بلومبرغ
قبل عام، ربما لم يرَ خبير الأسهم الاستراتيجي العادي أنَّ المؤشر الأفضل أداءً في العالم في عام 2021 سيكون مؤشراً منغولياً، أو أنَّ سلسلة دور سينما سترتفع 13 ضعفاً.
وبرغم تفاؤل الكثيرين، توقَّع القليلون شدة الصعود الهائلة التي دفعت الأسهم الأوروبية والأمريكية إلى مستويات قياسية متتالية، أو الهبوط بعد ظهور متحوِّر "أوميكرون"، بل وتوقَّع عدد أقل الركود في الصين، أو أزمة السيولة التي تضر بالمطورين العقاريين في الدولة.
باختصار، كان عاماً من المفاجآت - وهذا هو الشيء الأقل إثارة للدهشة بشأنه، والتنبؤ الصحيح بالتفاصيل في 2022 لن يكون أكثر سهولة - لكن من المرجح أن يستمر القليل من الاتجاهات العامة.
كوفيد- 19
كانت تطورات وباء كورونا هي المحرك الرئيسي للسوق لمدة عامين تقريباً، مما تسبب في حدوث انهيار في عام 2020، ثم حالة الارتفاع المستمر على خلفية برامج التطعيم التي سمحت بإعادة فتح الاقتصادات، وحالياً تسببت المخاوف بشأن متحوِّر "أوميكرون" في تأثيرات امتدت عبر مؤشرات الأسهم العالمية.
يتوقَّع معظم الاستراتيجيين أن يصبح الفيروس عرضاً جانبياً العام المقبل، إذ يضيف وصول الحبوب المضادة للفيروسات من شركة "فايزر"، و"ميرك آند كو" إلى ترسانة البشرية المضادة للعدوى المميتة، ولم يتغير رأي الأغلبية هذا في وجه التحذيرات القائلة بأنَّ السلالة الجديدة قد لا تستجيب للعلاجات الحالية.
ومع ذلك؛ إذا كان هناك شيء واحد علَّمنا إياه الوباء؛ فهو أنَّ استراتيجية الاستثمار في الأسهم شيء، وعلم الأوبئة شيء آخر.
وقال رومين بوشر، كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في الأسهم في شركة "فيديليتي إنترناشيونال"، إنَّه حتى إذا أصبح الفيروس مرضاً متوطناً ومزعجاً؛ فإنَّ دوامة القيود المفروضة لعزل المصابين "تتحول إلى عائق يستعصي أكثر أمام النمو".
وإذا اختفى الفيروس من حياتنا؛ فمن المرجح أن يظل محدِّداً لاتجاه سوق الأسهم. إذ لن تكون هناك أسس أخرى للتحفيز المالي والنقدي، وهما من المحركات الرئيسية للنشاط العام الجاري.
التضخم
نظرت الأسواق إلى ما وراء ارتفاع الأسعار العام الجاري، ولسبب وجيه؛ فقد أثبتت أرباح الشركات المرتفعة أنَّ الشركات يمكنها تمرير التكاليف الأعلى إلى المستهلكين الذين ما يزالون على استعداد للإنفاق.
وإذا خفَّت الضغوط التضخمية في الأشهر المقبلة، فلا تتوقَّعوا انتعاشاً ناجماً عن ارتياح، لأنَّ ذلك قد انعكس في أسعار الأسهم.
وكتب الاستراتيجيان دومينيك ويلسون، وفيكي تشانغ من "غولدمان ساكس" في مذكرة: "بعد أن أكلت كعكة التضخم المؤقتة في عام 2021، قد لا تأكلها السوق مرة أخرى في عام 2022".
أما إذا استمرت ضغوط الأسعار، أو حتى اشتدت، فقد تُصبح الأمور صعبة، والأسهم ليست سوى وسيلة تحوط جيدة ضد التضخم حتى نقطة معينة، والتي تحددها شركات "أودو بي إتش إف"، و"والاش بيث كابيتال"، و"لومبارد أودير" عند 3% إلى 5%.
وتقول فلوريان إيلبو، رئيسة الاقتصاد الكلي والأصول المتعددة في "لومبارد أودير"، إنَّ استمرار نمو الأسعار فوق 4% من شأنه أن يأكل الأرباح ويضر بالأسهم.
كما أنَّ التضخم المرتفع قد يضغط على البنوك المركزية لتشديد السياسة، وبالتالي؛ رفع تكاليف الاقتراض على البلدان المثقلة بالديون، مثل: إيطاليا، واستنزاف سيولة السوق.
