بلومبرغ
قد تتفاقم أسوأ أزمة طاقة في أوروبا منذ عقود في الأشهر الباردة، إذ من غير المرجح أن تعزز روسيا الشحنات حتى نوفمبر على الأقل.
وتنتج شركة "غازبروم" الغاز بأكبر قدر منذ أكثر من عقد في هذا الوقت من العام، لكن الإنتاج الإضافي سيظل في الموطن، حيث تحتاج روسيا إلى إعادة تعبئة مواقع التخزين الخاصة بها التي استُنفدت بشدة بعد شتاء طويل وبارد، وبدأت الدولة حملة تخزين من المقرر أن تستمر حتى أكتوبر، وعندها فقط ستكون قادرة على إرسال تدفقات أكثر إلى أوروبا، وفقاً لما قاله عدد من الشركات بدءاً من "وود أند كو" (Wood & Co) حتى"سيتي غروب".
تأتي قيود التصدير في الموطن في الوقت الذي يواجه فيه كبار العملاء في أوروبا أزمة غاز، مع تحطيم الأسعار للأرقام القياسية، وهو ما دفع وكالة الطاقة الدولية إلى دعوة روسيا لبذل مزيد من الجهد لتعزيز الشحنات، فيما طالبت مجموعة من المشرعين الأوروبيين بإجراء تحقيق في دور "غازبروم" في ارتفاع الأسعار، وقالت الولايات المتحدة إن الأزمة تثير مخاوف بشأن التلاعب بالسوق.
اقرأ أيضاً: "سيتي غروب": سعر الغاز الطبيعي قد يقفز إلى 100 دولار
قال إيلدار دافليتشين المحلل في "وود"، إن "التركيز على السوق المحلية قوي" مع حرص "غازبروم" على تجنب بث الاضطرابات في الإمدادات الروسية رغم احتمالية تحقيق أرباح قياسية في الخارج، وأضاف: "غازبروم ليس لديها كثير من الطاقة الإنتاجية الفائضة الإضافية لرفع الإنتاج على الفور".
وتحرم الإمدادات الروسية المحدودة أوروبا من الوقود الذي تحتاج إليه لملء مخزونها قبل الشتاء، وفي ظل بدء موسم التدفئة في غضون أسابيع قليلة فقط، لن يحصل المستهلكون على راحة من الأسعار المرتفعة للغاية لأن المنافسة الشديدة مع آسيا على شحنات الغاز الطبيعي المسال تتسبب في تفاقم الأزمة.
كانت مواقع التخزين التابعة لشركة "غازبروم" في روسيا ممتلئة بنسبة 16% فقط في نهاية فصل الشتاء الماضي، واستُنزفت أكثر بكثير من المستوى المعتاد عند 35% إلى 40%، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" باستخدام بيانات الشركة. وقال بنك "سيتي غروب" في مذكرة، إن عملاق الغاز الروسي تخطط لإكمال ملء مواقع التخزين الروسية بحلول الأول من نوفمبر، و"بعد ذلك قد تكون أي أحجام فائضة متاحة للسوق الأوروبية".
التخزين الروسي
قالت الشركة المنتجة الأسبوع الماضي إنها تضخ 325 مليون متر مكعب من الغاز يومياً في المخازن الروسية، وهو نفس الحجم تقريباً الذي ترسله يومياً إلى أوروبا الغربية، وأدى ارتفاع الطلب المحلي خلال فصل الشتاء القارس إلى استنفاد المخزونات، في حين عززت موجات الحر في الصيف استخدام الغاز في محطات توليد الكهرباء وقلص عديد من المنتجين الروس الرئيسيين الإمدادات.
اقرأ أيضاً: أسعار الغاز الطبيعي تهدد تعافي الاقتصاد العالمي وتنذر بمشكلات اجتماعية
وقال ديدييه هولو، نائب المدير التنفيذي للعميلة الفرنسية "إنجي إس إيه"، الأسبوع الجاري، رافضاً التعليق على ما إذا كانت "إنجي" طلبت من "غازبروم" كميات إضافية أم لا: "عليهم ملء مخازنهم الخاصة".
وتتلقى شركة "يونيبر" (Uniper SE)، وهي عميلة أوروبية رئيسية أخرى، "الحد الأقصى من الأحجام من روسيا"، وفقاً لكبير مسؤوليها التجاريين نيك دن هولاندر، الذي قال في مقابلة في دبي: "خسرت أوروبا كثيراً من إنتاجها المحلي على مدى العامين الماضيين، لذا فإن أمن الإمدادات والقدرة على تحمل التكاليف سيُطرحان الآن للمناقشة بشكل أكبر".
