لسنوات، كان سهم "فيسبوك" مرغوباً بالنسبة للجميع. تمتعت الشركة بنمو مستمر، ومشاركة منتظمة من قبل المستخدمين، وعائدات الإعلانات التي نمت حتى مع الفضائح المرتبطة ببيانات المستخدمين والأخبار المزيفة. لكن على المستثمرين أن يقلقوا قليلاً.
تم منح المنظمين إمكانية مثيرة للوصول إلى المستندات الداخلية التي يمكن أن تعزز التحقيقات المخطط لها في "فيسبوك".
كشفت الملفات التي تم تسريبها إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً عن ممارسات داخلية مثيرة للقلق، وقد تم تسليم بعض الوثائق إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية من قبل شخص يسعى للحصول على الحماية الفيدرالية للمبلغين عن الأعمال غير القانونية.
تهديدات من المنافسين
إن التشاؤم حيال "فيسبوك" يُعدّ وجهة نظر غير شعبية. فمن بين 58 محللاً للأسهم تتبعهم "بلومبرغ"، يوصي ثلاثة فقط ببيع أسهم "فيسبوك"، ومتوسط هدف الـ12 شهراً هو 418 دولاراً للسهم، أي ما يقرب من 60 دولاراً فوق السعر الحالي.
لكن عهد "فيسبوك" كملك لوسائل التواصل الاجتماعي يتعرض لتهديد متزايد من المنافسين مثل "تيك توك" التابعة لشركة "بايت دانس" وحتى من شركة "أبل". وابتكارات الشركة في مجال الواقع الافتراضي والنظارات الذكية لن تكرر أبداً نجاح أعمالها الإعلانية. (لا يبعث رحيل كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة الأسبوع الماضي الكثير من الثقة في منتجاتها المستقبلية، على الرغم من أن خلفه لديه سجل حافل في الأجهزة).
قد يضر الشركة أيضاً التحوّل الجاري نحو الاستثمار القائم على الأداء في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG): فقد قامت الصناديق التي تركز على (ESG) بوضع شركة "فيسبوك" على القائمة السوداء بسبب الخلافات الجدلية السابقة، ولدى الشركة حالياً درجة (ESG) أكثر خطورة من "غوغل" أو"مايكروسوفت" أو"أبل" التابعة لشركة "ألفابت" وفقاً لموقع "ساستيناليتيكس".
مخاطر تواجه "فيسبوك"
ومع ذلك، تدور أكبر مشكلات"فيسبوك"حول التنظيم والتشريعات والتقاضي - ومن السهل معرفة سبب عدم استيعاب السوق لهذا الأمر بالكامل. لأنه من الصعب تتبع هذه المخاطر.
فيما يلي شرح تفصيلي لبعض المسائل الرئيسية، مع الأخذ في الاعتبار أن بعضها قد يستمر لمدة عام أو عامين (أو أكثر).
يستهدف المنظمون بنية شركة "فيسبوك". إذ إن لجنة التجارة الفيدرالية تريد أمراً من المحكمة يجبر"فيسبوك"على بيع "إنستغرام" و"واتساب".يضغط المشرِّعون الأمريكيون من الحزبين أيضاً من أجل حدوث هذا التفكيك. يوفر"إنستغرام"أكثر من ربع عائدات عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز"، وهو آخر رابط بين "فيسبوك" والمراهقين والشباب والشابات في سن العشرين الذين انجذبوا بعيداً عن "فيسبوك" على مدار العقد الماضي.
هل بلغت فيسبوك لحظة شركات التبغ الكبرى؟
مواجهة المحتوى الضار
هناك أيضاً ضغط لتغيير خوارزميات "فيسبوك"والأنظمة الداخلية. أصبح المشرِّعون جادين بالضغط من أجل إجراء تغييرات منهجية على خوارزميات توصيات "فيسبوك"، التي اتُهمت بمكافأة المحتوى المثير للجدل، تلك التي تجعل المستخدمين أيضاً يعودون للحصول على المزيد.
على سبيل المثال، في صميم قانونين على وشك الصدور في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ليحكما الأمان عبر الإنترنت، هناك متطلبات من شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" بتعديل أنظمتها لمنع الخوارزميات من نشر المحتوى الضار.
بعبارة أخرى، قد لا يكون كافياً أن تزيل الشركة منشورات الانتقام الإباحي، والكلام الذي يحض على الكراهية.
قد تضطر بدلاً من ذلك إلى إعادة كتابة الخوارزميات، بحيث لا يصل هذا المحتوى إلى صفحات المستخدمين "النيوز فيد" في المقام الأول. يمكن أن يضر ذلك بعملها الإعلاني في حال كان يؤثر على مشاركة المستخدمين.
لقد أنفقت "فيسبوك" بالفعل الكثير - أكثر من 13 مليار دولار - على جهود السلامة والأمن منذ عام 2016. وهي تدفع لنحو 40 ألف شخص، كثير منهم متعاقدون، للعمل على قضايا المحتوى.
