بلومبرغ
ببساطة، تمثِّل أزمة المناخ "أكبر فشل للسوق في التاريخ". كان هذا تعليق كنوت كجاير، المؤسس والرئيس التنفيذي لأكبر صندوق ثروة سيادية في العالم حالياً، الذي بات يعدُّ مؤخَّراً، داعماً للاستراتيجيات الاستثمارية الهادفة لحماية كوكب الأرض.
وبحسب الاقتصادي النرويجي البالغ من العمر 65 عاماً، الذي أسهم في صياغة "مبادئ الاستثمار المسؤول" المدعومة من الأمم المتحدة؛ فإنَّ الاستراتيجيات المناخية الجيدة تتطلَّب أفقاً زمنياً أطول بكثير ممَّا هو موجود في أسواق الأسهم.
ودعا كجاير، في مقابلة، مديري الأصول إلى أنْ يستعدوا لـ"التغيير الهائل" الذي سيطرأ خلال العقد المقبل. على صعيد الاستثمارات والسياسات، يعني ذلك ترقُّب أنماط سلوكية جديدة، فيما يحاول الناس التكيّف مع ارتفاع درجات الحرارة ومع البيئة التي ستصبح أقل استقراراً، لأنَّ عدم التكيّف قد يتسبَّب بــ"صدمة انتقالية أكبر بكثير في وقت لاحق".
واليوم، انطلاقاً من موقعه كرئيس مجلس إدارة شركة الأسهم الخاصة "إف إس إن كابيتال"، يؤكِّد كجاير أنَّه لن يقترب من الوقود الأحفوري. ويقول: "نحن في العادة،
لانأخذ شركة سيئة، ونحوّلها إلى شركة جيدة"، ويشير إلى النماذج الاستثمارية التي تعتمدها "إف إس إن"، التي تنظر إلى آفاق للشركة حتى مدة 10 سنوات قادمة، ويقول، إنَّ الشعار هو "لا تملُّس" حين يتعلَّق الأمر بالشركات "المُلوثة".
الاستثمارات والحوكمة
لا يستخدم كجاير المصطلحات نفسها التي يستخدمها نظراؤه في مجال الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، بل يتحدَّث عن المستقبل القاتم الذي ينتظرنا بسبب التسعير الخاطئ المتواصل للكربون، الذي أدى إلى إفراط مزمن في الاستخدام. كما يعزو الفوضى التي تعمُّ الكوكب اليوم إلى "السلوك البشري غير المنطقي".
بدأت التعليقات تضرب على الوتر الحساس كجزء من الضجة المحيطة بالاستثمارات المستندة إلى معايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة (ESG)، واصطدامها بالواقع. وقد كشف عاملون سابقون في المجال عمَّا وصفوه بمزاعم مضللة حول تلك الاستثمارات التي يدلي بها مستثمرون. أمَّا مديرو الأصول الذين قاموا بإعلانات جريئة فيما خصَّ إنجازاتهم على ذلك الصعيد، باتوا اليوم هدفاً لتحقيقات دولية.
في غضون ذلك، أكَّد العلماء أنَّ درجة حرارة كوكب الأرض ترتفع بوتيرة أسرع ممَّا كان يُعتقد سابقاً، محذِّرين من أن لا سبيل لتجنُّب البشرية لكارثة مناخية إلا عبر خفض انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة جداً.
التكيف مع الحرارة
استجاب القطاع المالي إلى الخطر الداهم على صعيد الكوكب من خلال إنشائه لسوق بقيمة 35 تريليون دولار متخصصة بالبيئة، والمجتمع، والحوكمة، وفي هذه السوق تكون العديد من المنتجات الاستثمارية ذات أسعار مرتفعة، ويستمر المال في التدفُّق إليها. فالاستثمارات في صناديق المؤشرات المتداولة المراعية لخصاص الحوكمة البيئية، والاجتماعية، وحوكمة الشركات ارتفعت بأكثر من الضعفين في الأسبوع الماضي، لتشهد استمرار التدفُّقات إليها للأسبوع الثاني والخمسين على التوالي. إلا أنَّ جيشاً متنامياً من هيئات الرقابة المناخية بدأت تجد ثغرات ضخمة في المنتجات التي يتمُّ طرحها على أنَّها خضراء.
طريق صعب
من جانبه، لا يعتقد كجاير أَّن القطاع المالي العالمي يملك القدرة على تحقيق التغيير اللازم. ويعود ذلك بجزء منه إلى أنَّ أي استراتيجية حوكمة يجب أن تطبَّق لفترات أطول بكثير ممَّا هو سائد عادة في الأسواق العامة. إلا أنَّ كجاير أقرَّ أنَّ المستثمرين ليسوا قادرين كلهم على اتباع النهج الانتقائي نفسه الذي تعتمده شركة
"إف إس إن" أيضاً".
وقد حقَّقت الشركات التي تستثمر بها شركة كجاير ارتفاعاً بنسبة 11% في إجمالي العوائد في العام الماضي، في حين ارتفع ربحها التشغيلي (الأرباح قبل الفائدة، والضرائب، والإهلاك، واستهلاك الدين) بنسبة 35%، بحسب الموقع الالكتروني للشركة. وكانت "إف إس إن" قد أعلنت في يونيو الماضي أنَّها تلقت أموالاً من المستثمرين أكثر ممَّا كانت تخطط بعد اكتتاب عدد زائد في جولتها الاستثمارية الأخيرة. وسيتمُّ استثمار مبلغ الـ1.8 مليار يورو (2.1 مليار دولار) الذي تمَّ تحقيقه في شركات متوسطة الحجم في شمال أوروبا تلتزم بما يعرف بمعيار المادة الثامنة، أو تقع ضمن تصنيف "الأخضر الفاتح" بحسب لوائح الإفصاح حول التمويل المستدام الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
وتقول المستشارة القانونية في "إف إس إن"، ريبيكا سفينسوي، إنَّ جزءاً من استراتيجية الشركة تقوم على افتراض أنَّ العالم سيبدو مختلفاً مع البدء بالإحساس بتبعات التغيّر المناخي. وأوضحت: "على مستوى المحفظة الاستثمارية، كنا على استعداد لسيناريو تحوّلي، وسيناريو تكيّفي"، ويتضمَّن ذلك اعتماد "نهج يتوخّى الحرص بشكل منفصل" الذي يستهدف التغيّر المناخي بشكل خاص.
من جهته، يرى كجاير أنَّ "كلَّ استثمار نقوم به، وكلَّ خطوة نتخذها في الشركات التي تشملها المحفظة، يجب أن يكون لها أفق 10 سنوات". أمَّا الغاية فهي أن تكون الاستراتيجية المعتمدة في "إف إس إن" متماشية مع" الحدِّ من ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وفق الهدف الذي تنصُّ عليه اتفاقية باريس المناخية.
إلا أنَّ كجاير لا يوارب فيما يخصّ الصورة العامة، إذ يقول بأنَّه، حتى لو تمَّ ضبط ارتفاع درجات الحرارة عند هذا الحدّ؛ فإنَّ ذلك يعني "تدهوراً هائلاً" بالمناخ بالمقارنة مع ما هو موجود اليوم. ولهذا السبب يقول، إنَّ التكيّف هو الاستراتيجية "التي علينا أن نطبِّقها".