بلومبرغ
يرى متداول السلع الأساسية بيير أندوراند أن مسار النفط الخام سيصل إلى 200 دولار بحلول نهاية العام، في ظل نضال الأسواق الشحيحة تاريخياً لزيادة الإنتاج، وتعويض الإمدادات المفقودة من روسيا.
ويُقدّر أنه تمّ إخراج حوالي 4 ملايين برميل يومياً من التداول نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، والقيود اللاحقة على التعامل مع حكومة "بوتين". وفي حين أن إطلاق النفط من الاحتياطيات البترولية الإستراتيجية يمكن أن يساعد في تعزيز العرض في المدى القصير، إلا أنه من المحتمل ألا تكون صناعة الطاقة قادرة على زيادة القدرة الإنتاجية لتعويض البراميل المفقودة بالكامل.
قال مؤسس "أندوراند كابيتال مانجمنت" (Andurand Capital Management) في أحدث حلقة من البودكاست "أود لوتس" (Odd Lots)، إن النفط الروسي سيكون على الأرجح خارج السوق حتى لو وافق "بوتين" على شكل من أشكال وقف إطلاق النار الوشيك مع أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، سيكافح منتجو النفط الصخري وبعض أعضاء أوبك أيضاً لزيادة الإنتاج بعد سنوات من قلة الاستثمار.
وأضاف: "لا أعتقد أنهم في حال توقفوا فجأة عن القتال، فسيعود النفط إلى ما كان عليه. لن يكون الأمر كذلك، وتلك الحالة لن تعود أبداً، حيث سيتعين علينا أن نتعايش مع أسعار أعلى، وسيتم التعامل مع النفط على أنه منتج فاخر للرفاهية، انتظاراً لتسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة".
اقرأ أيضاً: أنباء الاتفاق الإيراني تدفع أسعار النفط للهدوء..والمواد الأولية تواصل الارتفاع
تشديد الإمدادات
يعتقد "أندوراند" بأن تشديد الإمدادات من السلع "سيؤدي إلى الحد من نوع الأهداف الاقتصادية التي سنكون قادرين على تحقيقها؛ حيث يفترض الكثير من الناس في نموذجهم الاقتصادي أنه يمكننا الحصول على قدر ما نريد من السلع. وهي مجرد مسألة طلب. لكن هذه المرة ستكون هناك قيود على العرض".
وصنع "أندوراند" اسمه من تداول السلع الأساسية بنجاح في لحظات متقلّبة بشكل خاص، وحقّق ثروات لنفسه ومستثمريه عبر تلك العملية، إذ قام، على سبيل المثال، ببيع عقود النفط على المكشوف، مع انخفاض الأسعار بشكل كبير إلى المنطقة السلبية في أبريل 2020، وفي ظل زيادة العرض مقارنة بالطلب، حيث لم يعد لدى التجار مكان لتخزين الخام المادي.
الآن، يرى "أندوراند" أن العالم من المحتمل أن يواجه الوضع المعاكس، مع نقص العرض لدرجة أن بعض المشاركين في السوق قد يكافحون من أجل تسليم الخام المادي، حتى مع ارتفاع الأسعار الفورية.
اقرأ أيضاً: أسعار النفط تقفز لأعلى مستوى في 13 عاماً
تابع: "على سبيل المثال، دعنا نقول إننا قمنا خلال جائحة "كوفيد" – عندما انهار الطلب فجأة بنسبة 20٪ بين عشية وضحاها – ببناء الكثير من المخزونات خلال فترة زمنية قصيرة. وكما تعلمون، فإن البنية التحتية للسوق لم تُنشأ لتحمّل هذا النوع من الأحداث المتمثلة في خسارة 20٪ من الطلب العالمي بين عشية وضحاها. لذا فإن مستوى التخزين الفارغ في الواقع قد يستغرق شهراً ونصف الشهر من هذا الطلب المنخفض حقاً قبل أن تمتلئ جميع الخزانات. وهكذا في أبريل 2020 – عندما أصبحت جميع الخزانات ممتلئة – وكان ما يزال هناك بعض الإنتاج الذي يجب نقله، لم يكن أحد يستطيع شراء هذا النفط؛ وبالتالي عند هذه النقطة يمكن أن تنخفض الأسعار".