قانون الخدمات الرقمية الجديد في أوروبا، الذي يتطلب المزيد من تدابير "إدارة المخاطر"، يعني أنه من المحتمل أن تضطر الشركة إلى استثمار المزيد لتحسين الإشراف على المحتوى.
دعاوى قضائية
يأتي التقاضي من اتجاهات مختلفة. تزعم إحدى الدعوى القضائية الأخيرة التي رفعها مساهمون أن مجلس إدارة "فيسبوك" دفع إلى لجنة التجارة الفيدرالية مبلغاً زائداً عن مبلغ التسوية الأصلية لتبلغ قيمتها 5 مليارات دولار لحماية الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ من المسؤولية.
بينما تدعي دعوى أخرى أن هناك تداول تداخلي تقوم به حفنة من كبار المديرين التنفيذيين في"فيسبوك". تم رفع الدعاوى من قبل مجموعتين من المساهمين بقيادة صناديق التقاعد، بما في ذلك نظام تقاعد المعلمين في ولاية كاليفورنيا.
من جهته رفض متحدث باسم "فيسبوك" التعليق على هذه الدعاوى.
الأمر الأكثر خطورة: قد تواجه الشركة مسؤوليات جنائية عن بعض أسوأ السلوكيات التي جرت على موقعها. تتضمن الوثائق الداخلية المسربة أدلة على أن فيسبوك أهمل القيام بما يكفي لوقف الاتجار بالبشر، وفقاً لتقرير "وول ستريت جورنال".
قد يجعلها ذلك مسؤولة قانونياً بموجب قانون "مكافحة العبودية الحديثة" في المملكة المتحدة، وفقاً لأندرو واليس، مؤسس منظمة"آنسين" (Unseen) الخيرية لمكافحة الاتجار بالبشر.
غريتشن بيترز، التي تدير منظمة تتعقب أنشطة الجريمة والإرهاب على وسائل التواصل الاجتماعي، تضغط على وزارة العدل للتحقيق فيما إذا كانت استضافة "فيسبوك" للمحتوى الإجرامي قد ارتفعت إلى مستوى انتهاك "قانون المنظمات المتأثرة والفاسدة المبتكر"، في إشارة إلى قانون صُمم للمساعدة في مقاضاة الجريمة المنظمة. ومع ذلك، فإن إجراء تحقيق هو ليس بالأمر المؤكد بعد.
انسحاب "مارك زوكربيرغ"
يبدو أن المدير قد انسحب. أتتذكرون في عام 2000 عندما تنحى بيل غيتس عن منصب الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"؟ كانت الشركة تمر بكابوس مكافحة الاحتكار مع المنظمين، وغالباً ما كان يُلقى باللوم على غيتس نفسه في كل ما هو خطأ في نظام التشغيل "ويندوز".
ثم غادر للتركيز على مؤسسة غيتس غير الربحية وأصبح رمزاً خيرياً. يجب أن يبدو هذا الأمر جذاباً جداً بالنسبة لمارك زوكربيرغ في الوقت الحالي، ويكاد يظهر ذلك من خلال سلوكه.
في الأسبوع الماضي، بدلاً من الرد علناً على إحدى أهم التسريبات الداخلية في تاريخ "فيسبوك"، نشر زوكربيرغ مقاطع فيديو لنفسه وهو يقوم بلعبة المبارزة بالسيف الأولمبية ويتحدث عن منتجات الأجهزة الجديدة.
كما قال مازحاً إن صحيفة "نيويورك تايمز" حصلت على تفاصيل خاطئة حول آلته لركوب الأمواج، بينما كانت القصة جدية تتناول كيفية قيام "فيسبوك" بتعديل الـ"نيوز فيد".
تجاهل التسريبات
لقد كان النهج الأكثر منطقية هو أن يقوم زوكربيرغ بمعالجة التسريبات علناً، أو على الأقل التزام الصمت، والتركيز على التعامل مع الأمر.
يجب أن يُعتبر سلوكه هذا مقلقاً، لا سيما لأي شخص يريد أن يرى الرئيس التنفيذي يدير فريق قيادته العليا خلال أزمة جديدة. احتوى التسريب إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" على رؤى من العديد من المجالات المتنوعة في"فيسبوك"، مما يشير إلى أن التسريب قد يكون جاء من شخص أو أشخاص لديهم مسؤوليات كبيرة.
إذا تم استبدال زوكربيرغ، فقد لا يكون ذلك شيئاً سيئاً لأسهم "فيسبوك". إذ بإمكان الرئيس الجديد الذي يصلح مشكلات الشركة بصرامة أكبر، ويرضي المنظمين والمشرِّعين، أن يجعل الموقع مكاناً أكثر جاذبية للمستخدمين الذين غادروه.
من المفهوم أن زوكربيرغ سئم الاعتذار عن جدل جديد دائر. لكن مع تراكم الالتزامات القانونية المحتملة، فإن نهجه يبدو في أحسن الأحوال بعيداً عن الواقع، وفي أسوأ الأحوال غير مسؤول. يجب على مستثمري "فيسبوك" أن ينتبهوا إلى ذلك.