وأشعل رئيس الفيدرالي، جيروم باول، الشرارة الأولى الأسبوع الماضي، محذراً من إمكانية تقليص عمليات شراء الأصول بوتيرة أسرع.
يقول غراهام سيكر من "مورغان ستانلي"، إنَّ تأثير التقليص المحتمل للمحفزات من قبل البنك المركزي الأوروبي على ديون الدول الأوروبية الطرفية هو من بين أكبر المخاطر الهبوطية العام المقبل.
في حين أشار استراتيجيو "جيه بي مورغان تشيس آند كو" إلى التحول نحو موقف متشدد من قبل البنوك المركزية باعتباره الخطر الرئيسي على توقُّعاتهم الصعودية.
خفض انبعاثات الكربون
أحد الأسباب التي قد تجعل التضخم أعلى هيكلياً هو الانتقال إلى الحياد المناخي، وهو هدف التزمت به أكبر اقتصادات العالم - من الولايات المتحدة إلى الهند - بشكل جماعي العام الجاري.
وتؤدي أسعار الكربون المرتفعة والضرائب البيئية إلى زيادة تكاليف الإنتاج على الشركات الصناعية، في الوقت الذي ساهم فيه نقص الاستثمار في الوقود الأحفوري في ارتفاع تكاليف الطاقة، مما يهدد بضعف النمو وتعطيل الإنتاج.
على الجانب الآخر، يقول مديرو الأصول من شركة "بلاك روك" إلى "نوفين"، إنَّ خفض انبعاثات الكربون يخلق فرصاً استثمارية غير مسبوقة.
ولا يحتاج المرء إلى النظر أبعد من السيارات الكهربائية بحثاً عن أمثلة؛ فقد ارتفع سهم شركة "تسلا" لأكثر من 1000% منذ بداية العام الماضي، في حين ارتفعت القيمة السوقية لشركة "ريفيان أتوموتيف" لفترة وجيزة إلى أكثر من 100 مليار دولار بعد ظهورها الأول للتداول الشهر الماضي، برغم أنَّ مبيعاتها غير موجودة أساساً.
و مع وجود حزب الخضر بالحكومة حالياً في أكبر اقتصاد في أوروبا؛ قد تحصل أسهم شركات خفض الكربون على دفعة بعد الانخفاضات التي شهدتها العام الجاري، من أمثال: "سيمينز غاميسا" للطاقة المتجددة، و"فيستاس" لأنظمة الرياح.
الميتافيرس
جذبت إعادة تسمية "فيسبوك" الانتباه إلى مجال يتنامى من النشاط الاقتصادي خارج العالم المادي، بدءاً من وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات الألعاب.
وتعد أسهم شركتي "إنفيديا كورب"، و ألعاب الفيديو "روبلوكس كورب"، من الأسهم التي ارتفعت لفترة وجيزة فقط بعد أن أعاد مارك زوكربيرغ تسمية الشركة التي شارك في تأسيسها باسم "ميتا بلاتفورمز".
وتعد الميتافيرس - العوالم الرقمية؛ إذ يمكن للمستخدمين التواصل الاجتماعي وممارسة الألعاب والأعمال - فرصة بمليارات الدولارات، وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة "إبيك غيمز"، تيم سويني.
وبالفعل، يمكن أن يكلف الطراز الرقمي لحقيبة "غوتشي"، والتي لا يمكن استخدامها إلا في عالم منصة الألعاب، أكثر من الإصدار المادي، وذلك لأنَّ الأشخاص في العالم المتقدم يقضون حالياً وقتاً على الإنترنت أكثر من التفاعل في المجالات المادية، وفقاً لـ"مورغان ستانلي".
وفي حين تسارع الانتقال نتيجة للطلبيات أثناء البقاء في المنزل بسبب الوباء؛ فمن المتوقَّع أن يستمر في السنوات المقبلة، وقد ينطلق بشكل حقيقي عندما تنضم شركة "أبل" إلى الحفلة.
الصين
اتخذت بكين إجراءات صارمة للحد من أرباح عمالقة التكنولوجيا والشركات التعليمية العام الجاري، وفرضت قيوداً على إقراض مطوري العقارات لتقليص اعتمادها على القطاع.
وفي الوقت نفسه، أدى الارتفاع الكبير في أسعار المصانع إلى صعوبة في الحفاظ على هوامش الربح، ومع عدم تقديم أي تدابير تخفيف ذات معنى من قبل البنك المركزي في الدولة بالأشهر الماضية؛ فقد تأثر النمو الاقتصادي سلباً.
