الشركات الغربية الباقية في روسيا تقول إنّ انسحابها يمنح بوتين فوزاً سهلاً

time reading iconدقائق القراءة - 26
برج سباسكايا في الكرملين ، وسط المدينة ، وكاتدرائية القديس باسيل، إلى اليمين، في موسكو، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
برج سباسكايا في الكرملين ، وسط المدينة ، وكاتدرائية القديس باسيل، إلى اليمين، في موسكو، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ما من شك في أن التحركات التي قامت بها شركات "نستله" و"رينو" و"فيليب موريس إنترناشيونال" لتقليص أعمالها في روسيا تترك حفنة متضائلة من الرافضين الذين يقاومون هجرة الشركات، وفي الوقت الذي تشجب فيه هذه الشركات غزو أوكرانيا فإنها تصرّ على أن البقاء في مكانها هو الخيار الأقل سوءاً.

وفي هذا الصدد عمّقت "نستله" انسحابها هذا الأسبوع، وعلّقت غالبية مبيعاتها وتصنيعها في روسيا، فيما وقفت شركة "رينو" الفرنسية لصناعة السيارات عملياتها قائلة إنها قد تنسحب من مشروع طويل الأمد هناك.

أما شركة "فيليب موريس" المصنّعة لـ"مارلبورو"، فقد قالت يوم الخميس إنها تعمل على إيجاد طرق للخروج بطريقة منظمة.

ومن المؤكد أن هذه التحركات ستضغط على الشركات متعددة الجنسيات الأخرى التي لا تزال تعمل في البلاد، والتي تشمل شركات "دانون" و"بيبسيكو" و"بروكتر آند غامبل".

ولكن مع وجود مليارات الاستثمارات، وعشرات الآلاف من الموظفين، والمصانع القيّمة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، فإنّ الخروج الكامل محفوف بالمخاطر والتحديات والعواقب غير المقصودة.

هدية لروسيا

الجدير بالذكر أن الشركات التي تختار تقليص عملياتها والبقاء في روسيا تسير على خط رفيع بين غضب المستهلكين الأخلاقي ومتطلبات أعمالها.

وفي الواقع، تكثفت حملة لتسمية وفضح الشركات التي لا تزال تعمل في روسيا هذا الأسبوع، إذ غرّدت المشرعة الأوكرانية ليسيا فاسيلنكو بأن "كل يورو يُنفق في/ على روسيا يشتري الرصاص الذي يقتل أطفال أوكرانيا"، في حين يقول أولئك الذين يدافعون عن الانسحاب الكامل إنّ القضية واضحة وجلية، وهي إما أسود وإما أبيض، لكن أولئك الذين يتخذون القرارات يرون ظلالاً من اللون الرمادي.

لنأخذ على سبيل المثال شركة "دانون" الفرنسية، التي لديها 13 مصنعاً ونحو 8 آلاف موظف في روسيا، إذ وقفت الاستثمارات وشحن المنتجات غير الأساسية، مثل مياه "إيفيان" (Evian) المعبأة في زجاجات، وبدائل الألبان "ألبرو" (Alpro)، لكنها استمرت في بيع منتجات الألبان وأغذية الأطفال.

من جانبها كتبت المديرة الدولية لشركة "دانون"، فيرونيك بنشيناتي-بوسيتا، في مذكرة إلى زملائها، اطلعت عليها "بلومبرغ نيوز"، أن الرحيل الكامل لن يضغط على الرئيس فلاديمير بوتين لوقف الحرب، بل إن أصول الشركة "ستصادر وتسيطر عليها الإدارة الروسية، وستعود الفوائد إلى ملكية روسية جديدة فقط".

واختتمت بنشيناتي-بوسيتا بأن مثل هذا السيناريو سيكون "هدية لهم". وبالمثل، قالت الشركة الروسية القابضة لسلسلة تحسين المنازل الفرنسية "ليروي ميرلين" (Leroy Merlin) يوم الأربعاء إنّ تعليق العمل في متاجرها الـ113 هناك قد يفتح الباب أمام "مصادرة من شأنها أن تعزز الموارد المالية لروسيا".

التحدث علناً

يأتي الحساب الروسي في وقت يضغط فيه الموظفون والمستهلكون والناشطون بشكل متزايد على قادة الشركات لاتخاذ مواقف علنية، إذ ظهر مثل هذه النداءات من قبل، مثل حملة 2010 لجعل شركة "نستله" تتوقف عن شراء زيت النخيل من الموردين المرتبطين بتدمير الغابات المطيرة، لكنها اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة مع حركتَي "أنا أيضاً" (Me-Too) و"حياة السود مهمة" (Black Lives Matter).

