الشرق
سيطرت على الأسواق خلال تعاملات الثلاثاء موجة من العزوف عن الأصول الخطرة، في ظل سيادة المخاوف بين المستثمرين من دخول الاقتصاد العالمي في موجة من الركود مع توجه البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة بشكل متتالي للسيطرة على أسوأ موجات التضخم منذ عقود.
قفز الدولار الأميركي ليسجل أعلى مستوى منذ أكثر من عامين، في الوقت الذي هبطت فيه أسعار النفط صوب مستوى 100 دولار للبرميل، كما سجل اليورو أدنى مستوياته أمام الدولار منذ نحو عقدين. وعلى صعيد المعادن، هبط النحاس اليوم ليسجل أدنى سعر منذ 19 شهراً، في الوقت الذي تراجع فيه الذهب لأدنى مستوياته منذ أكثر من ستة أشهر.
وفيما يخص الأسهم الأميركية، هوى مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنحو 2% خلال النصف الأول من الجلسة، قبيل أن يدعمه ارتفاع أسهم التكنولوجيا ليقلص خسائره ويغلق على ارتفاع طفيف بلغت نسبته 0.2%، في الوقت الذي أغلق فيه مؤشر "ناسداك 100" صاعداً بنسبة 1.7%.
وعلى صعيد السندات، ارتفع مقياس التقلب الذي تتم مراقبته عن كثب إلى أعلى مستوياته منذ مارس 2020، حيث يتنقل المستثمرون بين التوقعات المتضاربة للأداء الاقتصادي، قفز العائد على سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات بقدر 10 نقاط أساس إلى 2.98% في التداولات بالخارج، فقط لعكس المسار والانخفاض إلى 2.78%. انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عامين، المرتبط بشكل أكبر بسعر سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، بما يصل إلى ست نقاط أساس فقط، مما يجعله أعلى قليلاً من عائد السندات لأجل 10 سنوات للمرة الأولى منذ منتصف يونيو.
تباطؤ عالمي
يتخوف المستثمرون من الركود المحتمل في الولايات المتحدة، والتضخم العنيد. قال شون كروز، كبير استراتيجيي التداول في "تي دي أميرتريد" (TD Ameritrade) في تصريحات لبلومبرغ: "ما يسعّره السوق الآن هو تباطؤ عالمي أوسع نطاقاً". تبلغ احتمالات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة في العام المقبل 38%، وفقاً لآخر توقعات بلومبرغ إيكونوميكس.
دفع القلق المتزايد بشأن الركود المستثمرين إلى الإقبال على أصول الملاذ الآمن، ليتوحش الدولار ويصل لأعلى مستوياته منذ عامين، ليرتفع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري، الذي يقيس أداءه أمام سلة من العملات الرئيسية، بما يصل إلى 1.2%، وكان في طريقه لتسجيل أفضل يوم له منذ يونيو 2020، ما دفع اليورو إلى بلوغ أضعف مستوى له منذ ما يقرب من عقدين مقابل الدولار، و قال كريستيان شولز، مدير قسم الأبحاث الأوروبية في "سيتي غروب غلوبال ماركتس" في مقابلة مع "الشرق": إنَّ "مخاطر الركود في منطقة اليورو مازالت مرتفعة، ويأتي في مقدّمتها التضخم، الذي يختلف عن التضخم في الولايات المتحدة، كونه ينجم عن عوامل خارجية"، كاضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والأزمة الروسية-الأوكرانية.
"سيتي" و"دويتشه": مخاطر الركود في أوروبا وبريطانيا باتت أكثر ارتفاعاً
في أوروبا، انخفضت الأسهم إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2021 قبل موسم الأرباح، والذي سيراقبه المستثمرون عن كثب لمعرفة ما إذا كان نمو أرباح الشركات يمكنه التعامل مع قيود التضخم والعرض.
كما استقال وزير الخزانة ريشي سوناك، ووزير الصحة ساجد جافيد، من الحكومة البريطانية في ضربة مزدوجة لرئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي أثار غضب حزب المحافظين بسبب تعامله مع فضيحة الحزب الأخيرة.
ومع صعود الدولار، تراجع الذهب ليسجل أدنى مستوياته منذ أكثر من ستة أشهر إلى 1،774.26 دولار للأوقية، بعد أن لامس في وقت سابق أدنى مستوى منذ منتصف ديسمبر 2021.
هبط النحاس اليوم ليسجل أدنى سعر منذ 19 شهراً، مع استمرار خسائر المعادن بعد أن أدّى تزايد المخاوف من ركود الاقتصاد العالمي إلى إضعاف توقعات الطلب على السلع.
قال نيل دوتا، رئيس قسم الاقتصاد في "رينيسانس ماكرو ريسيرش": "هذه تعاملات ركود.. ليست هناك طريقة أخرى لوصف ذلك". أوضح دوتا، مراقب الاقتصاد الذي تتم متابعته على نطاق واسع في الأسواق المالية: "لسنا في ركود الآن، لكنْ تعدّ الأسواق آلية خصم، وأعتقد أنَّ الأسواق ترى أنَّ الاقتصاد من المحتمل أن يتجه إلى واحد أو يقترب من أن يكون كذلك.. لقد قطعنا شوطاً في تسعير حالة الركود بالأسواق، لكنَّني لا أعتقد أنَّنا وصلنا بعد".
وتقهقر النفط إلى مستوى 100 دولار، بعد أن هبط خام برنت بنحو 10% إلى 102.77 دولار للبرميل، فيما خسر خام غرب تكساس الوسيط 8.93 دولار ليصل إلى 99.5 دولاراً للبرميل. ويأتي هذا الأداء بعدما توقع "سيتي غروب" أن ينخفض سعر برميل النفط الخام إلى 65 دولاراً هذا العام في حال حدوث ركود، وهو ما يتناقض تماماً مع السيناريو الذي رسمه "جيه بي مورغان" عند 380 دولاراً للبرميل.
واصلت المعادن الثمينة الهبوط، مع انخفاض الذهب بنسبة 2.3% أمام قوة الدولار، وتراجعت الفضة 4.2% بينما انخفض البلاتين 2.6%.