تعد الأسهم الصينية الخارجية في هونغ كونغ من بين الأسوأ أداءً في العالم العام الجاري، كما انخفض مؤشر "ناسداك غولدن دراغون" لأسهم الصين لأكثر من 50% من ذروته في فبراير، وهبط مؤشر "إم إس سي أي" للصين بالقرب من أدنى مستوى مقابل الأسهم العالمية منذ عام 2006.
ومع ذلك، تتحول العديد من المؤسسات الاستثمارية العالمية نحو التفاؤل بشأن الأسهم الصينية.
وترى شركة "بلاك روك" أن ذروة التشديد التنظيمي قد مرت، وتتوقع أن يكون لمزيد من التدابير الداعمة للاقتصاد تأثير في العام الجديد، بينما يتوقع بنك "بي إن بي باريبا" أن تُعدِّل بكين سياساتها تجاه مطوري العقارات وأن تدعم القطاع الخاص في الاجتماع الاقتصادي الرئيسي المقرر الشهر الجاري.
وقالت لوسي ليو، مديرة محفظة في "بلاك روك"، في بيان موجز بتاريخ 23 نوفمبر: "نعتقد أن توقيت دخول السوق هو فوراً".
ويشعر بنك "غولدمان ساكس" بالتفاؤل بشأن فرص الاستثمار المرتبطة بحملة الرئيس، شي جين بينغ، "الرخاء المشترك"، مثل مجال الطاقة المتجددة، ويقول بنك الاستثمار "يو بي إس" إن اللوائح الأكثر صرامة انعكست في أسعار السوق، وإن أرباح الشركات وتقييماتها ستتحسن.
وهناك المزيد
البقاء على وعي بهذه الاتجاهات لن يضمن بالضرورة عوائد مجدية للمستثمرين، إذ تنتشر الأحداث المحتملة أو غير المتوقَّعة سواء السلبية أو الإيجابية في كل مكان، من الانتخابات النصفية الأمريكية إلى انتخابات الرئاسة الفرنسية، ومن التوترات في تايوان إلى الأزمة الكاملة في الاقتصاد التركي بعد هبوط الليرة.
كما ستستمر مراقبة عقبات سلسلة التوريد عن كثب في الوقت الذي سيُقدِّم فيه الاحتباس الحراري بطاقة بديلة أخرى قد يحتاج المتداولون إلى أخذها في الاعتبار.
لذلك ليس من المستغرب عدم وجود إجماع بين أبرز الاستراتيجيين في العالم حول اتجاه أسواق الأسهم؛ في حين ينصح ماكس كيتنر من "إتش إس بي سي" المستثمرين بالتوقف عن الاستثمار في الأسهم في النصف الأول من العام المقبل، ويرى أنَّ الأمور ستتحسن في النصف الثاني، كما تتوقَّع ذراع إدارة الثروات في "يو بي إس" العكس تماماً، بالإضافة إلى بداية جيدة تليها نظرة مستقبلية متدهورة في نهاية العام.
وفي حين يرى بنك "غولدمان ساكس" أنَّ الأسواق تتجه نحو الارتفاع العام المقبل؛ فإنَّ "بنك أوف أمريكا" يتخذ وجهة نظر مروعة إلى حدٍّ ما، إذ يتوقَّع عوائد منخفضة أو سلبية، أو متقلبة في كل الأحوال في 2022.
وإذا تعلمنا أي شيء من عام 2021، فهو أنَّ التركيز على أسس الشركات التي تستثمر فيها لايمثِّل دائماً الاستراتيجية الأكثر ربحية ، بل من خلال تجاهل مثل هذه المبادئ، حقق بعض مستثمري التجزئة أرباحاً كبيرة العام الماضي مع ارتفاع "إيه إم سي إنترتينمنت هولدينغز" بنحو 1200%، وتعافت "غيم ستوب" بأكثر من 800% دون سبب واضح سوى جنون وسائل التواصل الاجتماعي.
مستقبلاً، ينصح "غولدمان ساكس" المستثمرين أن يكونوا انتقائيين، مع تجنب الشركات ذات تكاليف العمالة المرتفعة، والأسهم المقيّمة بالكامل، بناءً على توقُّعات النمو طويلة الأجل. ولكن مرة أخرى، هذا هو بالضبط ما نصح به الاستراتيجيون العام الماضي.