وعلى هذا الصعيد، قال ستة من كل عشرة موظفين إنهم يتوقعون أن يتحدث الرئيس التنفيذي لشركةٍ يفكرون في العمل لديها علناً عن القضايا الاجتماعية والسياسية المثيرة للجدل التي يهتمون بها، وذلك وفقاً لمقياس "إيدلمان تراست بارومتر" (Edelman Trust Barometer)، وهو استطلاع سنوي من شركة العلاقات العامة. ويُعَدّ هذا ارتفاعاً من نسبة 55% الذين قالوا ذلك في عام 2019.

كما أثار الرئيس التنفيذي لشركة "والت ديزني" (Walt Disney)، بوب تشابك، احتجاجات هذا الشهر بين الموظفين لرفضه في البداية التعليق على قانون فلوريدا الذي يمنع المدارس من مناقشة التوجه الجنسي مع تلاميذها الصغار، مما دفعه إلى الاعتذار لاحقاً.

لطالما أنتجت الشركات التي تصنّع المواد الغذائية والأدوية والأدوات المنزلية منتجاتها أو باعتها أو رخّصتها في البلدان المعزولة سياسياً، إذ عملت شركة "نستله" في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، خلال نظام الفصل العنصري.

أما في روسيا، حيث تمتلك شركة "نستله" ستة مصانع، فقد تعهدت الشركة السويسرية العملاقة حالياً بتوفير المواد الأساسية فقط مثل أغذية الأطفال ومنتجات التغذية الطبية، والتوقف عن صنع الأطعمة الخفيفة مثل ألواح شوكولاتة "كيت كات".

من جانبه قال كريستوفر روسباخ، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "جيه ستيرن أند كو" (J. Stern & Co) ومقره لندن، في مقابلة عبر الهاتف: "بينما أعتقد أن شركة (نستله) محقة في تعليق عملياتها، فإنها محقة أيضاً في دعم موظفيها". ويُشار إلى أن عائلة ستيرن تستثمر في شركة "نستله" منذ عقود.

فضلاً عن ذلك، يواصل صانعو الأدوية، بما في ذلك شركات "فايزر" و"جونسون آند جونسون" و"ميرك آند كو"، إرسال الأدوية والمستلزمات الصحية الأخرى إلى هناك، على الرغم من أنهم وقفوا التوظيف للتجارب السريرية.

"باسف" و"ستيلانتيس"

من بين الشركات الأخرى التي ترفض المغادرة، تمتلك شركة الكيماويات الألمانية العملاقة "باسف" (BASF) حصة أغلبية في شركة "وينترشال ديا" (WintershallDea)، وهي شركة غاز طبيعي مملوكة جزئياً للملياردير الخاضع للعقوبات ميخائيل فريدمان، بالإضافة إلى شراكة مع شركة "إم إم سي نوريلسك نيكل" (MMC Norilsk Nickel) الروسية.

كما تواصل شركة صناعة السيارات "ستيلانتيس" (Stellantis) تصنيع شاحنات صغيرة في مصنعها الواقع بالقرب من موسكو.

وفي حين أُشيد بالعشرات من الشركات لانسحابها من روسيا، فإنه من الأسهل القيام بذلك بالنسبة إلى البعض أكثر من البعض الآخر، إذ إنّ إغلاق المتاجر أو اتخاذ قرار بعدم شحن المنتجات إلى روسيا هو خطوة أقل تعقيداً من إغلاق المصانع التي توظف آلاف الأشخاص.

فعلى سبيل المثال، تُعَدّ سلسلة الإمداد الغذائي معقدة ومتشابكة محلياً، وتنطوي على تراكم مخزون من المواد الخام، إذ ستحتاج الشركات إلى معرفة مكان تخزين كميات كبيرة من الطعام، والمخاطرة بإفسادها وخلق نفايات الطعام، أو حتى خلق خطر محتمل على الصحة.

قرار أخلاقي

قالت منظمة الصحة العالمية إنّ المواطنين الروس يتمتعون بنفس الحقوق في الحصول على الأغذية والأدوية الضرورية مثل مواطني أي دولة أخرى، كما أن المنتجات الغذائية تُعفى أيضاً من العقوبات الدولية المفروضة على روسيا وأوليغارشيتها في أعقاب الغزو.

ومع ذلك فإنّ الصور والقصص المروعة الناشئة عن الغزو الروسي لأوكرانيا زادت حدة المشاعر العامة. وتتعرّض الشركات متعددة الجنسيات التي لها عمليات في روسيا للقصف على وسائل التواصل الاجتماعي والخطب السياسية وحتى من قِبل موظفيها من أجل الانسحاب من روسيا.

تعليقاً على الموضوع، يقول ويتولد هينيس، أستاذ الإدارة في كلية وارتن: "هل هذا قرار تجاري؟ لا، هذا قرار أخلاقي، إذ يتوجب على الشركات الخروج من روسيا، فهي لا تريد أن تكون آخر من يبقى هناك".

