بلومبرغ
مراقبة طريقة تعامل بنك الشعب الصيني مع نظام "التعويم المُدار" لسوق الصرف الأجنبي ليست مسألة سهلة، فالبنك المركزي يمتلك أدوات متنوعة تحت تصرفه، منها علنية وأخرى سرية. بعضها أكثر شفافية، مثل السعر المرجعي اليومي، وبعضها غامض، مثل احتمال أن تطلب السلطات الصينية من البنوك سراً عدم المراهنة ضد اليوان في تعاملاتها بممتلكاتها الخاصة لصالح نفسها، أو تداول الملكية (proprietary trading). ومع انخفاض العملة باتجاه 7 يوان مقابل الدولار، فمن المتوقع أن تراجع سلطات الصين الأساليب المتاحة لوقف الرهانات أحادية الاتجاه ضد اليوان.
1. ما أهمية تحديد السعر يومياً؟
إن تحديد السعر المرجعي هو أكثر الأدوات وضوحاً لدى بنك الشعب الصيني للتأثير على العملة. وفيه يحدّد البنك سعراً مرجعياً لكل يوم تداول عند الساعة 9:15 صباحاً بتوقيت بكين، حيث يُسمح لليوان بالتحرك بنسبة 2% صعوداً أو هبوطاً عن هذا السعر، الذي يأخذ في الاعتبار عوامل تشمل الإغلاق الرسمي لليوم السابق في الساعة 4:30 مساءً، وتحرك اليوان مقابل سلة من العملات والتغيرات في أسعار الصرف الرئيسية الأخرى. لذلك، فإن التشجيع على الانخفاض عند الإغلاق الرسمي يسمح للبنك المركزي بتحديد سعر مرجعي أضعف دون إرسال إشارة قوية بشأن السياسة النقدية أو زعزعة الأسواق. إن إحدى طرق إدراك ومعرفة إشارة السياسة النقدية الكامنة في تحديد السعر المرجعي هي مقارنته مع توقعات السوق. وعادةً ما يُعتبر السعر المرجعي الأقوى أو الأضعف من المتوقع إشارة ترسلها بكين.
2. كيف تطوّر ت عملية تحديد السعر؟
مرت عملية تحديد السعر المرجعي بعدة جولات من الإصلاح على مر السنوات، بهدف جعلها أكثر شفافية ومستندة إلى السوق. وقد بدأت الصين في السماح لليوان بالتداول في حدود 0.3% من سعر التثبيت أمام الدولار في يناير 2006، لترتفع هذه النسبة حتى تصل إلى 0.5% في مايو من العام التالي، وإلى 1% في أبريل 2012، و2% في مارس 2014. وفي أغسطس 2015، خفّضت الصين قيمة اليوان المحلي فيما اعتُبر أكثر إصلاحات الصرف الأجنبي دراماتيكية منذ عقد. وفي محاولة لجعل تحديد السعر أكثر شفافية، عرض بنك الشعب الصيني العوامل التي تحتاج البنوك إلى أخذها في الاعتبار عند تقديم أسعارها.
3. كيف يمكن لبنك الشعب الصيني توجيه عملية تحديد السعر المرجعي؟
في عام 2017، أدخل بنك الشعب الصيني "عاملاً معاكساً للتقلبات الدورية" في صيغ تحديد الأسعار التي تستخدمها البنوك التجارية لاحتساب السعر المرجعي اليومي لبكين والمساهمة في تقريره. وقد اتُّخذت هذه الخطوة لتجنب تحديد سعر اعتبره البنك المركزي ضعيفاً للغاية في ذلك الوقت. تمّ إلغاء هذا العامل ثم أُعيد استخدامه في 2018، قبل أن تتوقف مؤسسات الإقراض في أكتوبر 2020 عن استخدامه. وظهرت تكهنات السوق بإعادة تطبيقه لدعم اليوان في عام 2022 حيث اتسعت الفجوة بين الأسعار التي يتم تحديدها والأسعار المتوقعة إلى مستويات لا يمكن تفسيرها بالحسابات القائمة على نموذج تحديد الأسعار العادي. واعتباراً من بداية سبتمبر الجاري لم يكن هناك أي تأكيد رسمي في هذا الصدد. وقيل إن بعض البنوك التي تقدم عروضاً لتحديد الأسعار قد عدّلت نماذجها لتستند على ضعف اليوان في أغسطس، دون أن تنسب التغيير إلى إعادة تطبيق الأداة.
4. ماذا يستطيع أن يفعل البنك المركزي غير ذلك؟
أحد أحدث الأدوات لدى بنك الشعب الصيني هي ما يُسمّى بـ"نسبة الاحتياطي الأجنبي الإلزامي" التي تحدّد كمية الودائع بالعملات الأجنبية التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها كاحتياطيات. يسمح تغيير هذه النسبة للبنك المركزي بضبط سيولة العملات الأجنبية في النظام المصرفي، إذ سيؤدي، على سبيل المثال، خفض النسبة إلى زيادة المعروض من العملات الأجنبية، وبالتالي دعم اليوان. رفع بنك الشعب الصيني هذه النسبة مرتين في عام 2021، بما في ذلك زيادة إلى 7% من 5% في مايو من ذلك العام، وأخرى إلى 9% من 7% في ديسمبر، قبل خفضها إلى 8% في أبريل 2022. قبل هذه التغييرات، كانت هذه النسبة ثابتة دون تغيير منذ عام 2007.
