اقتصادات العالم تدفع ثمن أخطاء البنوك المركزية المدمرة

time reading iconدقائق القراءة - 9
بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يتجه لرفع  أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس اليوم  - المصدر: بلومبرغ
بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يتجه لرفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس اليوم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حتى عقب إدراك البنوك المركزية أنها أخطأت في عمليات توصيف معدلات التضخم الخاصة بها خلال العام الماضي، واصلت تقويض الإرشادات التوجيهية المتعلقة بالسياسة النقدية، ما ينذر بالتسبب في ضرر أكبر لمصداقيتها، وإزعاج الأسواق وإضعاف التعافي من وباء كورونا.

طالع أيضاً: الاحتياطي الفيدرالي قد يخاطر بمستقبل الاقتصاد إذا فشل في كبح التضخم اليوم

تشير التوقعات في الوقت الراهن إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيزيد من أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال اليوم الأربعاء، عقب أسابيع فقط من إعلان رئيس البنك جيروم باول وفريق عمله مرات عديدة عن زيادة بمقدار نصف نقطة مئوية. يعد ذلك الأحدث ضمن سلسلة أخطاء، بداية من النظر للتضخم العالي على أنه أمر "مؤقت" خلال السنة الماضية ووصولاً إلى الإسراع في وقف برنامج شراء السندات لتسريع عملية تخفيض الأصول في محفظة السندات.

طالع المزيد: التضخم قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة 75 نقطة

انتقلت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في الآونة الأخيرة لموقف أكثر تشدداً مما ألمحت إليه في السابق، وكان بنك الاحتياطي الأسترالي من بين أولئك الذين زادوا من أسعار الفائدة بطريقة أسرع مما نوه عنه صناع السياسة النقدية.

تعويض الخطأ السابق

يلقي المستثمرون تقديراتهم لأن القلق يساورهم من أن السباق لتعويض الخطأ السابق في التنبؤ يرفع من مخاطر حدوث حالات ركود. دخلت الأسهم على مستوى العالم في سوق هابطة، وحققت عائدات سندات الخزانة الأميركية يوم الاثنين الماضي، أكبر صعود لها خلال يومين منذ فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وكشفت أسواق الائتمان عن وجود مؤشرات تدل على تنامي الضغوطات.

تسفر الحماقات التي وقع فيها المحنكون من صناع السياسة النقدية عن تشويه سمعة قيامها بضمان تحقيق استقرار الأسعار ومنع دوامات صعود تضخمية من هذا النوع التي ضربت مستويات الدخل للطبقة الوسطى في فترة السبعينيات من القرن الماضي. يؤدي فقدان المصداقية إلى وجود احتياج لتدابير سياسية نقدية أوسع لتخفيف ضغوطات الأسعار.

طالع أيضاً: مستثمرون ومؤسسات يرجحون رفع أسعار الفائدة الأميركية من 0.75% إلى 1.75%

الاستعداد للإبحار

قالت سايوري شيراي، العضوة السابقة بمجلس إدارة بنك اليابان المركزي والتي تعمل حالياً أستاذة لدى جامعة كيو: "وقعت البنوك المركزية في ورطة". أضافت: " تتطلب عملية استرداد الثقة من البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة" بالقدر الكافي للحد من معدلات التضخم، وهذا "ربما يسفر عن تباطؤ أكثر في التعافي الاقتصادي".

يسهم الاعتقاد السائد وسط العائلات والشركات بأن البنوك المركزية ستنجح في إحراز أهداف التضخم الخاصة بها مع مرور الزمن في الحد من ضغوطات الأسعار. ربما تمتنع العائلات عن بعض عمليات الشراء، وهي على ثقة من أن بعض الأسعار ستتراجع في الوقت الملائم. وسيكون هناك احتمال أقل لقيام العمال بإضافة مطالب تتعلق بالحصول على تعويضات لتكلفة المعيشة المرتفعة أثناء محادثات الأجور.

أظهر صناع السياسات النقدية حتى وقت قريب أنه جرى احتواء توقعات التضخم في الأجل البعيد، ما يعد دليلاً على مصداقيتهم. بين رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو تشارلز إيفانز خلال شهر مارس الماضي أن معدلات التضخم في الوقت الحاضر ليست على غرار فترة الثمانينيات من القرن الماضي نظراً لأن السياسة النقدية التيسيرية المفرطة خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ساعدت على تعاظم توقعات التضخم في الأجل البعيد.

كشف مؤشر جامعة ميشيغان الخاص بتوقعات الأسعار في الأجل البعيد، يوم الجمعة الماضية عن وجود ثغرة هائلة في تلك السردية، حيث ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ صعود أسعار النفط خلال سنة 2008.

اقرأ أيضاً: العريان: "الاحتياطي الفيدرالي" فقد مصداقيته لدى الأسواق والشعب الأمريكي

من غير الممكن الإلقاء باللائمة على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وأقرانهم لإخفاقهم في توقع صعود الأسعار الناجم عن غزو روسيا لأوكرانيا، أو استمرارية صعوبات سلاسل التوريد على مستوى العالم.

بذور الاضطرابات الراهنة

رغم ذلك، فإن مواصلة زيادة ميزانياتها العمومية في سنة 2021 والاحتفاظ بأسعار الفائدة بالقرب من مستوى الصفر حتى في ظل تقدم معدلات التضخم وتعافي الاقتصادات من مستويات الحضيض التي شهدتها إبان أزمة وباء كورونا يظهر حالياً أنه ساهم في غرس بذور الاضطرابات الراهنة، على حد قول المنتقدين.