أما بالنسبة إلى أصول الشركات في المنطقة "فيتعين على الشركات شطبها"، كما يقول جيف سونينفيلد، الأستاذ في كلية ييل للإدارة، الذي أعدّ قائمة بما تفعله الشركات بمصالحها الروسية.

وقال: "مهما كلفتها المغادرة فإنه لا شيء مقارنة بالكلفة التي تحمّلتها شركة (بي بي - BP)"، في إشارة إلى تحرك شركة "بي بي" للتخلي عن أسهمها في شركة النفط العملاقة "روسنفت" (Rosneft) وتلقي ضربة مالية تصل إلى 25 مليار دولار.

كذلك تضمنت قائمة سونينفيلد اعتباراً من 23 مارس 36 شركة "تدرس" أو "تتحدى مطالب الخروج من أنشطتها أو تقليصها"، بما في ذلك تجار التجزئة "أوتشان" (Auchan)، و"ديكاتلون" (Decathlon)، و"ليروي ميرلين"، التي تسيطر عليها عائلة موليز الفرنسية ولديها ما مجموعه نحو 77,500 عامل في روسيا. وفي الوقت نفسه تُعَدّ شركات "نستله"، و"يونيليفر"، و"بروكتر آند غامبل"، و"دانون"، من بين 56 شركة "تماطل"، حسب تقدير سونينفيلد، من خلال وقف الاستثمارات الجديدة مع الاستمرار في العمل هناك.

مسألة حساسة سياسياً

أدّى قرار شركة "رينو" تعليق عملياتها في ثاني أكبر أسواقها إلى رفع مكانتها في قائمة سونينفيلد، لكنه أجبر الشركة على خفض توقعاتها المالية والإعلان عن شطب 2.2 مليار يورو (2.4 مليار دولار) في منتصف العام.

كما أن وجود شركة صناعة السيارات في روسيا، حيث يعمل لديها نحو 45 ألف موظف، هو أمر حساس من الناحية السياسية لأن الحكومة الفرنسية هي المساهم الأقوى فيها، والشريك الآخر في مشروع "أوتوفاز" (AutoVaz) هو شركة "روستك ستيت" (Rostec State)، التي يرأسها حليف لبوتين.

وقد قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطاب ألقاه أمام المشرعين الفرنسيين يوم الأربعاء، إنّ الشركات التي لا تزال تعمل في روسيا يجب أن "توقف تمويل قتل الأطفال والنساء والاغتصاب".

في غضون ذلك، يُقال إنّ السلطات الروسية تتحقق من المواقع المحلية للشركات بشكل منتظم، لمعرفة ما إذا كانت لا تزال تعمل، إذ يضيف هذا إلى الضغط الذي تواجهه الشركات من الحكومة الروسية التي هددت بإمكانية مصادرة الأصول، وبالتالي فإنّ أحد الأسباب الرئيسية للشركات التي تحتفظ ببعض الأنشطة في روسيا هو تقليل هذا التهديد. وحتى بالنسبة إلى الشركات التي تتطلع إلى المغادرة، ليس من الواضح مَن الذي سيشتري عملياتها هناك، لا سيما بالنظر إلى أن بعض الشركات الروسية يخضع للعقوبات.

وفي إشارة إلى مدى حساسية الموقف، جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كبار المديرين التنفيذيين في قصر الإليزيه في 4 مارس، وحثّ المديرين التنفيذيين على احترام العقوبات المفروضة على روسيا، مع تذكيرهم بأن فرنسا ليست في حالة حرب مع الشعب الروسي، كما قال مسؤول في الإليزيه إنّ أي قرار بمغادرة البلاد متروك لهم.

الجدير بالذكر أنهم وبينما يزنون خياراتهم، يواجه الباقون في روسيا عاراً متزايداً، فقد حثّت السياسية الأوكرانية فاسيلنكو أتباعها على مقاطعة شركات "بيبسي"، و"يونيليفر"، و"أوتشان".

كما تردد صدى قرار شركة "ليروي ميرلين" البقاء في روسيا في بولندا التي وصل إليها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ بسبب الحرب في أوكرانيا، إذ تترد بشكل متزايد أكبر محطة تليفزيونية تجارية في بولندا، "تي في إن" (TVN)، والإذاعة البولندية الحكومية، في التعاون مع العلامة التجارية.

كذلك قال بوشان دوت، أستاذ الاقتصاد في كلية إنسياد، إنه كلما طالت فترة الحرب أصبح من الصعب على الشركات إجراء تمييز دقيق بين بوتين ونظامه من جهة، والروس العاديين من جهة أخرى، مضيفاً أنه "يجب على الشركات في رأيي أن تخطط لخروجها في نهاية المطاف".

تصنيفات

قصص قد تهمك