداولها في السوق الأميركية في عام 2021 بنسبة 19% منذ طرحها للاكتتاب العام، ومن بينها شركة "ريفيان أوتوموتيف" (Rivian Automotive Inc) التي كانت تحظى بجاذبية كبيرة في السابق، وانخفضت أسهمها بنسبة 70% تقريباً.
جفاف الإصدارات بالولايات المتحدة
كانت سوق الاكتتاب العام في الولايات المتحدة من أكبر الأسواق هبوطاً، متأثرة بانهيار صفقات الشيك على بياض التي كانت وراء الارتفاعات في عام 2021. أحجام الإصدارات البالغة 24 مليار دولار هي الأدنى منذ عام 1990 ومنخفضة بنسبة 93% عن عام 2021، حيث يقول مصرفيون إن المستثمرين سيفضلون أسهم الشركات المستقرة العام المقبل.
رجّح مصرفيون أن تستمر السوقان اللتان حققتا أداءً جيداً في عام 2022، وهما الصين والشرق الأوسط، في هذا الأداء، على الرغم من أن الدولة الآسيوية تشهد ارتفاعاً في عدد الإصابات في الوقت الذي تخفف القيود المفروضة بسبب "كوفيد"، بينما يدفع التراجع في أسعار النفط أسواق الأسهم إلى الهبوط في دول الخليج.
قال ماندي زو، رئيس قسم الخدمات المصرفية العالمية في "يو بي إس غروب" (UBS Group AG) بالصين: "نظراً لأن الحكومة الصينية تخفف اللوائح الخاصة بقطاع العقارات، ونشهد اتجاهاً واضحاً لتخفيف قيود كوفيد، فإننا نتوقع انتعاشاً في السوق. ونشهد بالفعل زيادة في الأنشطة لكل من الأسواق الداخلية والخارجية".
تحدّت الشركات في بر الصين الرئيسي أزمة العقارات المستمرة وموقف "صفر كوفيد" في البلاد، حيث جمعت 92 مليار دولار من الطروحات الأولية هذا العام، في حين أن الشركات في الشرق الأوسط حققت ما يقرب من 23 مليار دولار.
كانت المطالبات بزيادة رأس المال من قِبل الشركات التي تسعى إلى دعم ميزانياتها العمومية بمثابة تغريد خارج السرب في عام اتسم بالقتامة بخلاف ذلك على مستوى العالم بالنسبة لمصرفي أسواق رأس المال، وستستمر هذه المطالبات مع زيادة تكلفة الديون وتباطؤ الاقتصادات. أُطلقت إصدارات أسهم إضافية بما يقرب من 716 مليار دولار هذا العام، أي أقل بقليل من الرقم القياسي لعام 2021 وهو 759 مليار دولار.
نظرة إلى المستقبل
مع ذلك، ففي ظل تبديد بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع أي أمل في الميل إلى التيسير النقدي، فإن قلة هم من يتوقعون انتعاشاً سريعاً لعمليات الطرح الأولي للاكتتاب العام.
قال غاريث مكارتني، الرئيس المشارك العالمي لأسواق رأس المال في "يو بي إس": "نتوقع أن نشهد تطبيعاً بطيئاً في سوق الطروحات العامة خلال 2023. لا يوجد مسار واضح لإصدار متعثر أو نمو حتى الآن، وسيكون طلب المستثمرين انتقائياً في كل منتج".
رجّح مكارتني أن تكون الولايات المتحدة أول من يتعافى، مشيراً إلى أن هناك دلائل مبكرة على انتعاش بها مع زيادة نشاط الصفقات الضخمة. ومن بين الطروحات الأولية التي يراقبها المستثمرون لهذا العام، صفقة لشركة "إيبيك غيمز" (.Epic Games Inc) المالكة لـ"فورتنايت" (Fortnite)، وعملاق التوصيل "إنستاكارت" (.Instacart Inc)، وشركة المستلزمات الرياضية بالتجزئة "فاناتيكس" (.Fanatics Inc).
قال مكارتني إن أوروبا ستتبع المسار نفسه، في حين أن تعافي آسيا سيعتمد على إعادة فتح الصين وليس على اتجاه التضخم.
من جانبه، قال أندرياس بيرنستورف، الذي يرأس أسواق رأس المال في "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas SA): "نتوقع أن تظهر عمليات الإدراج في العام المقبل على فترات متقطعة، ويمكن تصوّر حدوث ذلك في أقرب وقت بالربع الأول، لكن سوق الاكتتاب العام لن تكون مفتوحة إلا لعدد قليل من القطاعات. من المرجّح أن يكون الطلب على قطاعات القيمة والدورية، في ظل الوضعية الجيدة التي تحظى بها شركات تحوّل الطاقة وتكنولوجيا المناخ على وجه الخصوص والتي تؤهلها لجذب طلب قوي".
من المتوقع أن تشهد الصين مجموعة من الصفقات العام المقبل، بينما في الشرق الأوسط اختارت شركة "بترول أبوظبي الوطنية" البنوك لقيادة الطرح العام لشركة الغاز الطبيعي التابعة لها في العام المقبل، فيما قد يكون أحد أكبر الطروحات العامة في المدينة. وفي لندن، لا يدخر المصرفيون والجهات التنظيمية وسعاً من أجل المحافظة على إدراج شركات التكنولوجيا بالسوق المحلية، خاصة أن "سوفت بنك غروب" (SoftBank Group Corp) قررت إدراج "آرم" (Arm Ltd) مصممة الرقائق بالمملكة المتحدة، في بورصة نيويورك.
تأجيل أو إلغاء الصفقات
في ظل تأجيل أو إلغاء العديد من الصفقات، فإن مسار الاكتتابات يتخذ فترة أطول للتنفيذ. فمن بين الشركات التي أجّلت عمليات طرح أسهمها هذا العام ذراع الطاقة المتجددة الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات لشركة "إيني" (Eni SpA) الإيطالية و"إيه بي بي" (.ABB Ltd) التي جمعت في يونيو بعض الأموال بشكل خاص من أجل الطرح المتأخر بقيمة 750 مليون دولار لوحدتها في مجال شحن السيارات الكهربائية.
في الولايات المتحدة، تقدمت "فين فاست" (VinFast)، وهي شركة صناعة السيارات الكهربائية المدعومة من أغنى رجل في فيتنام، بطلب اكتتاب عام يمكن أن يجمع ما لا يقل عن مليار دولار، أملاً في الاستفادة من الطلب على أسهم الطاقة النظيفة، في حين أن الشركة الناشئة الأكثر قيمة في الهند وعملاق التعليم عبر الإنترنت "بايجوز" (Byju's)، تضع اللمسات الأخيرة على خطط قائمة بقيمة مليار دولار لطرح وحدة أنشطتها التعليمية "آكاش إديوكايشنال سيرفسز" (Aakash Educational Services) للخدمات التعليمية.