بلومبرغ
انكمش الاقتصاد الياباني في الربع الثالث من العام الجاري انكماشاً غير متوقع بعد أن أضر التراجع التاريخي للين بزخم النمو الاقتصادي، مهدداً فرص البلاد في التعافي من آثار جائحة كورونا وسط زيادة مخاوف التباطؤ على مستوى العالم.
أظهرت أرقام مكتب مجلس الوزراء الياباني اليوم الثلاثاء أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بمعدل سنوي بلغ 1.2% في الربع الثالث ، وهوى إلى الاتجاه العكسي للمرة الأولى منذ العام الماضي، بعد أن تسبب ضعف العملة في تضخم فاتورة الواردات.
كان الخبراء يتوقعون أن يحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 1.2%.
يعكس الانكماش المفاجئ تأثير تراجع العملة اليابانية على الاقتصاد، ويظهر أن الطريق نحو التعافي من الوباء ما يزال طويلاً، في حين تخيم المخاطر على التوقعات المستقبلية.
ويأمل المسؤولون اليابانيون أن تساعد حزمة التحفيز الاقتصادي الأخيرة للحكومة على تعزيز النمو خلال الأشهر المقبلة، علاوة على أن إعادة فتح اليابان لحدودها تطرح احتمال زيادة الإنفاق من جانب السياح الأجانب، الذين يزيد إقبالهم على بلاد أصبح السفر والتنقل فيها أقل تكلفة بكثير من غيرها.
ارتفاع تكلفة الواردات
"عندما ينخفض الين بهذه السرعة، تواجه الشركات موقفاً صعباً من حيث إنها تتضرر من ارتفاع تكاليف استيراد الخامات بينما لا يمكنها بسهولة تمرير التكاليف إلى الصادرات عندما يتباطأ الاقتصاد العالمي"، وفق تصريحات هارومي تاغوتشي، كبير الخبراء الاقتصاديين في "ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت انتلجينس" (S&P Global Market Intelligence).
أدى انخفاض الين إلى تضخيم فاتورة الاستيراد المرتفعة بالفعل بالنسبة لليابان التي تحتاج إلى الطاقة، مما أثر على صافي حركة التجارة. وتحركت اليابان في أواخر سبتمبر لدعم العملة للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين بعد أن فقدت أكثر من 20% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية 2022.
واصلت الحكومة تدخلها في الأسواق في أكتوبر، مما رفع فاتورة إنفاقها على هذا التدخل إلى 65 مليار دولار. كان الانخفاض في العملة مدفوعاً إلى حد كبير بالاختلاف بين أسعار الفائدة المنخفضة للغاية عند بنك اليابان وتكاليف الاقتراض المرتفعة بشكل حاد في الولايات المتحدة.
يتمسك بنك اليابان برأيه القائل إن الاقتصاد يحتاج إلى دعم مستمر وإن الضغوط التضخمية تتطلب زيادة كبيرة للأجور لجعل زيادة الأسعار مستدامة ومفيدة للاقتصاد. ولا يتوقع معظم الاقتصاديين أي تغيير محتمل في السياسة النقدية في حين يقضي محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا الأشهر الأخيرة من ولايته التي استمرت عقداً من الزمن.
خوفاً من حدوث انتكاسة أخرى في تعافي اليابان بعد أن تسبب ضعف الين في ارتفاع تكاليف الطاقة وزيادة معدل التضخم، وضع رئيس الوزراء فوميو كيشيدا الشهر الماضي حزمة تحفيز اقتصادي تتضمن مساعدات للحد من أسعار الطاقة للأسر والشركات. ووافق مجلس وزرائه على ميزانية إضافية قدرها 29.1 تريليون ين (207 مليارات دولار) لتمويل هذه الإجراءات.
يقول يوكي ماسوجيما المحلل الاقتصادي في " بلومبرغ إيكونوميكس": " انكمش الاقتصاد حالياً في ثلاثة من الفصول الثمانية الماضية- مما يقدم دليلاً قوياً على أن الطلب غير كافٍ لدفع التضخم المستدام، حتى لو كانت الزيادة في أسعار المستهلك الأساسية الآن أعلى بكثير من مستهدف بنك اليابان".
رأي " بلومبرغ إيكونوميكس"
تباطؤ إنفاق المستهلكين
قلل المسؤولون من شأن هذا الانكماش المباغت، مشيرين إلى بوادر النمو المستمر باستثناء الأثر السلبي الذي تشكله الواردات على الاقتصاد.
"لم يتغير شيء … فما يزال الاقتصاد ينتعش بشكل تدريجي، مدفوعاً بطلب القطاع الخاص"، حسبما قال وزير الاقتصاد شيجيوكي غوتو بعد إعلان انكماش الاقتصاد في الربع الثالث، غير أنه أضاف: "ومع ذلك، ما نزال في حاجة للحذر من تباطؤ الاقتصاد العالمي".
أظهرت البيانات أن إنفاق المستهلكين تباطأ بشكل حاد في الربع الثالث حيث عانت اليابان من موجة كوفيد-19 بمعدل قياسي في الصيف، إذ بلغ عدد حالات الإصابة الجديدة اليومية 200 ألف في أغسطس. في حين أن الحكومة لم تطبق مجدداً القيود المتعلقة بالفيروس هذه المرة، فإن عودة العدوى دفعت بعض الأفراد للامتناع عن الخروج.
تباطأ نمو الإنفاق من جانب الشركات أيضاً، إذ حاولت أن توازن حساباتها على احتمال استمرار التعافي مقابل احتمال حدوث تباطؤ عالمي مع تشديد السياسة النقدية، ذلك أن تشديد السياسة بقيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي يؤدي إلى خفض النشاط.
مثل العديد من نظرائها عالمياً، تعاني اليابان أيضاً من تسارع التضخم الذي يضعف القوة الشرائية للمستهلكين. وفي سبتمبر، تجاوز معدل التضخم في أرجاء اليابان 3% لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، باستثناء تأثير الزيادات الضريبية. ومع ذلك، فإن الأجور الحقيقية آخذة في الانخفاض على مدى ستة أشهر منذ أبريل الماضي.
قال تاغوتشي:"مع انخفاض الأجور الحقيقية، سيكون تأثير التضخم أكبر من الآن فصاعداً. ورغم أن حزمة التحفيز الحكومية قد تعطي دافعاً للاستهلاك ، فلا أعتقد أنها ستكون قوية بما يكفي لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي".
مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي الياباني:
- اقتطع صافي الصادرات 0.7 نقطة مئوية من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس غير سنوي في حين توقع الاقتصاديون أن يقتطع 0.3%.
- زاد الإنفاق الرأسمالي بوتيرة غير سنوية بلغت 1.5% مقابل تقديرات بنسبة 2.2%.
- الاستهلاك الخاص كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تراجع بمعدل 0.3% على أساس فصلي، بما يتماشى مع التقديرات.