قال ستيفن جين، الذي يدير شركة "يوريزون اس إل جيه كابيتال"( Eurizon SLJ Capital )، وهو صندوق تحوط وشركة استشارية في لندن: "أنا مؤمن بأن هذا سيعرض مصداقية البنوك المركزية لضربة مدمرة، عندما يعلم المستثمرون أن معدلات التضخم التي نواجهها هي من صنع الإنسان، ولعبت البنوك المركزية فيها دوراً رئيسياً".

اقرأ المزيد: هل يتحلى محافظو البنوك المركزية بالوضوح إزاء أسعار الفائدة؟

احتاج باول لوقت حتى شهر نوفمبر الماضي "للتخلي" عن وصف معدلات التضخم المرتفعة بأنها "مؤقتة" واعترف خلال الشهر المنصرم أنه تم الإدراك لكن بعد فوات الآون، نعم، في هذه الحالة ربما كان من الأفضل زيادة أسعار الفائدة في وقت مبكر.

وجه وزير الخزانة السابق لورانس سمرز، وهو منتقد دائم لبنك الاحتياطي الفيدرالي منذ أوائل سنة 2021، انتقاداً لاذعاً لتوقعات البنك المركزي الأميركي الخاصة بالتضخم خلال شهر مارس الماضي واعتبرها "واهمة عند صدورها".

تقدم مقياس السعر المفضل بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 6.3% سنوياً في شهر أبريل الماضي. كانت نسبة التقدير الأوسط لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال شهر مارس الماضي 4.3% لسنة 2022. ومن المنتظر صدور توقعات حديثة خلال اليوم الأربعاء.

تحدي المصداقية

لا تعد الولايات المتحدة الوحيدة التي تتعرض لتحدي المصداقية.

تستعد لاغارد وزملاؤها حالياً لزيادة أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال شهر يوليو المقبل و50 نقطة أساس خلال شهر سبتمبر القادم. وذلك عقب تصريح لاغارد خلال شهر ديسمبر الماضي بأنه ليس من المرجح حدوث أي تشديد في السياسة النقدية خلال السنة الجارية.

قالت لاغارد الأسبوع الماضي: "كافة المؤسسات الدولية، وجميع المتنبئين المشهورين بالسمعة الطيبة ارتكبوا الخطأ نفسه في الحقيقة" من خلال التهوين من شأن الأزمة.

لاغارد تعزز ترجيحات برفع "المركزي الأوروبي" أسعار الفائدة في يوليو

قال رئيس بنك الاحتياطي الأسترالي فيليب لوي خلال شهر مايو الماضي إنه يشعر "بالحرج" من أن الإرشادات التوجيهية لسياسته النقدية السابقة بأن أسعار الفائدة ستبقى عند مستوى قياسي متراجع حتى سنة 2024 أثبتت خطأها تماماً.

توجد مواقف متباينة وسط الأسواق الناشئة. البعض، على غرار البرازيل، رفع أسعار الفائدة بطريقة أسرع بكثير من الدول المتقدمة. وضعت الصين عوضاً عن ذلك تركيزها على توفير الدعم النقدي في ظل التباطؤ الاقتصادي.

لكن في الهند، رفض البنك المركزي التلميحات بأنهم تخلفوا عن الركب مؤخراً خلال شهر أبريل الماضي، ثم واصل زيادة سعر الفائدة الرئيسي على مدى شهرين على التوالي. في هذه الأثناء، تبقى معدلات التضخم خارج النطاق الذي من الممكن تحمله.

فقدان ثقة الجمهور

تكشف استطلاعات الرأي وجود أدلة على فقدان ثقة الجمهور.

  • بين استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" خلال شهر مايو الماضي أن 43% فقط من المشاركين في الاستطلاع يمتلكون "قدراً كبيراً" أو "قدراً معقولاً" من الثقة في أن باول سيقوم بالشيء الصحيح بالنسبة للاقتصاد الأميركي. رغم أنها لا تعد النسبة الأقل بين رؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي في الآونة الأخيرة، إلا أنها أقل كثيراً من نسبة 74% التي حازها آلان غرينسبان في مطلع العقد الأول من القرن الـ21.
  • كشف استطلاع للرأي ربع سنوي يقوم به بنك إنجلترا المركزي، لأول مرة في التاريخ، أن عدداً أكبر من الأشخاص لا يشعرون بالرضا بالمقارنة بمن يشعرون بالرضا عن أداء بنك إنجلترا عندما يتصل الأمر بالسيطرة على الأسعار.
  • عانى رئيس بنك اليابان هاروهيكو كورودا من تراجع شعبيته بعد أن صرح بأن المستهلكين باتوا أكثر تحملاً لصعود الأسعار. أظهر استطلاع للرأي نشرته وكالة أنباء كيودو خلال يوم الاثنين أن 59% يرونه غير لائق لأداء مهام الوظيفة.
  • حذر ستانلي دروكنميلر، المسؤول عن إدارة مكتب ثروة عائلة دوكين، الشهر الجاري من أنه مع الأخذ في الاعتبار أن السياسة النقدية للبنك المركزي قبل سنة كانت غير ملائمة للغاية، فحتماً سيخسر المستثمرون أموالهم.

قال دروكنميلر، الذي يبلغ من العمر 68 سنة، الذي أدار الأموال للملياردير جورج سوروس على مدى ما يزيد على عقد: "في حال كانت لديك توقعات بحدوث هبوط سلس، فإن هذا يتناقض مع عقود من التاريخ".

تصنيفات

قصص قد تهمك