انخفاض المخزون
استطرد موضحاً: "أما عندما نكون في السيناريو المعاكس حيث تكون المخزونات منخفضة للغاية وهناك أماكن في العالم يتم فيها تسليم عقود معينة، مثل تسليم خام غرب تكساس الوسيط في كوشينغ - أوكلاهوما، وتكون الخزانات كلها فارغة ولا يوجد نفط في تلك الخزانات بعد الآن؛ وبالتالي في حال كان هناك شخص ما لديه عقود آجلة طويلة ويحاول استلام النفط في ذلك المكان وتلك النقطة الزمنية، فلا أحد يستطيع التسليم، وحينها يمكنك الوصول إلى أي سعر. لذلك ما يحدث بشكل عام هو تلك الحالة التي يكون فيها ما يسمى بـ "المضاربين في المنتصف"، للمساعدة في جعل السعر يتحرك بدرجة كافية، بحيث لا نكون أبداً في موقف تكون فيه الخزانات ممتلئة أو فارغة".
يعني ذلك بطريقة ما أن الأسعار لم ترتفع بالسرعة الكافية، ولمدة كافية إما لجلب المزيد من العرض الإضافي، أو تقليل الطلب فعلياً قبل نفاد المخزون. وهذا هو المكان الذي يتساءل فيه الناس أحياناً: هل تعرف ما هو دور المضاربين؟ أعني، إنه في الواقع اكتشاف الأسعار وأيضاً إعطاء الإشارات الصحيحة للمنتجين والمستهلكين حتى لا تنفد سعة التخزين أو لا تنفد المخزونات، لأن الأسعار يمكن أن تصل إلى أي مكان ..."، وفقا لـ "أندوراند".
اقرأ أيضاً: أسعار النفط المرتفعة نعمة لميزانيات المُصدِّرين الخليجيين
إحدى الأسئلة التي يتم طرحها بانتظام فيما يتعلق بالنفط هو الدرجة التي تُقيّد بها قرارات السياسة العامة، والتي تتخذها الإدارة الأمريكية الحالية من إنتاج النفط الجديد. ومع ذلك، بالنسبة لـ "أندوراند"، يُعدّ هذا عاملاً ثانوياً وراء الاعتبارات المالية والمادية الأكثر وضوحاً، حيث يستشهد بعاملين رئيسيين لكتم العرض المحلي.
وأضاف: "لذا فإن أول شيء هو أنه تم حفر كامل، أو أعني الكثير من النفط السهل في الولايات المتحدة بالفعل. وكما تعلمون بشكل عام أنه عند وجود حقل جديد وحوض جديد، فإن المنتجين سيحفرون جيداً حيث يكون من الأسهل الحصول على النفط، وبمرور الوقت سيصلون إلى حيث يكون الأمر أكثر صعوبة بعض الشيء. لذلك أود القول، إن النفط الصخري الأمريكي كان يُنتج على نطاق واسع لمدة 10 سنوات وما يزال هناك متسع لعشر سنوات أخرى من العرض القوي أيضاً. لكنني لست متأكداً من وجود مجال لعقود عديدة من الإنتاج العالي وأهداف إنتاج عالية بالتأكيد. لذا فإن بعضاً من ذلك يرجع إلى حقيقة أن الحقول أصبحت أكثر نضجاً قليلاً.
النفط الصخري
وفقا لـ "أندوراند"، فإن هناك سبب آخر يتمثل في أن الكثير من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة خسروا الكثير من الأموال، حيث ركّزوا على زيادة الإنتاج على مر السنين، وراكموا بعض الديون مقابل ذلك، وهي خطوة لم تكن مربحة في الواقع، حيث خسر معظمهم الكثير من المال في مرحلة ما، بعدما أنفقت الصناعة بأكملها حوالي 600 مليار دولار من النقد وتلقى المساهمون ضربة كبيرة.
لذا، فإنه وبحسب كلام "أندوراند"، بالنسبة للمنتجين، كانت الإنتاج يرتفع في الولايات المتحدة إلا أن الشركات لم تكن مربحة، وقد بدأت الآن في أن تكون مربحة. وبالنظر إلى الأسعار الجارية الآن، فإنهم أخيراً يحصلون على تدفق نقدي إيجابي وأرباح جيدة؛ كما يضغط المساهمون في تلك الشركات على الرؤساء التنفيذيين لعدم زيادة الإنتاج بسرعة كبيرة، لأنهم إذا ساروا بسرعة كبيرة وانهارت الأسعار مرة أخرى، فقد يخسرون المال.
اقرأ أيضاً: النفط يتخطى 100 دولار مجدداً بعد تحذير من نقص إمدادات روسيا
ويُعدّ هذا الإحجام عن الاستثمار أكثر - بعد أن بدّدت الصناعة أكثر من نصف تريليون دولار في الدورة السابقة - ليس وجهة نظر فريدة من نوعها، كما يرى "أندوراند".