تخطط الشركة الروسية لضخّ أكثر من 510 مليارات متر مكعب من الغاز العام الجاري، وتتوقع أن تصل الصادرات إلى أوروبا -بما في ذلك تركيا- إلى ما يناهز 183 مليار متر مكعب، رغم إشارة المحللين إلى أن التدفقات الفعلية قد تكون أعلى.
عملاء آخرون
على شركة "غازبروم" أيضاً تلبية الطلب من العملاء بخلاف أوروبا، وتضاعفت الشحنات إلى تركيا العام الجاري. علاوة على ذلك، فهي ترسل الغاز إلى آسيا من الحقول في شرق سيبيريا التي لا يمكن استخدامها لتزويد أوروبا، لأنها غير مرتبطة بنظام خطوط الأنابيب المتجهة غرباً إلى الشركة.
وتضاعفت الإمدادات الروسية عبر الأنابيب إلى الصين ثلاثة أضعاف في النصف الأول على أساس سنوي، ومن المقرر أن يستمر النمو إذ تستهدف شركة "غازبروم" ضخ تدفقات تصل إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً إلى المستهلكين الآسيويين عبر خطوط الأنابيب.
تمتلك "غازبروم" قدرة فائضة لتغطية الارتفاع المفاجئ في الطلب كما في فترات البرد الشديد، وتصل إلى ما يقرب من 150 مليار متر مكعب على أساس سنوي، وفقاً لما قاله المدير التنفيذي أليكسي ميلر الأسبوع الماضي. وفي كل عام تظهر الحاجة إلى هذه القدرة الإضافية "لمدة ثلاثة أو خمسة أو 10 أو ربما 12 يوماً" على حد قوله، ولا تتوافر هذه القدرة بالضرورة في جميع الأوقات أو لفترة طويلة.
اقرأ أيضاً: تحذيرات من شتاء أوروبي صعب بسبب ارتفاع أسعار الغاز
ورفض المكتب الصحفي لشركة "غازبروم" التعليق على خطط الإنتاج على المدى القريب وهل من الممكن الوصول إلى مستويات الإنتاج في فصل الشتاء قريباً أم لا، ويرى دافليتشين، المحلل في شركة "وود"، أن حجم الشركة قد يجعل ذلك صعباً، مع فارق زمني محتمَل بين القرار من الإدارة العليا بشأن الإنتاج أو الصادرات، وتنفيذه الفعلي.
التزامات تعاقدية
قالت "غازبروم" إنها توفي بجميع الالتزامات التعاقدية في الخارج، وتهدف إلى تلبية الطلب الإضافي "عندما يصبح ذلك في الإمكان"، لكن مجموعة من المشرعين الأوروبيين طالبوا المفوضية الأوروبية بالتحقيق في دور الشركة في الارتفاع الحادّ في السوق، قائلين إنهم يشتبهون في أنها تحجب بعض الوقود للضغط على الاتحاد الأوروبي لتسريع الموافقات على خط أنابيب "نورد ستريم 2" الروسي الجديد.
كما قالت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الجاري، إن روسيا "يمكنها أن تفعل مزيداً لزيادة توافر الغاز في أوروبا"، فيما قالت وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر غرانهولم، إن أوروبا والولايات المتحدة يجب أن تكونا مستعدتين "للتصدي" عندما "تتلاعب" دول منتجة للطاقة "في المعروض لصالح نفسها".
اقرأ أيضاً: الكرملين: تشغيل "نوردستريم2" سيحد من ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا
ولن تعتمد أي راحة محتمَلة من ارتفاع الأسعار في نوفمبر على روسيا فقط، بل على درجات حرارة الشتاء في أوروبا والإمدادات من منتجين آخرين مثل النرويج، التي يقترب موسمها للصيانة الضخمة في الحقول من نهايته، وسيكون توافر شحنات الغاز الطبيعي المسال عاملاً أيضاً.
قال فيتالي يرماكوف، الباحث البارز في معهد "أكسفورد" لدراسات الطاقة، إن "شركة غازبروم لا يمكنها أن تلوّح بعصا سحرية وتوصّل غازاً إضافياً إلى أي مكان في أوروبا يطلب ذلك خلال مهلة قصيرة، ومهما حاولت (غازبروم) جاهدة، فإنها لا تستطيع وحدها تحقيق التوازن في سوق ضخمة مثل أوروبا".