5. ماذا عن التدابير الأقل اتساماً بالطابع الرسمي؟
المسؤولون الصينيون لا يترددون في رفع أو خفض قيمة عملتهم عند الحاجة. والخط المعياري عند بنك الشعب الصيني بشأن العملة هو أن يبقى اليوان مستقراً بشكل أساسي عند مستويات متوازنة ومعقولة. ومع ذلك، ففي يناير 2022، عندما كان اليوان عند أعلى مستوياته منذ عام 2018، قال ليو غووكيانغ، نائب حاكم بنك الشعب الصيني إن "عوامل السوق والسياسة ستساعد في تصحيح أي انحراف قصير الأجل عن مستوى التوازن". بالإضافة إلى ذلك، فمن أجل توجيه توقعات السوق، يميل بنك الشعب الصيني إلى الاستشهاد ببيانات صادرة عن لجنة الصرف الأجنبي بالصين، وهي مؤسسة تمثّل القطاع أسسها المشاركون الرئيسيون في السوق المحلية تحت إشراف من الجهات التنظيمية. بعض الإرشادات الصادرة عن اللجنة ربما تكون موجهة إلى تداولات محددة. ففي نوفمبر 2021، دُعيت مؤسسات الإقراض إلى مراجعة حجم تداول الملكية من أجل "تحسين إدارة المخاطر"، وهي ملاحظة تلاها انخفاض كبير في حجم التداول الفوري المحلي بين الدولار واليوان.
6. ما الذي يمكن فعله لمواجهة المضاربة؟
زيادة تكلفة المراهنة ضد اليوان الخارجي كانت ذات يوم أسلوباً مفضلاً عندما أرادت الصين وقف الانخفاض في قيمة العملة، كما حدث في عامي 2016 و2018. والسبيل إلى ذلك هو تخفيض السيولة، حيث تعد هونغ كونغ هي أكبر سوق لذلك إلى حد بعيد، وبالتالي يضطر المتعاملون إلى دفع أسعار فائدة أعلى مقابل اقتراض اليوان. ويمكن تحقيق ذلك من خلال دفع البنوك الوكيلة إلى شراء العملة أو رفض إقراض البنوك الأخرى مما لديها من معروض. ويمكن لبنك الشعب الصيني أيضاً زيادة إصدار سندات المقومة باليوان في هونغ كونغ. وبالنسبة إلى السوق المحلية، كانت لدى بنك الشعب الصيني أدوات إضافية لزيادة التكاليف بالنسبة للمراهنين على هبوط اليوان. وخلال الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عام 2018، عندما انخفض اليوان إلى نحو 7 لكل دولار، فرض البنك المركزي احتياطي مخاطر إلزامي بنسبة 20% لتداول العقود الآجلة لتخفيف موجة شراء العملات الأجنبية في السوق الآجلة خارج المقصورة. واستمر العمل بهذه القاعدة لمدة عامين حتى ألغاها بنك الشعب الصيني في عام 2020 بعد أن انتعش اليوان.
7. ماذا عن ضوابط رأس المال؟
تُعدّ السيطرة على تدفق الأموال داخل البلاد وخارجها أحد أكثر الأدوات فجاجة. فقد تحركت الصين للحدّ من التدفقات الخارجة في أعقاب تخفيض قيمة اليوان في عام 2015، وفرضت قيوداً على كل شيء، بدءاً من عمليات الاستحواذ الخارجية من قبل الشركات الصينية إلى المستهلكين الذين يشترون وثائق التأمين في هونغ كونغ، ولم تكن هناك مؤشرات تُذكر على التوقف عن ذلك. وعلى العكس من ذلك، شجعت الحكومة التدفقات الوافدة خلال عام 2021 من خلال إطلاق قنوات جديدة مع هونغ كونغ لمستثمري البر الرئيسي للصين للاستفادة من سوق السندات الخارجية ومنتجات إدارة الثروات. ومع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تشديد السياسة النقدية في عام 2022، طُلب من الشركات الحكومية الصينية توخّي مزيد من الحذر عند دراسة خطط الإنفاق والاستثمار الخارجية الجديدة. ويمكن للبنك المركزي أيضاً تعديل حدود الاقتراض أو الإقراض الخارجي للمؤسسات المالية والشركات، حيث كانت أحدث هذه التحركات سُجّلت في أوائل عام 2021.
8. ماذا عن الاحتياطيات الأجنبية؟
تُعدّ احتياطيات الصين من العملات الأجنبية ضمن أكبر الاحتياطيات على مستوى العالم، حيث يتجاوز حجمها 3 تريليونات دولار. وقد باع صانعو السياسة النقدية مليارات الدولارات في أعقاب تخفيض قيمة العملة في عام 2015 بهدف دعم اليوان. وفي حين يمكن أن يشكّل ذلك مؤشراً مهماً، فإنه يتأثر أيضاً بالمكاسب الكبيرة للدولار، والتي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض قيمة الاحتياطيات المُعلنة في الصين. وهذه الانخفاضات ليست بالضرورة نتيجة للتدخل في أسواق العملة، بل لأن الأصول غير الدولارية في احتياطيات الصين ستكون قد انخفضت قيمتها مقابل الدولار.