ويستشهد المحللون والمشاركون في الصناعة بهذا المنظور باعتباره السبب الرئيسي وراء كوننا لم نشهد استجابة أكثر قوة للعرض مع ارتفاع سعر النفط الخام. وفي حلقة حديثة من البودكاست، تحدث محلل الصناعة روري جونستون، الذي قدم نفس الحجة الأساسية. كما أشار جيف كوري من مجموعة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group) بانتظام إلى الدرجة التي تكافئ بها حوافز السوق المالية الشركات التي تعمل على تحسين التدفق النقدي، مع تثبيط الشركات عن الاستثمار أكثر.
أما الرئيس التنفيذي لشركة "بايونير ناتشورال ريسورسز" (Pioneer Natural Resources)، فقد قال في مقابلة أخيرة مع قناة "بلومبرغ"، إن النفط الصخري الأمريكي غير قادر على النمو أكثر من ذلك بكثير، بغض النظر عما يريده البيت الأبيض، ويرجع ذلك جزئياً إلى القيود المادية - بما في ذلك العمالة - ولكن أيضاً إلى مطالب المستثمرين.
اقرأ أيضاً: صحوة تنقيب كندية فيما يتسول العالم النفط جرّاء الحرب
أوبك بلس
وكما يشير "أندوراند"، فإن العرض المحتمل مقيد في أماكن أخرى غير الولايات المتحدة أيضاً. وقد كافح بعض أعضاء أوبك+، لا سيما في إفريقيا، لبلوغ حصص الإنتاج المسموح بها، بسبب سنوات من تدهور البنية التحتية.
فضلاً عن ذلك، فإنه يرى أن المستوى 200 دولار هو في نهاية المطاف النقطة التي يتم من عندها حدوث تدمير فعلي للطلب وموازنة محتملة للسوق.
قال "أندوراند": "أعتقد أن ذلك سيكون عند مستوى حوالي 200 دولار للبرميل - أعلى بكثير مما هو عليه اليوم. وأشعر أنه لا يوجد تدمير للطلب عند 110 دولارات للبرميل، وعلى السعر أن يرتفع بشكل كبير قبل أن ينخفض الطلب بما يكفي. إلا أن هذا أيضاً يفترض عدم وجود تفويض حكومي ونوع من التقييد، حيث يمر يومان في الشهر دون أن نفعل أي شيء، ونكون مقيدين ليومين في الشهر. أعني، قد تكون هناك بعض الحلول من هذا القبيل لخفض الطلب، ولكن إذا لم يكن هناك تفويض من الحكومة، فأعتقد أن مستوى حوالي 200 دولار من النفط سيكون كافياً لجعل الطلب يُحقق التوازن في السوق".
اقرأ أيضاً: وكالة الطاقة الدولية تتوقع تراجع إنتاج النفط الروسي 25% في أبريل
وفي حين أن مستوى 200 دولاراً يبدو رقماً مرتفعاً للغاية، يعتقد آخرون في الصناعة أيضاً أن هذا ممكن. وفي يناير، قال متداول السلع دوغ كينغ، إن سعر البرميل قد يصل إلى هذا المستوى في غضون خمس سنوات. في حين قال وزير النفط النيجيري أيضاً، إنه يمكن أن يرتفع إلى هذا المستوى قبل أن يتراجع إلى نطاق 150 دولاراً. ويرى "أندوراند" نفسه أن عملية الاقتصاد تتأقلم مع أرقام أعلى وأعلى.
أشار "أندوراند" متابعاً: لذلك أعتقد أنه هناك الكثير من تحيُّز الحداثة بشكل عام في أذهان الناس؛ فقد اعتدنا بشكل عام على الأسعار الحديثة، حيث كنا نعتقد في البداية أن 100 دولار هو سعر باهظ الثمن؛ وكنا نشكو، لا أقصد نحن، بل يشتكي الناس بشكل عام، ثم يعتادون على 100 دولار، ثم يشتكون من 120 دولاراً، ثم يشتكون من 140 دولاراً. إلا أنهم يعتادون على المستويات الأعلى بمرور الوقت. إذن فالأمر يتعلق بالسؤال التالي: هل ما زال استخدام هذا النفط يستحق كل هذا؟ إذا نظرتم منذ عام 2008، فإن 150 دولاراً هي 220 دولاراً بدولارات اليوم، وإذا أخذنا معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي كمقياس للتضخم، فسيكون 220 دولاراً. لذا فإن الطريقة التي أفكر بها هي، هل هو صعودي اليوم أكثر من ذي قبل؟ نعم، إنه صعودي اليوم أكثر من ذي قبل.