الشرق
"يُمكن لصندوق النقد الدولي أن يطالب المغرب بمزيد من الخطوات بشأن تحرير سعر صرف الدرهم، لكنَّنا طلبنا منهم بالمقابل ألاّ يلحّوا على ذلك"؛ بحسب والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري اـ"الشرق".
محافظ "المركزي" المغربي برّر هذا الموقف، في مقابلة على هامش مشاركته باجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن التي أجراها الإعلامي محمد فتحي، بأنَّ "سعر الدرهم غير مبالغ فيه أولاً، ومواكب لوضعية البلاد الاقتصادية. كما أنَّ لدينا نسيجاً اقتصادياً يقوم على الشركات الصغرى بنسبة 90%، والمتوسطة 9%، والشركات الكبرى 1%، وبالتالي؛ فإنَّ هذا النسيج غير مهيّأ لتحريك سعر الصرف ولا سعر الفائدة بوتيرة متسارعة".
بدأ المغرب تحرير سعر صرف الدرهم عام 2018 باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي 2020، تمّ توسيع النطاق إلى حدود 5% ارتباطاً بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%.
يستمر صندوق النقد الدولي بالإصرار على دعوة السلطات المغربية إلى المرور نحو مرحلة جديدة من التحرير لاستهداف التضخم. لكنَّ بنك المغرب يبدي تحفظاً حيال الأمر ويَعتبر أنَّ الوقت غير مناسب خصوصاً في الظروف الحالية.
الجواهري أفصح لـ"الشرق" أنَّ تحرير سعر الدرهم نال حيزاً مهماً من المناقشات مع الصندوق، فقد "أوضحنا أنَّ أيّ خطوات متسرّعة على صعيد سعر الصرف أو الفائدة يمكن أن تجرّنا لمتاعب، بينما هدفنا الأساسي أن تمرّ الأزمة الحالية.. كما أكّدنا عليهم ألاّ ينظروا إلى الأمور من منظور الاقتصادات الكبرى فحسب؛ فلكل سوق خصوصيتها".
وزارة الاقتصاد والمالية المغربية كانت أفادت عند اعتماد الآلية الجديدة لسعر الصرف، قبل عامين، أنَّ الهدف هو "تقوية مناعة الاقتصاد الوطني بمواجهة الصدمات الخارجية، ودعم تنافسيته، والمساهمة في رفع مستوى النمو".
سيناريوهات الفائدة
والي بنك المغرب كشف، خلال المقابلة مع "الشرق"، عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي "لا للحصول على قرض آني؛ وإنما على خط ائتمان احتياطي دون أن نقوم بسحب الأموال حالياً، إذ لدينا رصيد من العملة الأجنبية يغطي واردات البلاد لمدّة 6 شهور".
كان المغرب قد حصل على خط ائتمان وقائي من الصندوق عام 2018 بقيمة 3 مليارات دولار، ولم يقم بسحب المبلغ إلا في 2020 إبّان جائحة كورونا.
بالنسبة لتوقُّعات رفع الفائدة عند اجتماع مجلس البنك المركزي المقبل في ديسمبر، أوضح الجواهري أنَّ القرار غير محسوم بهذا الشأن؛ "فمن الصعب الإعلان عن خطوات استباقية لأنَّ الأوضاع متقلّبة داخلياً وخارجياً. لذلك؛ قررنا كبنك مركزي التعامل مع الواقع كل 3 شهور واتخاذ القرار المناسب بحسب الظروف".
رفع بنك المغرب، أواخر سبتمبر، سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى 2% بعد تريث دام عدّة شهور بسبب وصول التضخم لمستويات قياسية لم تشهدها المملكة منذ عقود.
بدأت وتيرة ارتفاع التضخم في البلاد منذ سبتمبر 2021 لتصل 8% في أغسطس، على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ مارس 1992، في حين بلغ متوسط معدل التضخم للشهور الثمانية الأولى من العام الحالي 5.8%.
لم يرفع "المركزي" المغربي سعر الفائدة الرئيسي منذ عام 2008، كما لم يحرّكها منذ شهر يونيو 2020 عندما خفّضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5%.
بحسب الجواهري؛ فإنَّ رفع الفائدة في سبتمبر يعود إلى سببين، الأول؛ يتمثل في أنَّ التوقُّعات بتسجيل التضخم 5.7% في العام الحالي، وانخفاضه إلى 2% العام المقبل، هي تقديرات لم تعد قائمة، حيث يُتوقَّع أن يرتفع التضخم إلى 6.3% هذا العام و3.4% العام المقبل، وهو المبرر الأول الذي اعتمده بنك المغرب لرفع الفائدة. علماً أنَّ التقديرات الرسمية الأخيرة للبنك المركزي كانت تشير إلى تضخم بواقع 2.4% في 2023.
المبرر الثاني الذي كان حاسماً في رفع الفائدة، يتمثل في كون التضخم لم يعد مستورداً من الخارج فقط؛ بل تسرّب إلى سلع وخدمات داخلية، وهو ما دفع بنك المغرب للخروج من سياسة التريث لاتخاذ خطوة لكبح انتشار التضخم لتفادي الوصول إلى تضخم مرتفع ومستدام.